عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-04-2008, 12:45 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي تجربة العشق والإغـتراب في شعر يحيى السماوي *د محمد جاهين بدوي .

[FRAME="11 70"] تجربة العشق والإغـتراب في شعر يحيى السماوي *
قراءة في قصيدة " تماه ٍ "

د . محمد جاهين بدوي
أستاذ الأدب والنقد ـ جامعة الأزهر
كلية اللغة العربية

تتراوح تجربة الشاعر في هذا الديوان " قليلك .. لا كثيرهنّ " بين عـدة محاور رؤيوية أثيرة ، تتناغم فيما بينها وتتضافر مـُشـكـِّلة فضاءات الرؤية الشعرية للسماوي ، يأتي في مقدمة هذه المحاور محور عشق الوطن / الحبيبة وهو محور مهيمنٌ أصيلٌ متجذرفي تجربته الشعرية عامة ، ينوّع عليه في سائر قصائده ، ملوّنا ً آفاقها الشعرية بطيوفه وظلاله وتجلياته ، وقلَّ أن تجد في تجربته الشعرية ، على امتدادها واتساع آفاقها ، قصيدة تخلو من بعض هذه التجليات ، التي تتردد أصداء الإحساس بالنفي والإغتراب في جنباتها رقراقة عذبة شجية ، وتتفاوت متراوحة ً بين الخفوت والجهارة ، ولكنها تبقى هاجس الشاعر الذي يلفع آفاق تجربته ، ويلفـّها بغلائل الوجد الشفيفة ، ويرقرق في حناياها ماء الشعر العذب ، ونسغ الأسى والحسرة والحنين الموّار بنـَفـَس لا يخبو له أوار، أو تنطفئ له جذوة .

وتأتي تجربة عشق الحبيبة الوطن في مقدمة طيوف المشهد الشعري في " قليلك .. لا كثيرهنَّ " تلك التجربة التي يتماهى فيها الوطن مع الحبيبة ، ويتشكل عبر رسومها ، ويتبدّى في قسَـماتها ، وتغدو الحبيبة كذلك من بعض وجوهها ، وفي بعض تجلياتها الروحية وطنا ً للنفس ، وسَـكـَنا ً للفؤاد ، وإنهما لـَيَتـَماهَيَان ، ويغدو أحدهما معرَضا ً تتجلى على صفحته صورة الآخر في تواشج رؤيوي حميم ، حتى يصيرا في مخيلة الشاعر شيئا ً واحدا ، لا يُخال أحدهما إلآ متماهيا ً بصورة الآخر ، مصطبغا ً بألوانه ، وما ذاك إلآ لحنينه المُـحَرِّق إليه ، وشدة إحساسه باغترابه عن ذاك الوطن ، الذي يحمله بين جوانحه ، ويجري منه مجرى الدم في العروق ، وإن ابتعد عنه دارا ً ، وشط َّ مزارا ً ، ولعلّ قصيدة " تماه ٍ " بكل ما تحتمله مادة هذه الكلمة بوصفها من مفردات المـَناطِقة ومصطلحاتهم ـ تمثـّل هذا البعد الرؤيوي والنفسي في تجربة الشاعر في هذا الديوان ، وهاهو ذا يفصح عن كـُنـْه هذا " التماهي " وحقيقته فيقول :

بـيـنك والـعـراقْ
تماثل ٌ ..
كلاكما يسكنُ قلبي نسَـغ َ احتراقْ
كلاكما أعـلـَنَ عـصيانا ً
على نوافذ الأحداقْ ..
وها أنا بينكما :
قصيدة ٌ شهيدة ٌ ..
وجثـَّة ٌ ألقى بها العشـقُ
إلى مقـبـرَة ِ الأوراقْ
*
بينك والفراتْ
آصِـرَة ٌ ..
كلاكما يسـيلُ من عينيَّ
حين يطفحُ الوجدُ ..
وحين تـشـتكي حمامة ُ الروح ِ
من الهَـجـيـر ِ في الفـَلاة ْ..
كلاكما صَـيَّـرَني أُمنـيـة ً قـتـيـلة ً ..
وضـحـكـة ً مُـدماة ْ
تـمْـتـَدُّ من خاصرة ِ السطور ِ
حتى شـَفـَة ِ الدّواة ْ
كلاكما مِـئـذنة ٌ حاصَـرَها الـغـزاة ْ
وها أنا بينكما :
ترتيلة ٌ تنتظرُ الصلاة ْ
في المدن ِ السُّـباتْ
*
بينك ِ والنـخـيل ْ
قـرابة ٌ ..
كلاكما ينامُ في ذاكرة الـعُـشـب ِ ..
ويسـتيـقـظ ُ تحت شـُـرْفـَة ِ الـعـويلْ

كلاكما أثـْكـَلـَه ُ الطـغـاة ُ والـغـزاة ُ
بالـحَـفـيـف ِ والـهَـديل ْ
وها أنا بينكما :
صـبْـحٌ بلا شـمـس ٍ
وليل ٌ مَيِّـتُ النجوم ِ والـقـنـديل ْ
*
لا تعجَبي إنْ هَـرِمَتْ نخـلـة ُ عـمري
قبل َ أنْ يـبـتـديءَ الميلادْ
لا تعجبي ..
فالـجـذرُ في " بـغـدادْ "
يَرضَـعُ وَحْـلَ الـرعب ِ ..
والـغـصـون ُ في " أدِلادْ " ..
وها أنا بينكما :
شِـراعُ سـنـدبادْ
يُـبْـحِـرُ بين الموت ِ والميلادْ

وهذا " التماهي " بين الحبيبة ( المُخاطـَبة والمُناجاة ) ورموز الوطن وعلاماته التي تـُشـَخـِّصُـه في القلب والعقل يأخذ علينا طريقنا منذ أول مقاطع هذه القصيدة " الكاشفة " عن طبيعة تجربة الشاعر النفـسـية ، وإحساسه الممض اللذاع بغربته ، فالحبيبة بينها وبين العراق " تماثل " . ووجه هذا التشابه الذي يبلغ حدّ " التماهي " بينهما أنّ كليهما يسكن قلب الشاعر ، ويستقرُّ في سويدائه " نـَسَـغَ احتراق " على ما في هذا التعبير من دلالة لاذعة كاشفة ، تدلّ بما تحمله من مفارقة واخزة على عمق تجربة الشاعر النفـسـية المستعذبة المعذبة تجاه الوطن / الحبيبة ، أو تجاه الوطن والحبيبة في آن ، فهو يجد الإحساس بهما ، متلبِّـسا ً به في هذه اللحظة الشعرية . كذلك " النسغ " الذي يسري في أوصال النبات وأمشاجه فـيمـنحه الـروح وإكـسيـر الوجود ، ولـكنه ـ ياللمرارة ـ نسغ " احتراق " وإيلام ٍ وتعذيب ! .

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس