عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-03-2008, 02:24 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]عقب انهائه مسرحيته "هارناني"، واجه فيكتور هوغو لأول مرة مقصّ الرقابة حيث طلبت منه وزارة الداخلية حذف بعض المقاطع، وتعديل بعض المواقف والجمل. فما كان منه إلا أن جمع حوله عددا من رموز الحركة الرومنطيقية الصاعدة المدافعة عن التقدم وعن الأفكار التحررية للدفاع عن نفسه. وعند عرضها، شهدت اقبالا جماهيريا كبيرا غير أن الصّحافة المحافظة شنّت عليها هجوما عنيفا الشيء الذى أجبر صاحب البناية على طرده من الشقة التى كان يسكنها.

وكانت الضّجة التى أثارتها مسرحية "هارناني" لا تزال قائمة، حين اندلعت ثورة يوليو/ تموز عام 1830، لتسقط شارل العاشر، وتنصّب لوى فيليب ملكا على فرنسا. منتشيا بهذا الحدث السياسى أنهى فيكتور هوغو فى أشهر قليلة رواية ضخمة سمّاها باسم كاتدرائية "نوتردام" فى باريس. وعند صدورها أحرزت على نجاح جماهيرى كبير. وقد كتب لامرتين يقول بشأنها وبشأن صاحبها: "إن فيكتور هوغو هو شكسبير الرواية. هذه الرواية التى هى فى نظرى ملحمة العصور الوسيطة. لقد كبر مؤلفها كثيرا فى عيني. إنه أعلى من أبراج كاتدرائية نوتردام!"

وكان هوغو يتذوق حلاوة نجاح روايته المذكورة لما اكتشف أن زوجته ادال ترتبط بعلاقة غرام مع صديقه الناقد سانت بوف. وتحت وقع الصدمة التى ألمت به أصدر مجموعة شعرية جديدة: "أوراق الخريف" وفى احدى قصائدها كتب يقول متوجعا: "وا أسفاه! آه يا صديقتي، وا أسفاه! ها العتمة تغمر سماءنا والحياة تصبح مظلمة. وها الشؤم يسيل ببطء على قبة سمائنا المتألقة".

وكان فى قمّة مجده الأدبي، لما احترف هوغو العمل السّياسي. وفى خطبه التى كان يلقيها فى البرلمان، اهتمّ بالعديد من القضايا السّياسية والاجتماعيّة ودافع عن ضرورة عودة عائلة نابيليون بونابرت من المنفى. وقد منعته ثورة فبراير/ شباط 1848 من القاء خطابين هامين حول قوانين السّجون وحول عمل الأطفال. وعند قيام النّظام الجمهورى فى 25 من الشهر والعام المذكورين، أبدى فيكتور هوغو مساندته للنّظام الجديد، متخلّيا بذلك عن مناصرته للنظام الملكي، ودعم لامرتين الذى رشح نفسه لمنصب رئيس الجمهورية.

وفى عام 1849، أصبح عضوا فى المجلس التشريعي، وبدأ يقترب من التيارات الليبيرالية اليسارية ليصبح من أشد المدافعين عن النظام الجمهوري، وعن العدالة الاجتماعيّة، وعن المبادئ الديمقراطيّة وعن التقدم الصناعي.

وبالرغم من الهزّات العنيفة التى كانت تتعرض لها فرنسا، وكل البلدان الأوروبية فإن فيكتور هوغو ظل حتّى النهاية يدافع باستماتة وقوة عن التقدم فى مفهومه الشامل والكامل. فبالنسبة إليه، الانسانيّة ستظلّ تتقدم إلى الأمام دائما، رغم النّكسات التى يمكن أن توحى لها بأن التاريخ يسير إلى الوراء: "التّراجع على مستوى السطح لا يعنى انه ليس بامكاننا أن نتقدم إلى الأمام تحت الأرض. الحركة السطحية ليست غالب الأحيان غير تيار مضاد".

إن معركته هى معركة من أجل مستقبل أفضل للحضارة المتجسّدة فى القيم التالية: الحرية، القانون، العدالة: "كل شكل من أشكال الحضارة له حبله السرّي. وقطع هذا الحبل هو من شأن التقدم، والتقدم هذا هو المولّد للحركة الكونيّة والذى يقوم بهذه العملية بمهارة فائقة. لذا يمكننا أن نثق فيه".

ويتمثل التقدم فى نظر فيكتور هوغو فى الضروريات التالية: السّيطرة على المادّة والدّفاع عن الأنوار فى مواجهة التّزمت والانغلاق والظّلامية واقرار العدالة الاجتماعيّة..
وفى خطاب ملتهب القاه يوم 17 يوليو/ تموز 1851، أظهر فيكتور هوغو معارضته لرئيس الجمهورية وطالب بتحرير الدستور. إثر ذلك تدهورت الأوضاع السياسية فى فرنسا تدهورا كبيرا، وشرعت القوى المحافظة تعدّ العدّة لسحق المعارضين لها.

وقد واجه فيكتور هوغو هذه الأزمة السّياسية الجديدة بشجاعة كبيرة، محرّضا القوى التقدمية واليسارية على المقاومة والصمود. غير أن الأوضاع كانت تزداد تدهورا وسوءا يوما بعد آخر الشيء الذى أجبره على مغادرة بلاده سرا وذلك يوم 11 ديسمبر/ كانون الأول 1851، ليصل فى اليوم التالى إلى بروكسيل ومعه صناديق تتضمن مخطوطاته. ومن هناك كتب إلى زوجته "أدال" يقول: "أنا الممثل والشاهد والقاضي. أنا المؤرخ بالمفهوم الكامل للكلمة". وفى واحدة من قصائده، عبر عن مشاعره فى المنفى الاجبارى قائلا:

أنا الطائر مثل ذلك الكائن
الذى كان عاموس يحلم به،
وكان القديس مرقص يراه وقد برز من وسادته،
والذى يمزج فوق رأسه المتعالي
فى الأشعة،
جناح النّسر ولبدة السيود الكبيرة
لديّ جناحان. وأنا أطمح إلى الأعالى
وطيرانى مؤكد
ليديّ جناحان للعاصفة وللسماء
وقد صعدت المدارج التى بلا عدد
أريد أن أعرف
متى يصبح الحلم حالكا مثل السماء!
أنتم تعرفون جيدا أن الروح تواجه
هذه الدرجة السوداء
وأنه، مهما كان علوها فإنى سأصعدها!
وأنى سوف أمضى حتى أبلغ الأعمدة الزرقاء،
وأن خطوتى وهى ترتقى السلم الصاعد إلى الكواكب
لن ترتعش أبدا.
وفى مقطع آخر من نفس القصيدة، يقول فيكتور هوغو
أنا الشاعر المتوحش
أنا الرجل الواجب
أنا نفس الآلام، وفم البوق الاسود
أنا الحالم الذى يضع على دفاتره الأحياء
والذى يمزج المقاطع الشعرية الحزينة
بالرياح الأربع.

فى المنفى تابع فيكتور هوغو عمله ونضاله ضد نظام نابليون الثالث الذى أطاح بالنظام الجمهورى ناعتا إياه بـ"نابليون الصغير" وبـ"القناع" وبـ"القزم" متهما إياه بتخريب فرنسا، و"بقتل مبادئ الحريّة والتّقدم والعدالة الاجتماعيّة فى المهد". ولم يكتف هوغو بذلك، بل خصّص ديوانا كاملا لذم نابليون الثالث وهجائه قائلا فى احدى قصائده: "آه.. سوف تُحْول ذات يوم أيها البائس/ أنت مازلت تلهث بجريمتك البشعة/ فى انتصارك الدنيء، السريع والمحزن، مسكت بك/ ووضعت اللافتة على جبهتك". وقد ضمّن الديوان قصائد أخرى تمجّد سنوات الثورة، وتشيد بعظمة نابليون بونابرت. وفى الديوان الثانى الذى حمل عنوان: "أسطورة القرون" هو يصف وضعه فى المنفى محرضا فرنسا على الثورة ضد نظام نابليون الثالث البغيض. وبين وقت وآخر، كان فيكتور هوغو، يتذكر حياته فى باريس، فيكتب متوجعا:

قديما، عندما يعود سبتمبر دامعا،
كنت أمضي، وأغادر كل من يعرفني،
كنت أهرب، وكانت باريس تختفي. لاشيء. لا أحد!
كنت أمضي، ولم أكن غير ظل يرتجف،
كنت أمر هاربا، وحيدا، دون أن أنظر، ودون أن
أفكر، ودون أن أتكلم، عارفا أننى ذاهب إلى حيث عليّ أن أذهب
وا أسفاه، لم يكن باستطاعتى حتى أن أقول: أنا أتألم!
وكما لو أننى ضحية جذب من هوة ما،
وحتى وإن كان الطريق جميلا، ممطرا، باردا، سيئا،
فإنى كنت أجهل ذلك، وكنت أمشى أمام نفسي، وأصل.
آه.. أيتها الذكريات! آه.. أيها الشكل المرعب للهضاب!

فى المنفى، أنهى فيكتور هوغو أعمالا أدبية أخرى مثل رواية "البؤساء"التى خلّدت ذكره إلى الأبد. وعقب مرور عشرين عاما على مؤتمر السلام الذى ترأسه فى باريس، انتظم مؤتمر ثان بنفس الاسم فى مدينة لوزان السويسرية وذلك بين 14 و18 سبتمبر/ ايلول 1869. وفى هذا المؤتمر، دعا فيكتور هوغو من جديد إلى ضرورة قيام اتحاد بين الدول الأوروبية، وهو شيء سوف يتحقق فى النصف الثانى من القرن العشرين. كما دافع عن آرائه بخصوص المسائل الاجتماعية والسياسية والتربوية. وعقب سقوط نظام نابليون الثالث اثر الحرب التى شنتها المانيا ضد فرنسا فى صيف 1870، عاد فيكتور هوغو إلى باريس واضعا بذلك حدا لسنوات المنفى الذى استمر 19 عاما. وعند وفاته فى 22 مايو/ أيار 1885 عقب حياة حافلة بالابداع، والأحداث الكبيرة، والمواقف الشجاعة، شيعته إلى "البانتيون" حيث يدفن عظماء فرنسا، جماهير غفيرة تجاوز عددها المليون نسمة. وقد علق ارنست رينان قائلا: "لقد خلق هوغو بقرار خاص لكى يكون أبديا!" وكتب اندريه شينييه يقول: "أنت "يقصد هوغو" نسر ما هوغير متوقع، وطائر كل السماوات، ونشيد الليل".
وربما كان هوغو على حق عندما كتب يقول: "كنت عاصفة فى محبرة!".




--------------------------------------------------------------------------------

حسين أحمد سليم
عضو إتحاد الكتاب اللبنانيين



[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس