الموضوع: المعلقات العشر
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 01-05-2007, 01:46 AM   #56
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

أي نعم السيدان وجدتما حيث تداركتما أمر هذين الحيين بعدما تفانوا في الحرب، فأصلحتم بينهم، ومنشم اسم امرأة عطارة من خزاعة، ويقال جرهمية، يشترى منها الحنوط، فإذا حاربوا كانو يشترون منها الحنوط والكافور لموتاهم فتشأموا بها ويقال إن قوما تحالفوا، فأدخلوا أيديهم في عطرها، ليتحرموا به، ثم خرجوا إلى الحرب، فقتلوا جميعا فتشاءمت العرب بها. يقول: فصار هؤلاء بمنزلة أولئك في شدة الأمر.
وقال أبو عمرو بن العلاء عطر منشم، إنما هو من التنشيم في الشر، ومنه قولهم لما نشم الناس في أمر عثمان.
وقال أبو عبيدة منشم اسم وضع لشدة الحرب وليس ثم امرأة كقولهم جاءوا على بكرة أبيهم وليس ثمة بكرة.
وقال أبو عمرو الشيباني منشم امرأة من خزاعة كانت تبيع عطرا، فإذا حاربوا اشتروا منها كافورا لموتاهم فتشاءموا بها.
وقال ابن الكلبي منشم ابنة الوجيه الحميري.
وذبيان بالضم والكسر، والضم أكثر، والأصل ذبان ثم أبدل من الباء ياء كما يقال تقصيت من القصة.
وقد قلتما إن ندرك السلم واسعا بمال ومعروف من القول نسلم
ويروى من الأمر، ومعنى واسع ممكن، يقول نبذل فيه الأموال، ونحث عليه وقوله نسلم أي نسلم من الحرب إن قبل منا إعطاء الديات، والسلم بكسر السين، وفتحها: الصلح يذكر ويؤنث قال:
فلا تفيقـن إن الـسـلـم آمـنة ملساء ليس بها وعث ولا ضيق
فأصبحتما منها على خير موطن بعيدين فيها من عقوق ومأثـم
منها: يعني الحرب بعيدين: أي لم تركبا منها ما لا يحل لكما، فلم تغمسوا أيديكما في الدماء فتأثموا ولم تتركوا قومكم، فتعقوهم، ونصب بعيدين على الحال، وخبر أصبحتما على خير، والعقوق قطيعة الرحم.
عظيمين، في عليا معد هديتـمـا ومن يستنتج كنزا من المجد يعظم
عليا معد وعلياء معد أرفعها، ويعظم أي يأتي بأمر عظيم، ويعظم: أي يصير عظيما، ويعظم أي يعظمه الناس.
وأصبح يحدى فيهم من تلادكم مغانم شتى من إفال مزنـم
ويروى: فأصبح يجري فيهم من تلادكم.
ويحدى: يساق، والتلاد: ما ولد عندهم أصله، ثم كثر استعمالهم إياه، حتى قيل لملك الرجل كله تلاده، وشتى متفرقة يقول صرتم تغرمون لهم من تلادكم.
وقال أبو جعفر: قوله من تلادكم معناه من كرم سعيكم الذي سعيتم له حتى جمعتهم لهم الحمالة، ويروى من نتاج مزنم.
فالإفال الفصلان، والواحد أفيل والمزنم علامة تجعل في الجاهلية، وعلى ضرب من إبل كرام وهو أن يسمى ظاهر الأذن أي يقشر جلدته ثم يفتل فيبقى زنمة تنوس أي تضطرب.
وروى أبو عبيدة من إفال المزنم قال وهو فحل معروف.
تعفى الكلوم بالمئين فأصبحت ينجمها من ليس فيها بمجرم
تعفى: تمحى الجراح بالمئين من الإبل، وتؤدى، تجعلونها نجوما، وقولهم: عفا الله عنك أي محا عنك الذنوب. وقد استعفى فلان من كذا سأل أن لا يكون له فيه أثر، وينجمها لأجل أدائها وقتا أي يغرمها لم يجرم فيها والجارم الذي قد أتى بالجرم، وهو الذنب.
يقال أجرم وجرم، وأجرم أفصح، وبهما جاء القرآن الكريم، وجرم الشيء إذا حق وثبت، قال الشاعر:
ولقد طعنت أبا عبـيدة طـعـنة جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا
ينجمهـا قـوم لـقـوم غـرامة ولم يهرقوا من بينهم ملء محجم
ملء الشيء: مقدار ما يملؤه، والملء المصدر يقال: ملأته ملأ، وقد ملأ فلان إذا وضع في الشيء ما يملأه، وفلان مليء بين الملاءة، والملأ الأشراف. وأنت أملأ من فلان والملاءة بالمد التي يلتحف بها. والملاوة قطعة من الدهر، وأكثر أهل اللغة يقولون الملاوة وقد حكي بالضم وقولهم أمل جديد، وتملى حينا هو من هذا أي عاش قطعة من الدهر وقد أتى تفسير هذا البيت مع الذي قبله.

ألا أبلغ الأحلاف عني رسالة وذبيان هل أقسمتم كل مقسم
الأحلاف أسد وغطفان، واحدهم حلف، ويقال: فلان حلف بني فلان إذا منعوه مما يمنعون منه أنفسهم، وأن يكونوا يدا واحدة على غيرهم. ومعنى هل أقسمتم كل مقسم: أي هل أقسمتم كل أقسام أنكم تفعلون ما لا ينبغي. وروى الأصمعي فمن مبلغ الأحلاف، يريد مبلغ الأحلاف على أن يحذف التنوين لالتقاء الساكنين.
وحكي عن عمارة أنه قرأ (ولا الليل سابق النهار)
فلا تكتمن الله ما في صدوركم ليخفى ومهما يكتم الله يعلـم
ويروى: في نفوسكم، يقول لا تكتموا الله ما صرتم إليه من الصلح، وتقولوا إنا لم نكن نحتاج إلى الصلح، وإنا لم نسترح من الحرب، فإن الله يعلم من ذلك ما تكتمون وقال أبو جعفر: معنى البيت لا تظهروا الصلح، وفي أنفسكم أن تغدروا كما فعل حصين بن ضمضم إذ قتل ورد بن حابس بعد الصلح أي صححوا الصلح.
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم حساب أو يعجل فينقـم
أي لا تكتمن الله في ما نفوسكم فيؤخر ذلك إلى يوم الحساب فتحاسبوا به أو يعجل في الدنيا النقمة به.
وقال بعض أهل اللغة يؤخر بدل من يعلم كما قال تعالى (ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة).
وكما قال الشاعر:
متى تأتنا تلحم بنا في ديارنـا تجد حطبا جزلا ونارا تأججا
فأبدل تلحم من تأتنا، وأنكر بعض النحويين هذا وقال لا يشتبه هذا بقوله تعالى (ومن يفعل ذلك يلق آثاما يضاعف له العذاب) لأن مضاعفة العذاب هو لقي التأثيم. وليس التأخير العلم ألا ترى أنك تقول: "إن تعطني تحسن إلي أشكرك" فبدل تحسن من تعطني، لأن العطية إحسان، ولا يجوز أن تقول: إن تجئني نتكلم أكرمك إلا على بدل الغلط لأن التكلم ليس هو المجيء، وبدل الغلط لا يجوز أن يقع في السفر وأجاز سيبويه: أن يكون قوله يؤخر مردود إلى أصل الأفعال. قال بعض النحويين يؤخر جواب النهي والمعنى فلا تكتمن الله ما في نفوسكم يؤخر، وأجاز لا تضرب زيدا يضربك.
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتـم وما هو عنها بالحديث المجمجم
ويروى بالحديث المرجم يقول: ما الحرب إلا ما جربتم و ذقتموه.
فإياكم أن تعودوا إلى مثلها. وقوله وما هو عنها بالحديث أي الخبر عنها بحديث يرجم فيه بالظن، فقوله كناية عن العلم لأنه لما قال: إلا ما علمتم دل على العلم.قال تعالى: (ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لكم).
بل هو المعنى أنه لما قال يبخلون دل على البخل، كقولهم من كذب كان شرا أي كان الكذب شرا. والمرجم الذي ليس بمستيقن يقال: رجمه لظنه. إنما قال ما لا يتيقنه.
متى تـبـعـثـوهـا ذمـيمة وتضر إذا ضربتموها فتضرم
تبعثوها: تثيروها، ذميمة: مذمومة، وقال بعض أهل فعيل إذا كان بمعنى مفعول كان بغير هاء كقوله قتيل بمعنى مقتول، وهذا إنما يقع على المؤنث بغير هاء إذا تقدم الاسم كقولك مررت بامرأة قتيل أي مقتولة، فإن قيل مررت بقتيلة لم يجز حذف الهاء لأنه لا يعرف أنه مؤنث، وذميمة أي حقيرة وتضر يقال ضري يضرى ضراوة يكون أولها صغيرا ثم يعظم بعد ذلك، يقال تضرمت النار إذا اشتعلت.
فتعرككم عرك الرحى بثفالها وتلقح كشافا ثم تنتج، فتتـئم
الثقال جلدة تجعل تحت الرحى، ليكون ما سقط عليها، وأراد عرك الرحى، ومعها ثفالها: أي عرك الرحى طاحنة. قال تعالى: (تنبت بالدهن).
المعنى: ومعها الدهن كما تقول باء فلان بالسيف أي ومعه السيف. يقال لقحت الناقة كشافا إذا حمل عليها كل عام، وذلك أردأ النتاج، والمحمود عندهم أن يحمله عليها بعد سنة وتحجم سنة، يقال ناقة كشوف، إذا حمل عليها كل سنة، واللقح واللقاح حمل الولد. وإنما شبه الحرب بالناقة إذا حملت، ثم أرضعت ثم فطمت لأنه جعل ما يحلب منها من الدماء بمنزلة ما يحلب من الناقة، وقيل شبه الحرب بالناقة لأن هذه الحرب يطولهم شأنها وهو أشبه (بالمعنى) وتتئم أي تأتي بتوأمين: الذكر توأم والأنثى توأمة والجمع التوائم وقيل في قوله كشافا أي أنه يعجل عليكم أمرها بلا وقت، يقال: أكشف القوم إذا فعل بإبلهم كذلك.
فتنتج لكم غلمان أشأم كلـهـم كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
يقال نتجت الناقة تنتج، ولا يقال نتجت، وأنتجت، إذا استبان حملها فهي نتوج، ولا يقال منتج، وهو القياس، وأشأم فيه قولان أحدهما أنه بمعنى المصدر كما قال غلمان شؤم، وأشأم هو الشؤم بعينه. يقال كانت لهم بأشأم يريد بشؤم فلما جعل أفعل مصدرا لم يحتج إلى من ولو كان أفعل غير مصدر لم يكن بد منه.
والقول الآخر أن يكون الغلمان غلمان امرئ أشأم أي مشؤوم. وكلهم مرفوع بالابتداء ولا يجوز أن يكون توكيدا لأشأم ولا الغلمان لأنهما نكرتان والنكرة لا تؤكد، وما بعدها خبر المبتدأ، كأنه قال كلهم مثل أحمر عاد يريد عاقر الناقة قدار بن سالف.
وقال الأصمعي أخطأ زهير في هذا لأن قدار عاقر الناقة ليس من عاد وإنما هو من ثمود، فغلط، فجعله من عاد.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد وهذا ليس بغلط لأن ثمود يقال لها عاد الآخرة ويقال لقوم هود عاد الأولى، ودليل قوله تعالى (وإنه أهلك عادا الأولى) وبه أقول.
وقوله: ثم ترضع، فتفطم: أي أنه يتطاول أمرها حتى تكون بمنزلة من تلد وترضع وتفطم.
فتغلل لكم ما لا تغل لأهلـهـا قرى بالعراق من قفيز ودرهم
قال الأصمعي يريد أنها تغل لهم دما يكرهون وليس تغل ما تغل قرى العراق من قفيز ودرهم، وقال يعقوب هذا تهكم وهزء. يقول لا يأتيكم منها ما تسرون به مثل ما يأتي أهل العراق من الطعام والدراهم، ولكن غلة هذا ما تكرهون.
وقال أبو جعفر معناه أنكم تقتلون وتحمل إليكم ديات قومكم فافرحوا فهذه لكم غلة.
لحي حلال يعصم الناس أمرهـم إذا طرفت إحدى الليالي بمعظم
الحلال: الكثير، والحلة: مائتا بيت، وقيل حي حلال: إذا نزل بعضهم قريبا من بعض، واللام في لحي متعلقة بقوله: سعى ساعيا غيظ بن مرة لحي حلال. وقيل المعنى اذكر هذا لحي حلال، أي هذه الإبل التي تؤخذ في الدية لحي كثير، وإنما أراد أن يكثرهم ليكثر العقل، وقوله يعصم الناس أمرهم معناه: إذا ائتمروا أمرا كان عصمة الناس.
كرام فلا ذو الضغن يدرك تبله ولا الجارم الجاني عليهم بمسلم
ويروى ولا ذو الوتر يدرك وتره، والجارم الذي أتى الجرم، وهو الذنب ويروى فلا ذو النبل يدرك نبله لديهم ولا الجاني عليهم بمسلم الضغن، والضغينة: ما تكن في القلب من العداوة، والجمع الأضغان والضغاين.
رعوا ما رعوا من ظمئهم، ثم أوردوا غمارا تفرى بالـسـلاح وبـالـدم
الظمء في الإبل العطش، وهنا ما بين الشربتين، وإنما يريد أنهم تركوا الحرب ثم رجعوا، فحاربوا ألا تراهم أنهم أوردوا غمارا، والغمار جمع غمر وهو الماء الكثير، يريد أنهم وردوا على الموت كقول ورد القوم على الماء، تفرى: تشقق، وتكشف، وتتفتح، وأصله يتفرى ويروى، رعوا ظمأهم حتى إذا تم أوردوا.
فقضوا منايا بينهم ثم أصدروا إلى كلأ مستوبل متوخـم
المنايا: الآجال، أصدروا: أوردوا إبلهم الكلأ والرعي، والمستوبل: والمستثقل الذي لا يمري على من أكله، والمستوخم مثله، وقيل معنى قوله: ثم أصدروا إلى كلأ أي إلى أمر استوخموا عاقبته.
لعمري لنعم الحي جر عـلـيهـم بما لا يؤاتيهم حصين بن ضمضم
لعمري في موضع رفع بالابتداء والخبر محذوف، كأنه قال لعمري الذي أقسم به وجر عليهم بمعنى جنى من الجريرة، وقوله بما لا يؤاتيهم: أي بما لا يوافقهم ويروى: بما لا يماليهم حصين بن ضمضم: أي يماليهم عليه والممالاة: المتابعة، وكل حصين من بني مرة أبى أن يدخل في صلحهم، فلما اجتمعوا للصلح شد على رجل منهم فقتله.
وكأن طوى كشحا على مستكنة فلا هو أبداها ولـم يتـقـدم
الكشح منقطع الأضلاع، والكاشح: العدو المضمر العدواة في كشحه، وقيل هو من قولهم كشح يكشح كشحا إذا أدبر، وولى، فسمي العدو كاشحا لإعراض قلبه عن الود. يقال طوى كشحه على كذا: أي أضمره في صدره، والاستكنان طلب الكن، والاستكنان الإستتار ومعنى البيت: وكان طوى الكشح على فعلة أكنها في نفسه، فلم يظهرها ويروى ولم يتجمجم أي ولم يدع التقدم على ما أضمر، وكان هرم بن ضمضم قتله ورد بن حابس فقتله حصين به، والمستكنة يعنى فعلة مكتومة وهي الغدرة.
وقال أبو العباس هذا بإضمار قد، ومعناه، وكان قد طوى كشحا؛ لأن كان فعل ماض عنه إلا باسم، أو بما ضارع الاسم وأيضاً، فإنه لا يجوز كان زيد قام، لأن
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس