الموضوع: رحلة ابن فضلان
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 29-09-2007, 06:45 PM   #2
*سهيل*اليماني*
العضو المميز لعام 2007
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2006
المشاركات: 1,786
إفتراضي

رحلة ابن فضلان

وسمعتهم يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله تقرباً بهذا القول إلى من يجتاز بهم من المسلمين لا اعتقاداً لذلك وإذا ظلم أحد منهم أو جرى عليه أمر يكرهه رفع رأسه إلى السماء وقال: بير تنكري وهو بالتركية الله الواحد لأن بير بالتركية واحد وتنكري: الله بلغة الترك. ولا يستنجون من غائط ولا بول ولا يغتسلون من جنابة ولا غير ذلك وليس بينهم وبين الماء عمل خاصة في الشتاء ولا يستتر نساؤهم من رجالهم ولا من غيرهم كذلك لا تستر المرأة شيئاً من بدنها عن أحد من الناس.

ولقد نزلنا يوماً على رجل منهم فجلسنا وامرأة الرجل معنا فبينا هي تحدثنا إذ كشفت فرجها وحكته ونحن ننظر إليها فسترنا وجوهنا وقلنا: أستغفر الله فضحك زوجها وقال للترجمان: قل لهم تكشفه بحضرتكم فترونه وتصونه فلا يوصل إليه هو خير من أن تغطيه وتمكن منه وليس يعرفون الزنا ومن ظهروا منه على شيء من فعله شقوه بنصفين وذلك أنهم يجمعون بين أغصان شجرتين ثم يشدونه بالأغصان ويرسلون الشجرتين فينشق الذي شد إليهما.

وقال بعضهم وسمعني أقرا قرآناً فاستحسن القرآن وأقبل يقول للترجمان قل له: لا تسكت وقال لي هذا الرجل يوماً على لسان الترجمان: قل لهذا العربي: ألربنا عز وجل امرأة فاستعظمت ذلك وسبحت الله واستغفرته فسبح واستغفر كما فعلت وكذلك رسم التركي كلما سمع المسلم يسبح ويهلل قال مثله. ورسوم تزويجهم وهو أن يخطب الواحد منهم إلى الآخر بعض حرمه: إما ابنته أو أخته أو بعض من يملك أمره على كذا وكذا ثوب خوارزمي فإذا وافقه حملها إليه وربما كان المهر جمالاً أو دواب أو غير ذلك وليس يصل الواحد إلى امرأته حتى يوفي الصداق الذي قد وافق وليها عليه فإذا وفاه إياه جاء غير محتشم حتى يدخل إلى المنزل الذي هي فيه فيأخذها بحضرة أبيها وأمها وإخوتها فلا يمنعونه من ذلك.

وإذا مات الرجل وله زوجة وأولاد تزوج الأكبر من ولده بامرأته إذا لم تكن أمه ولا يقدر أحد من التجار ولا غيرهم أن يغتسل من جنابة بحضرتهم إلا ليلا من حيث لا يرونه وذلك أنهم يغضبون ويقولون: هذا يريد أن يسحرنا لأنه قد تفرس في الماء ويغرمونه مالا.

ولا يقدر أحد من المسلمين أن يجتاز ببلدهم حتى يجعل له منهم صديقاً ينزل عليه ويحمل له من بلد الإسلام ثوباً ولامرأته مقنعة وشيئاً من فلفل وجاورس وزبيب وجوز فإذا قدم على صديقه ضرب له قبة وحمل إليه من الغنم على قدره حتى يتولى المسلم ذبحها لأن الترك لا يذبحون وإنما يضرب الواحد منهم رأس الشاة حتى تموت.

وإذا أراد الرجل منهم الرحيل وقد قام عليه شيء من جماله ودوابه أو احتاج إلى مال ترك ما قد قام عند صديقه التركي وأخذ من جماله ودوابه وماله حاجته ورحل فإذا عاد من الوجه الذي يقصده قضاه ماله ورد إليه جماله ودوابه.

وكذلك لو اجتاز بالتركي إنسان لا يعرفه ثم قال: أنا ضيفك وأنا أريد من جمالك ودوابك ودراهمك دفع إليه ما يريد فإن مات التاجر في وجهه ذلك وعادت القافلة لقيهم التركي وقال أين ضيفي فإن قالوا: مات حط القافلة ثم جاء إلى أنبل تاجر يراه فيهم فحل متاعه وهو ينظر فأخذ من دراهمه مثل ماله عند ذلك التاجر بغير زيادة حبة وكذلك يأخذ من دوابه وجماله وقال: ذلك ابن عمك وأنت أحق من غرم عنه وإن فر فعل أيضاً ذلك الفعل وقال له ذلك مسلم مثلك خذ أنت منه وإن لم يوافق المسلم ضيفه في الجادة سأل عن بلاده: أين هو فإذا أرشد إليه سار في طلبه مسيرة أيام حتى يصير إليه ويرفع ماله عنده وكذلك ما يهديه له.

وهذه أيضاً سبيل التركي إذا دخل الجرجانية سأل عن ضيفه فنزل عليه حتى يرتحل ومتى مات التركي عند صديقه المسلم واجتازت القافلة وفيها صديقه قتلوه وقالوا: أنت قتلته بحبسك إياه ولو لم تحبسه لما مات وكذلك إن سقاه نبيذا فتردى من حائط قتلوه به فإن لم يكن في القافلة عمدوا إلى أجل من فيها فقتلوه.

وأمر اللواط عندهم عظيم جداً ولقد نزل على حي كوذركين وهو خليفة ملك الترك رجل من أهل خوارزم فأقام عند ضيف له مدة في ابتياع غنم وكان للتركي ابن أمرد فلم يزل الخوارزمي يداريه ويراوده عن نفسه حتى طاوعه على ما أراد وجاء التركي فوجدهما في بنيانهما فرفع التركي ذلك إلى كوذركي فقال له: اجمع الترك فجمعهم فلما اجتمعوا قال للتركي: بالحق تحب أن أحكم أم بالباطل قال: بالحق قال: أحضر ابنك فأحضره فقال: يجب عليه وعلى التاجر أن يقتلا جميعاً فامتعض التركي من ذلك وقال: لا أسلم ابني فقال: فيفتدي التاجر نفسه ففعل ودفع للتركي غنماً للفعل بابنه ودفع إلى كوذركين أربعمئة شاة لما رفع عنه وارتحل عن بلد الترك فأول من لقينا من ملوكهم ورؤسائهم ينال الصغير وقد كان أسلم فقيل له: إن أسلمت لم ترؤسنا فرجع عن إسلامه فلما وصلنا إلى الموضع الذي هو فيه قال: لا أترككم تجوزون لأن هذا شيء ما سمعنا به قط ولا ظننا أنه يكون فرفقنا به إلى أن رضي بخفتان جرجاني يساوي عشرة دراهم وشقة باي باف وأقراص خبز وكف زبيب ومئة جوزة فلما دفعنا هذا إليه سجد لنا وهذا رسمهم إذا أكرم الرجل الرجل سجد له وقال: لولا أن بيوتي نائية عن الطريق لحملت إليكم غنما وبرا وانصرف عنا وارتحلنا.

فلما كان من غد لقينا رجل واحد من الأتراك دميم الخلقة رث الثياب قميء المنظر خسيس المخبر وقد أخذنا مطر شديد فقال: قفوا فوقفت القافلة بأسرها وهي نحو ثلاثة آلاف دابة وخمسة آلاف رجل ثم قال: ليس يجوز منكم أحد فوقفنا طاعة لأمره فقلنا له: نحن أصدقاء كوذركين فأقبل يضحك ويقول: من كوذركين أنا أخرى على لحية كوذركين ثم قال: بكند يعني الخبز بلغة خوارزم فدفعت إليه أقراصاً فأخذها وقال مروا قد رحمتكم. قال: وإذا مرض الرجل منهم وكان له جوارٍ وعبيد خدموه ولم يقربه أحد من أهل بيته ويضربون له خيمة ناحية من البيوت فلا يزال فيها إلى أن يموت أو يبرأ وإن كان عبداً أو فقيراً رموا به في الصحراء وارتحلوا عنه.

وإذا مات الرجل منهم حفروا له حفيرة كبيرة كهيئة البيت وعمدوا إليه فألبسوه قرطقة ومنطقته وقوسه وجعلوا في يده قدحاً من خشب فيه نبيذ وتركوا بين يديه إناء من خشب فيه نبيذ وجاءوا بكل ماله فجعلوه معه في ذلك البيت ثم أجلسوه فيه فسقفوا البيت عليه وجعلوا فوقه مثل القبة من الطين وعمدوا إلى دوابه على قدر كثرتها فقتلوا منها مئة رأس إلى مئتي رأس إلى رأس واحد وأكلوا لحومها إلا الرأس والقوائم والجلد والذنب فإنهم يصلبون ذلك على الخشب وقالوا: هذه دوابه يركبها إلى الجنة فإن كان قتل إنساناً وكان شجاعاً نحتوا صوراً من خشب على عدد من قتل وجعلوها على قبره وقالوا: هؤلاء غلمانه يخدمونه في الجنة.

وربما تغافلوا على قتل الدواب يوماً أو يومين فيحثهم شيخ من كبارهم فيقول: رأيت فلاناً يعني الميت في النوم فقال لي: هو ذا تراني وقد سبقني أصحابي وشققت رجلاي من أتباعي لهم ولست ألحقهم وقد بقيت وحدي فعندها يعمدون إلى دوابه فيقتلوها ويصلبونها عند قبره فإذا كان بعد يوم أو يومين جاءهم ذلك الشيخ وقال: قد رأيت فلاناً وقال: عرف أهلي وأصحابي أني قد لحقت من تقدمني واسترحت من التعب.

قال: والترك كلهم ينتفون لحاهم إلا أسبلتهم وربما رأيت الشيخ الهرم منهم وقد نتف لحيته وترك شيئاً منها تحت ذقنه وعليه البوستين فإذا رآه إنسان من بعد لم يشك أنه تيس.

وملك الترك الغزية يقال له يبغو وهو اسم الأمير وكل من ملك هذه القبيلة فبهذا الاسم يسمى ويقال لخليفته كوذركين وكذا كل من يخلف رئيساً منهم يقال له: كوذركين ثم نزلنا بعد ارتحالنا من ناحية هؤلاء بصاحب جيشهم ويقال له: أترك بن القطغان فضرب لنا قباباً تركية وأنزلنا فيها وإذا له ضبنة وحاشية وبيوت كبيرة وساق إلينا غنماً وقاد دواب لنذبح الغنم ونركب الدواب ودعا هو جماعة من أهل بيته وبني عمه فقتل لهم غنماً كثيرة وكنا قد أهدينا إليه هدية من ثياب وزبيب وجوز وفلفل وجاورس فرأيت امرأته وقد كانت امرأة أبيه وقد أخذت لحماً ولبناً وشيئاً مما أتحفناه به وخرجت من البيوت إلى الصحراء فحفرت حفيرة ودفنت الذي كان معها فيها وتكلمت بكلام فقلت للترجمان: ما تقول قال: تقول هذه هدية للقطغان أبي الترك أهداها له العرب فلما كان في الليل دخلت أنا والترجمان إليه وهو في قبته جالس ومعنا كتاب نذير الحرمي إليه يأمره فيه بالإسلام ويحضه عليه ووجه إليه خمسين ديناراً فيها عدة دنانير مسيبية وثلاثة مثاقيل مسك وجلود أديم وثياب مروية وقطعنا له منها قرطقين وخف أديم وثوب ديباج وخمسة أثواب حرير فدفعنا إليه هديته ودفعنا إلى امرأته مقنعة وخاتما.

وقرأت عليه الكتاب فقال للترجمان: لست أقول لكم شيئاً حتى ترجعوا وأكتب إلى السلطان بما أنا عازم عليه ونزع الديباجة التي كانت عليه ليلبس الخلع التي ذكرنا فرأيت القرطق الذي تحتها وقد تقطع وسخاً لأن رسومهم أن لا ينزع الواحد منهم الثوب الذي يلي جسده حتى ينتثر قطعاً وإذا هو قد نتف لحيته كلها وسباله فبقي كالخادم ورأيت الترك يذكرون أنه أفرسهم.

ولقد رأيت يوماً وهو يسايرنا على فرسه إذ مرت وزة طائرة فأوتر قوسه وحرك دابته تحتها ثم رماها فإذا هو قد أنزلها.


__________________

آخر تعديل بواسطة *سهيل*اليماني* ، 29-09-2007 الساعة 07:43 PM.
*سهيل*اليماني* غير متصل   الرد مع إقتباس