عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-11-2008, 06:33 AM   #21
محمد الحبشي
قـوس المـطر
 
الصورة الرمزية لـ محمد الحبشي
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2006
الإقامة: بعيدا عن هنا
المشاركات: 3,527
إفتراضي

ما بعد أُحد




حدث جدال خطير وجرت مناقشات حادة فى معسكر قريش بعد معركة أحد ، كان راى البعض - وعلى رأسهم عكرمة – ملاحقة المسلمين والقضاء عليهم تماما خاصة وهم فى هذه الحالة السيئة بعد أحد . والرأى الآخر – وعلى راسهم صفوان بن امية – يقترح العودة فورا إلى مكة حيث أن الجيش القرشى قد لاقى هو الآخر نصيبا من الجراحات إلى جانب أن هناك 300 من جيش المسلمين لم يشاركوا هذا اليوم (المنافقين) وخشى أن يندم هؤلاء ويعودوا إلى صفوف المسلمين .

لم يحسم هذا النقاش سوى - القبض على وإعدام- 2 من كشافة المسلمين مما أكد شكوك صفوان وعصابته وحسم أمر العودة إلى مكة .

لقد أمر النبىّ صباح هذا اليوم بلال بأن يؤذن فى المسلمين ويدعوهم إلى المعركة رغم ما هم فيه من جراح وآلام لكنهم على الفور لبوا داعى الجهاد على أن يشارك فقط من المدينة كل من شارك بالأمس فقط ، وبلغ هؤلاء قرابة 500 مقاتل .

كانت "أُحد" أولى غزوات خالد ، وأول قيادة لأبى سفيان ، وكانت مخالفة الرماة أوامر النبى المشددة سببا رئيسيا فى الهزيمة حين عادوا إلى طبيعتهم الجاهلية فى السلب والنهب .

لقد عبر كثير من الكتّاب عن رأيهم بأن عرب هذه الفترة من التاريخ كانوا يجهلون الحرب النظامية ، وأنهم لم يكونوا من وجهة نظر عسكرية بحتة سوى غزاة ومغيرين لا يعرفون شيئا عن الحرب النظامية .

لكن قولهم هذا غير صحيح بالمرة ، فلو تأملنا تراتيب القتال التى اتخذها النبى وكذلك الأسباب العسكرية السليمة الكامنة وراء نشره قواته ، فالملاحظ أن النبى فى اختياره ميدان المعركة قد ترك المدينة مفتوحة لهجوم القرشيين ، والمدينة قاعدة المسلمين والطريق الذى يؤدى إليها مفتوحا تماما . فلو أن أبا سفيان قرر التحرك إلى المدينة فإن المسلمين لن يكونوا فى طريق تقدمه واعتراضه !!

الحق أن أبا سفيان لم يكن ليجرؤ على مثل هذا القرار وهذا ما توقعه النبى تماما !
لأنه لو فعل ذلك لعرض مجنبته ومؤخرته للهجوم من المسلمين وهذا ما حدث فعلا حيث اضطر أبو سفيان إلى مواجهة المسلمين .

كان هذا نموذجا عسكريا تكرر كثيرا فى التاريخ ، لقوة تدافع عن قاعدتها ليس بالتمركز فيها وخوض معركة جبهية بل بتهديد أى تحرك معادى لها من الجنب . وبينما كان ابو سفيان مضطرا لخوض معركة تحت ظروف غير مواتية له ، فقد كان ترتيب قواته سليما . فقد قسم الجيش إلى قوة رئيسية من المشاة فى الوسط وأجنحة متحركة للمناورة ضد مجنبات العدوّ ومؤخرته .
وبالنظر لخطة كلا الجيشين ، فإن أى قائد رومانى أو فارسى يخوض هذه المعركة فمن المؤكد أنه سيتبع نفس موقفى الجيشين .

هناك نقطة أخرى ، هى فكر خالد ، فعندما هربت القوة الرئيسية من قريش بقى الجناحان ثابتان وبشكل عام فعندما تنهار القوة الرئيسية لأى جيش تسقط الفروع والفرق الصغيرة معه ، لكننا هنا نلحظ سيطرة خالد التامة على سريته التى ظلت ثابتة لم تتحرك من مكانها ، ورفضه لقبول الهزيمة حتى لمح بعينه الثاقبة ثغرة الرماة ، هنا قرر المجازفة بخطة تحتاج شجاعة فائقة وغير اعتيادية .

إنه هنا ، لاحظ ,, فكر ،، قرر

وكل هذا فى ثوان معدودة . أثبت خالد فى موقفه هذا إمتلاكه لجرأة الشباب وحماستهم ، وفكر وأناة وحلم الكهول ، وكل هذه مقومات قائد عسكرى بارع وسوف تظهر كل صفاته هذه فى معارك لاحقة أكثر شراسة وأعظم خطرا .

كانت "أُحد" أولى المعارك التى نفذت فيها مناورات بارعة ، بعدها اخذت المناورات الحربية تبرز بشكل واضح ، وقد لمعت أسماء اكتسبت شهرة عسكرية خلال العقدين التاليين لأحد :

خالد ، عمرو بن العاص ، أبو عبيدة ، سعد بن أبى وقاص .
__________________

محمد الحبشي غير متصل   الرد مع إقتباس