عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-03-2008, 02:23 PM   #1
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي الشعراء أيضا قادة الشعوب < فيكتور هوجو.

[FRAME="13 70"]الشعراء أيضا قادة الشعوب

فيكتور هوغو الإنسان والشاعر والسياسي



حسونة المصباحي

عن فيكتور هوغو، كتب الشاعر الفرنسى الكبير ليون بول فارغ يقول: "هوغو هو الجرس الكبير للكاتدرائية الرومانسية، وهو الناقوس. وقد ابتكر، وخلق، وحطّم بعض الجدران، وفتح ثقوبا فى بعض السقوف. وقوته الشّعرية الهائلة سوف تمكن فرسان الفن المرعب والغامض من أن يتقدموا خطوات إلى الأمام فى هذا المجال الذى لا تزال الأعمال الفنية العظيمة التى تنتمى إليه، مؤثرة إلى حد هذه الساعة.

حوله، وبعده، لم يعش الشعراء من مختلف المستويات، ومن مختلف الايقاعات والاشظيات، النغم الصادر من هذا البوق. إن هوغو هو اللوحة الكهربائية للشعر الحديث. بكل ما فيه من ايقاءات وأنواع. ولوتريامون نجده فى "عمال البحر"، وفى "الرجل الذى يضحك"، وهما كتابان بديعان جعلا فى مؤلفهما "جيل فان" القرن العشرين.

إنه – أى هوغو – أب بانفيل "Banville" وخال ادمون روستان "Edmond- Rostand". غير أن جميع أشكال ما نحن نسميه بـ "الطلائعية"، وليس فى فرنسا وحدها، موجود فى ايقاعاته. وحتى يومنا هذا، لا تزال أبياته الشعرية، وصرخاته، وانفعالاته، وابتساماته تعمل فى صمت المكتبات، وفى حجر القبور، مثل الخمور والمعادن، وهو يغذّى بالفيتامينات، كل أولئك الذين لا يوحى لهم بياض الورق بأيّ شيء".

وكانت فرنسا قد احتفلت عام 2002 بمرور قرنين على ميلاد فيكتور هوغو. وعلى مدى السّنة المذكورة، انتظمت فى العاصمة باريس، وفى مختلف المدن الفرنسية الأخرى تظاهرات فنيّة وشعريّة وأدبيّة عكست مسيرة الشاعر والكاتب العبقرى الذى اخترق القرن التاسع عشر من أوّله إلى آخره، مجسّدا طموحاته وآماله وأحلامه، عاكسا عثراته، وتقلباته، وأزماته، وفواجعه، ممجّدا التقدّم الصّناعى والتّكنولوجي، مدافعا عن الجمهوريّة، وعن قوانينها، مساندا المرأة فى نضالها من أجل التحرّر والمساواة مع الرجل، داعيا إلى ضرورة تجديد برامج التعليم ومناهجه، منتقدا بشدّة قوانين الإعدام والشنق، محّرضا على انتهاج سياسة عادلة وانسانيّة تجاه المحرومين والمقهورين والمعذّبين فى الأرض. لذا يمكن القول إن فيكتور هوغو كان مثل كل العظماء متعدّد المواهب والخصال والقدرات. فهو شاعر من طراز رفيع، وروائى بديع الأسلوب واللغة، وكاتب مسرحى مرموق وفنان موهوب، ومجادل قوى الشكيمة والحجة، وسياسى مستنير لا يخشى المنافى والسجون إذا ما كان الأمر يتعلق بالدفاع عن أفكاره وآرائه. إنه "الرّجل – المحيط" كما قيل عنه ذات يوم.

وهو أيضا "الرجل الذى نتعرّف من خلاله على القيم التى قامت عليها الجمهورية الفرنسيّة ذلك أن المعارك والنضالات السياسية والاجتماعية التى خاضها خلال القرن التاسع عشر، وايضا التّحديات الجماليّة والفنيّة التى كان أحد صانعيها الكبار، تعكس بالضرورة مغامرات عصرنا وتساؤلاته".

ولعل فيكتور هوغو أراد أن يصف نفسه عندما كتب يقول فى إحدى قصائده:
ذات يوم، واقفا، رأيت على ضفاف الأمواج المضطربة، سفينة سريعة تمرّ، نافخة أشرعتها، تلفّها الرياح والأمواج والنجوم
ثم سمعت، وأنا منحن على هوّة السماوات
التى تلمسها الهوة الأخرى
صوتا لم تتمكن عيناى من النظر إلى فمه
يهمس لي:
"أيها الشاعر، لقد أفلحت!
أيها الشاعر ذو الجبين الحزين،
أنت تحلم بالقرب من اليم
وتجذب من البحار أشياء كثيرة ثمينة
مخفية تحت الأمواج!
البحر، هو الربّ الذى يسميه ويظهره
كل مصير، فى وقت الشقاء أو السعادة
الريح هى الربّ، الكوكب هو الربّ،
والسفينة هى الإنسان"
وقد يكون هوغو وصف نفسه عندما كتب يقول واصفا شكسبير:
بنظرته الثابتة هو يتأمل الجموع،
وكل الغابة ترتج أمامه
شاحبا يمشي، وداخل نفسه هو منبهر ومفتون
يمشى حفولا، متوحشا، ومثل لبدة،
يهزّ فوق رأسه كمامة من الضوء
رأسه الشفاف مليء بالأرواح وبالأجساد،
وبالأحلام، التى نرى نورها من الخارج
العالم كله يمرّ من خلال غرباله
وبقبضته الرهيبة هو يمسك بكل الحياة
ومن الانسان هو يستخرج زفيرا فوق طاقة البشر


فى سنوات مراهقته، كتب فيكتور هوغو المولود فى مدينة "بوزت سون" عام 1802، فى يومياته يقول: "أريد أن أكون شاتوبريان أو لا شيء!" فى ما بعد سوف يقتدى به رامبو، ويكتب: "أريد أن أكون فيكتور هوغو أو لا شيء!" وإذا ما كان الأول قد حقق ما كان يطمح إليه وأزيد من ذلك، فإن الثانى انصرف مبكرا عن مطمحه، مفضلا تجارة التوابل والقهوة فى أثيوبيا واليمن، غير أن القليل الذى تركه من الشعر، كان كفيلا بأن يضعه فى المقام الأول، إلى جانب فيكتور هوغو.

مطلع العام 1809، استقرت صوفي، والدة فيكتور هوغو التى انفصلت عن زوجها فى باريس بصحبة أبنائها. وكان أهم حدث عاشه صاحب "البؤساء" وهو صبي، تلك الرحلة الرائعة التى قامت بها عائلته إلى اسبانيا عام 1811 والتى تركت فى نفسه خواطر لم ينسها أبدا. ولفترة طويلة سوف تظل ماثلة فى ذهنه جبال البيرينى المكسوة بالثلوج، ولوحات متحف "البرادو" والجنود الذين يلعبون الدومينو فى قاعات قصر "ماسيرانود الفسيحة". عند عودة العائلة إلى باريس، عاش الطفل فيكتور هوغو حدثا مأساويا هذه المرة. فقد تم اعدام لاهورى عشيق والدته بسبب مساهمته فى محاولة انقلابية دبّرها الجنرال ماليه ضد نابليون بونابرت.

وبسبب الخصومات المتواصلة بين والدته ووالده، وضع فيكتور هوغو فى مبيت داخلى فى باريس فتعلّم اللغة اللاتينية بسرعة، وأصبح قادرا على أن يترجم إلى لغته الأم، شعراء كبارا من أمثال هوراس وفيرجيل وتاسيت وسيسرون. كما أنه درس الرياضيات والهندسة والرسم.

وفى المبيت الداخلى أيضا، مشجعا من طرف أحد أساتذته، كتب فيكتور هوغو أولى نصوصه متمثلة فى مسرحيتين: "جنهم على الأرض" و"قصر الشيطان". ورغم أنه التحق بكلية الحقوق اثر حصوله على شهادة الباكلوريا، فإن فيكتور هوغو ظلّ متعلقا بالأدب تعلقا كبيرا. وقد أحرز نصه الشعرى حول موت الدوق بيرى الذى اغتيل أمام قصر "الأوبرا" يوم 13 فبراير/ شباط 1820 على جائزة ملكية قيمتها 500 فرنك. ويقال أن شاتوبريان وصفه عند قراءته للنص المذكور بـ"الفتى العظيم".

بين العام 1819 و1821 أشرف فيكتور هوغو على رئاسة تحرير مجلة أدبية اختار لها اسم: "الحافظ الأدبي" وفيها نشر العديد من النصوص التى تعكس أفكاره السّياسية المحافظة الموالية للنّظام الملكي، وأيضا نصوصا نقديّة عن شعراء عصره من أمثال اندريه شينييه ولامرتين. وفى هذه الفترة أحب فتاة جميلة تدعى ادال وكتب لها فى أول ربيع العام 1820 يقول: "علينا أن نتزوج غدا، وسأقتل نفسى بعد غد وسوف تكونين أنت أرملتي. يوم من السعادة أفضل من حياة مأساوية طويلة".

الآن بلغ فيكتور هوغو سن الثانية والعشرين. هو أنيق ووسيم ويتمتع بالصحة والعافية. تنضاف إلى كل هذا، زوجة جميلة وروح نقيّة وعبقريّة بدأت ملامحها شيئا فشيئا، خصوصا فى مجال الشعر. وها هو يكتب إلى لامرتين بتاريخ 18 يونيو/حزيران 1823 قائلا: "اكتب ولكن غنّ خصوصا! حين نكون قد تغذينا برحيق الشعر، فإن خبز النثر الرخيص لن يكون كافيا للفكر".

بعد كتابته لهذه الرسالة بأيام قليلة، كتب لامرتين نصا نقديا عن مؤلفه الأول: "هان من ايزلندا" يقول: "أجده – أى المؤلف المذكور – رائعا جدا. لكن عليك أن تلطف ريشتك فالخيال مثل القيثارة لابد أن يداعب الخيال. أنت تضرب بقوة. وأنا أقول لك هذا ليس صالحا بالنسبة إلى المستقبل". وكانت المعركة على أشدها بين الكلاسيكيين والرومنطيقيين حين أصدر فيكتور هوغو فى شهر مارس/ آذار 1824 مجموعة شعرية حملت عنوان: "الأناشيد الجديدة" وفى مقدمتها كتب يقول: "فى الأدب كما هو الحال فى كل شيء ليس هناك غير الجيّد والسيّء، الجميل والقبيح، الحقيقيّ والمزيّف. على الشاعر أن يسير فى مقدمة الشّعوب مثل النّور لكى يضيء لها الطّريق".

فى ربيع 1825، حصل فيكتور هوغو على وسام الشرف من الملك شارل الخامس، فكان ذلك حدثا بالغ الأهمية بالنسبة إلى شاعر شاب فى الثالثة والعشرين من عمره. وفى صيف العام المذكور قام برحلة بصحبة عائلته إلى جبال الآلب. وعند عودته منها، كتب نصا دافع فيه عن ضرورة حماية الطبيعة والآثار التاريخية.

عقب ذلك بعام، أصدر مجموعة شعريّة جديدة حملت عنوان: "أناشيد وموشّحات غنائيّة" وفى الحين أحرزت هذه المجموعة على اعجاب سانت بوف، النّاقد الفرنسى الأشهر فى ذلك الوقت كما نوّه بها الشّاعر الفريد دى فينيى الذى كتب فى شأنها يقول: "لقد التهمت قصائدك أيّها الصّديق العزيز. وأنا الآن أقرأها وأغنّيها وأصرخ بها عاليا حتّى يسمعها جميع النّاس ذلك أنّها أسعدتنى كثيرا".

فى السّنوات التّالية، كتب فيكتور هوغو العديد من المسرحيات التى نالت هى أيضا اعجاب النقاد والجمهور محققة لصاحبها نجاحا أدبيا جعله يحتل مكانة بارزة بين أشهر أدباء عصره من أمثال بالزاك والفريد دى موسيه وبروسبير جيريميه والكسندر دوما الأب وجيراردى نرفال وتيوفيل جوتييه..

[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس