عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-03-2021, 08:38 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي

ثم حكى لنا حكاية أخرى فقال:
"أيها المؤمنون ذلكم هو موقف تلك المرأة وفي موقف تاريخي آخر ، حضره الشيطان, وقلت فيه خشية الرحمن ، أجمع إخوة يوسف (ص) على رميه في غياهب البئر, وكان ما كان من أمر السيارة, وبيع يوسف وهو الحر الأبي, وراودته امرأة العزيز , حتى تجملت وقالت هيت لك, قد ملكت جمالا تغريه به, ومنصبا وجاها يحفظه من العقوبة, وكان الطلب منها بعد أن غلقت الأبواب، وهو شاب غريب ، بعيد عن أهله ، تضطرم الشهوة في نفسه
فتصور كل هذا, والمكان يعلوه السكون, لا يسمع فيه إلا نداء الإثم والفجور, هيت لك, هيت لك
فيبدد يوسف(ص) هذا السكون ، ويضج المكان بنداء الخشية والإيمان ، قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون ، ويفر يوسف إلى الله , ويهرب إلى الباب لما رأى برهان رب الأرباب
وتمضي الأيام ، وتهدده امرأة العزيز ، (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن وليكونا من الصاغرين) قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه نعم السجن أحب إلى المؤمن الذي يخشى الله من الفاحشة والرذيلة

وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي قال: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) وذكر منهم: ((ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله))
عباد الله الخوف والخشية عبادة عظيمة ، غابت أو ضعفت في حياة كثير من الناس إلا من رحم الله, غابت في تعاملنا مع ربنا, في تعاملنا مع أنفسنا, في تعاملنا مع الناس ، في بيعنا وشرائنا, في تربيتنا لأبنائنا, في أدائنا لوظائفنا, في تعاملنا مع الأجراء والخدم والموفق من وفقه الله لخشيته وتقواه
إن الخشية الحقة, والخوف المحمود هو الذي يحمل على العمل, فلا يزال يدفع بصاحبه إلى الطاعة, وينفره من المعصية
الخشية الحقة هي التي تربي القلب حتى لا ينظر إلى صغر المعصية، ولكن ينظر إلى عظمة من عصى
قال الحسن: "إن الرجل ليذنب الذنب فما ينساه, وما يزال متخوفا منه حتى يدخل الجنة" رواه البخاري ومسلم
وقال ابن عون : لا تثق بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا ، ولا تأمن ذنوبك فإنك لا تدري أكفرت عنك أم لا
عباد الله وخشية الله تعالى إنما تظهر في أوقات الخلوات وساعات الوحدة والعزلة عن الخلق كثير أولئك الذين يتصدقون أمام الناس ولكنهم في السر قليل, كثير الذين يتورعون عن ظلم الناس أمام الناس وهم في السر أظلم الخلق, كثير هم أولئك الذين يقومون بالطاعات ويهجرون المعاصي في حضرة الخلق, وإذا خلوا بمحارم الله انتهكوها
إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير "

قطعا خشية الله مطلوبة وهى أساس الطاعة فمن لا يخاف العقاب الأخروى لن يطيع الله ويوسف(ص) خاف من عذاب الله فامتنع عن الزنى وكذلك حال كل من يخاف الله
ثم قال الخطيب :
"أيها الإخوة المؤمنون (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فقد كان من أخشى الناس لربه ، وأكثرهم تعظيما وإجلالا له سبحانه
روى الإمام مسلم عن عائشة قالت: فقدت رسول الله ليلة من الفراش, فالتمسته فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد (أي في السجود) وهما منصوبتان وهو يقول: ((اللهم أعوذ برضاك من سخطك, وبمعافاتك من عقوبتك, وأعوذ بك منك, لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك))
وهكذا كان الصحابة والتابعون لهم بإحسان في خوفهم من الله وخشيتهم له
قال عمر بن الخطاب : "لو نادى مناد من السماء: أيها الناس إنكم داخلون الجنة كلكم إلا رجلا واحدا لخفت أن أكون أنا هو"
وقرأ عمر بالطور فلما بلغ (إن عذاب ربك لواقع) بكى واشتد بكاؤه حتى مرض أياما في بيته وصلى زرارة ابن أبي أوفى بالناس الفجر ، فلما قرأ (فإذا نقر في الناقور) خر مغشيا عليه فمات رحمه الله وقام الحسن بن صالح ليلة بـ (عم يتساءلون) فغشي عليه فلم يختمها إلى الفجر وقرأ عمر بن عبد العزيز قوله تعالى (إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون) فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي وقرأ تميم الداري (أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات) فجعل يرددها ويبكي
وقيل للإمام أحمد : ما أكثر الداعين لك فتغرغرت عينه بالدموع وقال : أخاف أن يكون هذا استدراجا
هكذا كانت أحوالهم فليت شعري أين نحن منهم ، والواحد منا يقيم على الذنب تلو الذنب ولا يتحرك قلبه ولا تدمع عينه خوفا من الله

وقد روى الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني عن أنس أن النبي دخل على شاب وهو في الموت فقال: ((كيف تجدك؟)) قال: والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي, فقال رسول الله : ((لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو, وأمنه مما يخاف))
وروى الترمذي ـ وقال: حسن صحيح ـ والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع, ولا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم))
عباد الله عظموا الله في نفوسكم واخشوه واتقوه كما أمركم (ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون)
وليكن سيركم إلى ربكم بين الخوف والرجاء
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الخشية أبدا متضمنة للرجاء ، ولولا ذلك لكانت قنوطا ، كما أن الرجاء يستلزم الخوف ، ولولا ذلك لكان أمنا ، فأهل الخوف لله والرجاء لله هم أهل العلم الذين مدحهم الله "(إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) "

قطعا كما قلت خشية الله مطلوبة فى كل وقت وحين ولكنها ليست مطلوبة بالصورة التى تحكيها بعض الروايات كتورم القدمين فهذا لم يفعله النبى(ص) لأنه لم يجعل فى الدين ضرر وكذلك من قام الليل كله بآية فليس فى الدين قيام الليل كله وإنما أقصاه ثلثى الليل كما قال تعالى
"إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثى الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك"
ليس من الخشية إيذاء النفس والجسد كما قال تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من حرج"
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس