عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-09-2023, 06:47 AM   #3
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 6,029
إفتراضي

ولكنه في أغلب الأحيان يبدو قويا جلدا، تسمو به الهمم، فيرقى فوق الألم، ويحلو له العذاب، ويشعر بلذة الاضمحلال في الحبيب؛ فتفنى إرادته في إرادته، ويستسلم للموت راضيا به، مستمتعا بما يجده الناس مرا، ولم لا مادام قاضي الحب يقضي بذلك، ومادام هذا الموت الدنيوي تعقبه حياة في كنف الحبيب أبدية لانهاية لها ولا زوال:
ألفت روحي الغرام فما ... شاء قاضي الحب يفعل بي
إن يكن أرضاهم تلفي ... فرضاهم منتهى أربي
نحن من قوم إذا عشقوا ... بذلوا الأرواح في الطلب

هذه هي مصداقية الصوفية في حبهم؛ فهل بعد بذل الروح من تضحية ؟ أم فوق إتلاف النفس راضية في سبيل الحبيب من مصداقية وبرهان ؟!!.."
بالقطع الشعر السابق ملىء بالمخالفات لكتاب الله كنحول الأجسام وضناها فالله لم يطلب من الناس أن يمرضوا أنفسهم بأنفسهم وإنما بين لهم أن الله غنى عن احراجهم وهو إضرارهم بالتشريعات الضارة فقال :" وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
وكذلك طلب رؤية الله عيانا مع أنه أمر محال بكل الطرق لكونه حلول واتحاد بالخلق فى المكان كما أن الله حرمه بقوله" لن ترانى"...
واللازمة الثانية التى تحدثوا عنها التوسل فقالوا:
"2- التضرع والتوسل والاستعطاف:
إذا برح الشوق بالمحب، وأقض مضجعه، ولم يجد حيلة إلى الوصال، فهل له إلا التضرع والتوسل إلى محبوبه، واستعطافه، عله يصفح عنه ويرضى، ويمن عليه بالوصل الذي يطمح إليه فكره، وتتوق نفسه، ويشتاق قلبه ؟. ولقد كثر في شعر صاحبنا التوسل والاستعطاف للمحبوب، فمن ذلك قوله:
من لي إذا أنا عن حماكم أمنع ... وبأي جاه عندكم أتشفع
وحماكم الرحب الوسيع لوارد ... ولصادر، قل لي فأين المرجع
فقري إليكم شافعي، ومدامعي ... تملي عليكم قصتي فتسمعوا
فأنا الذي علقت بكم آماله ... مالي وحقكمو سواكم مطمع
فلئن منعت رضاكمو دون الورى ... فأنا الطريد ببابكم أتضرع
ما حيلة المطرود إلا هكذا ... أبدا على أبوابكم يتخضع
ونجد مثل هذا يتكرر في قصائد أخرى، وهو يضيف إلى التوسل والاستعطاف إقرارا بالذنب، واعترافا بالخطيئة، وإحساسا مرا بالندم، ولعل فيما يسكبه من دموع الأسى والندم ما يلين قلب المحبوب، ويزيل ويلات غضبه، ونيران صدوده:
لك المشتكى إذ أنت بالحال أعلم ... ومنك الرجا إذ أنت بالعبد أرحم
فإن عظمت مني ذنوب تكاثرت ... فعفوك عن تلك الجرائم أعظم
وقد غرني جهلي بقبح خطيئتي ... وقد دلني علمي بأنك أكرم
إذا كنت تقصيني وأنت ذخيرتي ... لمن أشتكي حالي ومن فيه يحكم
لئن كان طردي عن حماك محللا ... فميلي إلى مولى سواك محرم
وإن كان دمعي من صدودك شافعي ... فما حيلتي إلا البكا والتندم

وشاعرنا لا يرى في هذا التضرع والخضوع للمحبوب لونا من ألوان الذل أو الضعف، أو الضعة، ولا يجد فيه ما يتعارض مع الشجاعة، والشهامة؛ فإن شرع الحب يسمح للمحب أن يذل لمحبوبه، وأن يبدي له الخضوع والاستسلام، من غير أن ينقص هذا من شهامته أو يحط من كرامته:
فإذا ذللت لعزنا ولهت لهيـ ... ـبتك الملوك وهابك السلطان
فاخضع وذل لمن تحب فإنه ... حكم الهوى أن تخضع الشجعان
ولا عجب في هذا، فالمحبوب هنا هو رب عزيز، من ذل لعزه عز، ومن اتضع لرفعته سما وارتفع. ويتكرر هذا المعنى في موضع آخر من ديوانه، ولكن في صيغة أخرى؛ خمرية غزلية، يقول:
وادن من دن حمياها وقف ... وقفة المضطر يكفى إذ دنا
وإذا نوديت من هذا الذي ... لزم الباب ذليلا ؟ قل: أنا
ولعل في تلوين الأساليب الذي اتسم به شعر الرجل ما يسوغ له ذلك التكرار في المعاني، وما ينفي عن قارئه الشعور بالملل؛ فالتكرار إن لم يكن له ما يسوغه من عناصر الجدة في العرض فوقعه على النفوس سمج ثقيل.
3- الطرد والهجر والقطيعة بعد الوصال:
لعل أقسى ما يعرض للمحبين هو الطرد بعد القرب، والقطيعة بعد الوصال، ونجد في شعر المقدسي ونثره شكوى مرة وتفجعا وحسرة تدل على تعرضه لمثل هذه الحال، التي هي أشد ألما وقسوة وتأثيرا في نفس العاشق الواصل، الذي عرضت له القطيعة بعد أن ذاق لذاذات القرب والوصال، وهذا ما أشار إليه الشاعر بقوله:
فإن يرضيكمو طردي وبعدي ... فصبري في محبتكم جميل
وحق قديم أيام التصابي ... سلوي عن هواكم مستحيل
قطعت بوصلكم أيام أنسي ... فلا أسلو وقد بقي القليل
وهو يشبه هجر المحبوب بالسيف، وحاله في بعده عن الحبيب بالقتل، وأي قتل، إنه القتل العمد، فقد توافرت نية الحبيب على هجره، الذي هو سبب قتله وموته:
قتلت بسيف هجركم اعتمادا ... فإن ترضوا فقد رضي القتيل
وفي موضع آخر يشبهه بنار الجحيم مرة، وبالموت مرة أخرى، بعد أن شبه لذة الوصال التي كان يعيشها بنعيم الجنان:
قد كان يأوي إلى جنات وصلكمو ... بالهجر حر لهيب النار مأواه
يغشاه فرط غرام من تذكركم ... وإنه المبتلى في الحب ذكراه
ما ضركم لو بعثتم طيف وصلكم ... لميت الهجر حياه فأحياه
إن شاعرنا ليرى نار الجحيم أقل ضراوة من نار القطيعة، لا بل إنه يسوغ له الاحتراق بالنار، ويطيب حرها، ويحلو لهيبها في ناظريه، في حين لا تقوى نفسه على تحمل حر القطيعة وسموم الهجر، يقول في مخمس:
لو قلت: رد في النار، طاب جحيمها ... وحلا وحقك في هواك حميمها
إلا القطيعة لا أطيق أسومها ... فلقد براني حرها وسمومها
والهم داء برؤه لم ينجع
ولعل فترة القطيعة تلك قد طالت على صاحبنا، ما جعله يكثر النوح والبكاء وذرف الدموع، وينظم الأشعار الكثيرة، معبرا عما عاناه في تلك الفترة، وفي كتاب " كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار " اتخذ من الطاووس رمزا لمقام الهجر بعد القرب، والقطيعة بعد الوصال، وعبر عن ذلك المعنى بقصيدة - على لسان الطاووس - بالغة التأثير، قال فيها:

وإذا ذكرت لياليا سلفت لنا ... في وصل أحبابي وظل ربوعي
فأكاد من حرقي أذوب صبابة ... لولا يجود علي فيض دموعي
ووعدتموني في الخيال بزورة ... فتضاعفت حرقي وزاد ولوعي
إن كان ذنبي صدني عن بابكم ... فإليكم فقري أعز شفيع
ماضي القطيعة لا يعاد وما جرى ... كاف وحسبي ذلتي وخضوعي
ويعقب المقدسي على الأبيات بقوله: [ فوالله لقد رثيت لمصابه، وبكيت لأوصابه، ولاشيء أنكى من الاغتراب بعد الاقتراب، ولا أمر من الحجاب، بعد مشاهدة الأحباب ].
ولعل هذا المقام هو عين ما سماه شيخ الصوفية الأكبر في " فتوحاته المكية " [ المنزل الذي يحط إليه الولي إذا طرده الحق تعالى من جواره ] وقدم له بهذه الأبيات التي تلخص معانيه وتبين سماته:
إذا حط الولي فليس إلا ... عروج وارتقاء في علو
فإن الحق لا تقييد فيه ... ففي عين النوى عين الدنو
فحال المجتبى في كل حال ... سمو في سمو في سمو
ويشبه ابن عربي تلك الحال بهبوط آدم من الجنة عقوبة له لمخالفته ربه ومقارفته ما نهاه عنه.
ولقد واجه المقدسي حال قطيعته بما ينبغي من الاعتراف بالذنب، والانكسار إلى الله سبحانه، والندم على
ما فرط في جنبه تعالى، والتزام الصبر، والوفاء بحقوق المولى، والمواظبة على طاعته، والحفاظ على عهده وحبه، وقد رأينا ذلك فيما مر من أشعاره، وفي كثير غيرها، كقوله:
هجرتم فيا لهف قلبي على ... زمان تقضى بطيب الوصال
مددت يدي مستغيثا بكم ... تشير إليكم بذل السؤال
ووجهت وجهي إلى بابكم ... فلا تحرموني ذاك الجمال
وأقسمت لا حلت عن عهدكم ... ولو ذقت فيكم أليم النكال
وإن تطردوني عن بابكم ... فحالي عن حبكم ما استحال
ويعبر هنا عن حفظه العهد، وبقائه على الحب، وتلهفه إلى أيام الوصال التي زالت وحرم نعيمها ولذاذاتها.
وفي مواطن أخرى نراه يقف موقف المعترف بالذنب، المقر بالتقصير، ولا يجد لنفسه حيلة إلا البكاء والندم على ما فات:
فإن عظمت مني ذنوب تكاثرت ... فعفوك عن تلك الجرائم أعظم
وقد غرني جهلي بقبح خطيئتي ... وقد دلني علمي بأنك أكرم
إذا كنت تقصيني وأنت ذخيرتي ... لمن أشتكي حالي ومن فيه يحكم
لئن كان طردي عن حماك محللا ... فميلي إلى مولى سواك محرم
وإن كان دمعي من صدودك شافعي ... فما حيلتي إلا البكا والتندم"

والحقيقة ان الشعر السابق لا يخلو من الاعتداء على دين الله بما فيه من مخالفات مثل الطيف والزورة والهجر فكلامه شبيه بشعر الصوفية وهم قوم اخترعوا وابتدعوا دينا غير ما فى كتاب الله ظنا منهم أنهم أحسن من باقى الناس مخالفين قوله " إنما المؤمنون اخوة " ومخالفين قوله " هو اعلم بمن اتقى"
رضا البطاوى متصل الآن   الرد مع إقتباس