والشاهد -أيها الإخوة- من هذا التقسيم كله أن النذر عبادة لها أحكام في شرع الله -تعالى- فمن صرف هذه العبادة لغيره -عز وجل- فقد أشرك بالله جل في علاه.
فمن النذر ما هو شرك بالله -عز وجل- كأن ينذر لغير الله من الجن أو الأولياء الصالحين أو أصحاب المشاهد والقبور. وهذا عبادة لغير الله -تعالى- فهو شرك وهذا واقع في هذه الأمة بكثرة من حين وجدت الأضرحة وبنيت على القبور وصار كثير من الناس يتجهون إليها، لأنهم قيل لهم:
إن هذه القبور فيها بركة وفيها نفع وفيها دفع ضرر وإنها محرمة فمن نذر للقبر الفلاني أو للشيخ الفلاني فإنه يحصل له مقصوده، إن كان مريضاً يشفى، وإن كانت امرأة تريد الحمل فإنها إذا نذرت للشيخ الفلاني تحمل، وإذا حصل بالناس تأخر مطر أو خير نذروا لهذه القبور نزل المطر إلى غير ذلك من المغريات التي قيلت للناس ألقاها إليهم الشيطان على ألسنة أوليائه المنتفعين من وراء ذلك وما أكثرهم.
وقد يفعل بعض الناس ذلك ويحصل الله لهم مقصودهم ابتلاء وامتحاناً منه -جل وعلا- أو قد يكون هذا قدره فصدف أن حصل فيظن الجهال أن الشيخ أو الولي هو الذي ساقه وهذا جهل بالله وقضائه وقدره -عز وجل-."
وبعد كل هذا الكلام انتهى الكاتب إلى الخلاصة وهى :
فالنذر -أيها الإخوة- النذر لغير الله شرك من وجوه:
"الوجه الأول: أن النذر بالطاعات عبادة لله -تعالى- مدح المؤمنين بها فصرفها لغير الله شرك.
الوجه الثاني: أن النذر لغير الله مبني على اعتقاد أن الضر والنفع في يد هذا المنذور له وليس في يد الله وأنه يعلم حال الناذر وأنه يتصرف في الأمور ويقضي الحاجات ويفك الكربات واعتقاد ذلك فيما سوى الله شرك أكبر فإنه لا يملك ذلك إلا هو -سبحانه وتعالى-.
الوجه الثالث: أن النذر لغير الله يدل بالضرورة على محبة ذلك الغير حبًّا جمًّا يساوي أو يزيد عن حب الله ولأجل هذا انصرف هذا الناذر بنذره عن الله واتجه إلى الذي له نذر من ولي أو جني وهذا شرك في المحبة مع الله.
الوجه الرابع: أن غالب الذين ينذرون لغير الله -تعالى- ينذرون للأموات وهل الميت يملك من أمر نفسه شيئًا فضلًا عن أن يملك نفع غيره أو ضره فيا عقل هذا العاقل الذي يطلب ممن لا يملك ولا يقدر بل ولا يستحق شيئا ويطلب إليه الحوائج والأشياء وهذا شرك أن نطلب من الأموات أو الأحياء ما لا يقدر عليه إلا الله وصدق ربي إذ يقول: "قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمْ مَنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ [يونس: 31] ".
ويقول جل شأنه: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة: 165]. لهذه الأسباب جميعا -أيها الإخوة- كان النذر لغير الله -تعالى- شرك ينبغي الترفع والابتعاد والاجتناب له نسأل الله أن يقينا الشرك كله دقه وجله علانيته وسره ولابد وقد تحدثنا عن النذر أن نتناول سريعًا بعض الأحكام اللازم للعبد معرفتها عنه "
كما سبق القول كل ما يحكم النذور هو :
طاعة زائدة لله فالنذر المذكور فى قصة آل عمران ليس فرضا على المرأة ولا غيرها وهو :
نذر الطفل لله والمقصود أن يكون خادما لبيت الله
ومن ثم لا نذور فى زيادة صلوات أو صيام أو ... على النفس لأن الله حدد عدد الصلوات وحدد أيام الصوم ومن ثم يعتبر ذلك معصية لله لأنها مخالفة لما حدده الله وإنما النذر يكون فى المال سواء نقود أو أنعام أو اطعام
وتحدث عن بعض أحكام النذور فقال :
ثالثاً بعض الأحكام التي تتعلق بالنذر، فمن هذه الأحكام:
أولاً: نذر العبادة بمكان معين: أيها الإخوة! من كان نذر لله -تعالى- عبادة في مكان معين فقال: لله على أن أصلي كذا وكذا في مكان كذا، أو على لله أن أصوم كذا أو كذا في مكان كذا. ينظر هل للمكان الذي نذر العبادة فيه مزية في الشرع تختص بما قاله كأن يكون قال: لله على أن أصلي بالمسجد الحرام أو المسجد الأقصى أو مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذا مشروع ويتعين عليه ذلك، أما أن يكون مكاناً غير هذا فهذا تلزمه القربى وهي الصلاة والصوم فقط ولا يلزمه المكان، كأن قال: لله -تعالى- علي أن أصلي كذا وكذا في مسجد كذا يقصد مسجدًا غير المساجد الثلاثة هذا يلزمه أداء الصلاة ولكن في أي مكان، لأن المسجد الذي نذره لا يتعين في الشرع وليس له ميزة على غيره من المساجد."
وما أباحه الخطيب محرم فلا يحل تخصيص مكان بصلاة أو بغيرها لأن تلك النذور المكانية من الممكن ان تؤدى لكوارث كاخلاء بعض بلاد المسلمين من الناس وهو ما يسهل عملية احتلالها من قبل الأعداء
ثم قال :
ثانيًا: النذر لشيخ معين: ومن نذر لشيخ معين فإن كان حيّاً وقصد الناذر الصدقة عليه لفقره وحاجته أثناء حياته كان ذلك النذر صحيحاً وهذا من باب الإحسان الذي حبب فيه الإسلام. ولو كان هذا الشيخ ميتاً وقصد الناذر الاستغاثة به وطلب قضاء الحاجات منه فإن هذا نذر شرك لا يجوز الوفاء به.
ثالثاً: كفارة النذر: إذا حنث الناذر أو رجع عن نذره لزمته كفارة يمين بعتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ولا يبدأ بالصيام كما يفعله كثير من الناس إلا إن عجز عن العتق أوالإطعام أو الكسوة. والدليل على ذلك ما روى الترمذي وغيره من حديث عقبة بن عامر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كفارة النذر كفارة يمين". وقد قال بعض العلماء هذا الحديث من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يشمل كل نذر حتى نذر المعصية وعليه فمن نذر معصية فيجب عليه الامتناع عن فعلها وأن يُكفر كفارة يمين."
يجب ان نفرق بين نذر دون حلف ونذر بحلف وهو القسم على العمل فالمقسوم عليه كفارته تكون كفارة اليمين لكون يمين وأما النذر وهو قطع عهد على النفس فكفارته ككفارة كل الذنوب وهو :
الاستغفار فقط
ثم قال عن نذر الصوم الذى مات الناذر فيه فقال :
"رابعا: من مات وعليه نذر صيام: إذا نذر شخص صياماً ثم مات قبل أن يوفي به وجب على أوليائه أن يصوموا عنه ذلك النذر، وأولياؤه هم أقرب الناس إليه روى ابن ماجة أن امرأة سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: "إن أمي توفيت وعليها نذر صيام فتوفيت قبل أن تقضيه فقال ليصم عنها الولي".
وكذا من نذر حجًّا أو صدقة أو نحوهما يصح النيابة عن الغير فيها يجب على الأولياء أن يوفوا به."
وإباحة صوم أقارب الناذر الميت لا ينفعه بشىء لأنه ما ينفعه هو عمله وهو سعيه كما قال سبحانه :
" وأن ليس للإنسان إلا ما سعى"
وأنهى الرجل خطبته بالدعاء للناذرين حراما أن يتوب الله عليهم فقال :
" وأخيراً أتوجه بالدعاء إلى الله أن يتوب على الذين فعلوا ما حذرنا الله منه من النذر و تقديمه للقبور أو للجن أو الشياطين أو حتى للأولياء والصالحين وأن يردهم إلى الحق ردّاً جميلًا.
فهذه النذور يجب أن يعلموا أنها باطلة، لا يجوز لناذرها الوفاء بها فإن وفى بها ونفذها صار مشركاً بالله الشرك الأكبر فيجب عليه أن يتوب توبة نصوحًا فيها الندم الشديد والعزم على عدم العودة الى ذلك وهذا في النذر الواحد فكيف بمن أفنى عمره بالنذور وضيع ماله بالنذور كلما أحس بشيء أو خاف من شيء أو رجا شيئاً راح ينذر للأولياء والصالحين؟"
|