الموضوع: الحكم بالقرائن
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-06-2020, 08:30 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,991
إفتراضي الحكم بالقرائن


الحكم بالقرائن
المراد بالحكم بالقرائن هو أن القاضى يحكم فى قضية لا يوجد عليها شهود ولا أدلة ظاهرة ظهورا واضحا
ومن الأمثلة التى تروى فى ذلك :
-تنازع المرأتان على الولد واحتكامهما إلى سليمان (ص) الذى لم يجد شهود فحكم أمامهما بتقطيع الولد نصفين ليعطى كل واحدة نصف فطلبت الأم الحقيقية منه ألا يفعل ذلك ويعطى الولد للأخرى فحكم لها بالولد لأنها خافت على ابنها
- القاضى الذى لم يجد شهود على السرقة فحكم بأن من على لحيته فى المجلس دقيق أو قش هو السارق فلما وضع السارق يده على لحيته حكم عليه القاضى
هذه الروايات بالقطع الكثير منها لا حقيقة له فالرواية الأولى ماذا لو أعلنت المرأتان رفضهما للحكم فكيف سيكون الحكم ؟ والرواية الثانية ماذا لو لم يكن السارق فى بيت القضاء أو فى المكان الذى به السارق كيف كان سيعرف من السارق ؟
ويقال أن مسألة العمل بالقرائن موجودة منذ زمن بعيد فقد بحثها ابن القيم في كتابيه الطرق الحكيمة وأعلام الموقعين وغيره.
وقد قال ابن القيم :
"ولا يتمكن المفتي ولا الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إلا بنوعين من الفهم:
أحدهما: فهم الواقع والفقه فيه واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن والامارات والعلامات حتى يحيط به علما
والنوع الثاني: فهم الواجب في الواقع،وهو فهم حكم الله الذي حكم به في كتابه او على لسان رسوله في هذا الواقع،ثم يطبق احدهما على الآخر
وقال:
"فالحاكم إذا لم يكن فقيه النفس في الأمارات، ودلائل الحال، ومعرفة شواهده، وفي القرائن الحالية والمقالية، كفقهه في جزئيات وكليات الأحكام: أضاع حقوقا كثيرة على أصحابها، وحكم بما يعلم الناس بطلانه لا يشكون فيه، اعتماداً منه على نوع ظاهر لم يلتفت إلى باطنه وقرائن أحواله....ومن تأمل الشريعة وقضايا الصحابة وجدها طافحة بهذا،ومن سلك غير هذا أضاع على الناس حقوقهم،ونسبه إلى الشريعة التي بعث الله بها رسوله(ص)"
وقيل:
"والحكم بالقرينة حكم بالأمارات لا بالفراسة وعمل بغلبة الظن والقرائن أنواع فمها الضعيفة والقوية وما نص عليها في القرآن والسنة أو عمل بها الصحابة أو نص عليها الفقهاء وما ليس كذلك فلا يعمل بكل قرينة ولو كانت ضعيفة"
والحكم بالقرائن يخالف كتاب الله فمثلا فى قضية الرمى المشهورة عند المفسرين بالرمى بالسرقة أجمع النبى(ص) والمؤمنون على ان المرمى بالسرقة سارق وكان هذا بقرائن أى أشياء ظنية ودافعوا عن السارق الحقيقى ومع هذا أظهر الله براءة الرجل فقال :
"ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا ها أنتم جادلتم عنهم فى الحياة الدنيا فمن يجادل عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكان الله عليما حكيم ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل بهتانا وإثما مبينا ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شىء"
وقال البعض :
"والمقصود أن الشارع لم يقف الحكم في حفظ البينة على شهادة ذكرين، لا في الدماء ولا في الأموال ولا في الفروج ولا في الحدود، بل قد حد الخلفاء الراشدون والصحابة رضي الله عنهم في الزنا بالحبل، وفي الخمر بالرائحة والقيء، وكذلك إذا وجد المسروق عند السارق كان أولى بالحد من ظهور الحبل والرائحة في الخمر،وكل ما يمكن أن يقال في ظهور المسوق أمكن أن يقال في الحبل والرائحة، بل أولى فإن الشبهة التي تعرض في الحبل من الإكراه ووطء الشبهة، وفي الرائحة لا يعرض مثلها في ظهور العين المسروق"
هذا الكلام عن الحكم بالقرائن مثل أن الحبل زنى ليس سليما فحتى العذراء غير المتزوجة لو حبلت فليس هذا دليلا على زناها دوما وإلا اعتبرنا حبل مريم(ص) زنى وحتى المطلقة أو الأرملة بعد عشرة اشهر مثلا لو حبلت فليس هذا الحبل دليل زنى فى كل الأحوال فهناك حالات حبل تنتج من غير زنى مثلا ارتداء المرأة لباس أى تكة ولدها الذى أمنى فيه بعد أن تركه فى سلة الغسيل ومثلا هناك ما يسمى الحبل عن طريق صوفة حيث يقوم أحد الدجالين بالاستمناء فى قطنة أو صوفة ويطلب من المرأة التى قد يكون زوجها عقيم وضعها فى المهبل حتى تحبل من زوجها
إذا كل حالة من الحالات لابد من دراستها جيدا
ومثلا ليس وجود المسروق فى بيت أحدهم دوما دليل على سرقة صاحب البيت او أحد أفراد أسرته للمسروق فقد يكون المسروق اشتراه أو يكون أحد يكرهه سرق المسروق ووضعه فى بيت الأخر وقضية أخو يوسف(ص) خير دليل على هذا فقد وضعها يوسف(ص) بنفسه فى وعاء أخيه كما قال تعالى :
"فلما جهزهم بجهازهم جعل السقاية فى رحل أخيه ثم أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون"
ومثلا رائحة الخمر ليست دوما دليل على شرب الخمر فالروائح أحيانا تتشابه وملابس المخمور قد يلبسها غيره وهو قد يتقيأ على غيره أو يضع الزجاجة فى ملابس لإخفائها مدة فتكسب رائحة الخمر
ومن ثم كان حكم الله فى القضايا كلها بالشهود ومعها أدلة أخرى كصك الدين الذى شهد عليه الشهود
وقيل"والخلفاء الراشدون والصحابة (رضي الله عنهم) لم يلتفتوا إلى هذه الشبهة التي تجيز غلط الشاهد ووهمه وكذبه أظهر منها بكثير، فلو عطل الحد بها لكان تعطيله بالشبهة التي تمكن في شهادة الشاهدين أولى،فهذا محض الفقه والاعتبار ومصالح العباد، وهو من أعظم الأدلة على جلالة فقه الصحابة وعظمته ومطابقته لمصالح العباد، وحكمة الرب وشرعه، وأن التفاوت الذي بين أقوالهم وأقوال من بعدهم كالتفاوت بين القائلين. وبالجملة فالبينة اسمٌ لكل ما يبين الحق ويظهره ومن خصها بالشاهدين أو الأربعة أو الشاهد لم يوف مسماها حقه، ولم تأت البينة قط في القرآن مراداً بها الشاهدان وإنما أتت مراداً بها الحجة والدليل والبرهان مفردةً ومجموعة، وكذلك قول النبي (صلى الله عليه وسلم) : البينة على المدعي . المراد به أن عليه بيان ما يصحح دعواه ليحكم له، والشاهدان من البينة ولا ريب أن غيرها من أنواع البينة قد يكون أقوى منها لدلالة الحال على صدق المدعي فإنها أقوى من دلالة إخبار الشاهد، والبينة والدلالة والحجة والبرهان والآية والتبصرة والعلامة والأمارة متقاربة في المعنى. وقد حكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالشاهد واليمين قال ابن عباس (رضي الله عنهما) : قضى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشاهدٍ ويمين . وقد قبل شهادة المرأة في الرضاع، والأعرابي في رؤية الهلال، وقال الأصحاب: شهادة الواحد تجوز عند الحاجة بلا يمين. ويقبل خبر المرأة فيما لا يطلع عليه الرجال غالباً من الولادة والرضاع والحيض والعدة والعيوب، وتقبل شهادة أهل الخبرة والطب في الموضحة وشبهها."
وذكر الكاتب ما سماه أدلة العمل بالقرائن:
"بعض الأدلة على مشروعية العمل بالقرائن:
1- مما ورد في شرع من قبلنا والذي لم يرد في شرعنا ما يخالفه: توصل شاهد يوسف (عليه السلام) بشق القميص من دبر إلى معرفة براءته وصدقه، وكما توصل (سليمان صلى الله عليه وسلم) بقوله (ائتوني بالسكين حتى اشق الولد بينكما) إلى معرفة عين الأم."
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس