عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 31-05-2015, 02:14 PM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الفصل الخامس: انحيازات الطبقات واتجاهاتها الخُلقية..

تقوم وراء الاتجاهات الخُلُقية العامة المشتركة بين جميع الطبقات اتجاهات خُلُقية تتميز بها كُلّ طبقة. فليست الواجبات الواحدة تتساوى في أهميتها بالنسبة لجميع الطبقات، كما أنها ليست على درجة واحدة من حيث طابع الإلزام. ولا تتمتع فضائل بعينها بقدرٍ واحدٍ من التقدير والاحترام لدى جميع الطبقات، وقُلْ مثل ذلك في الأحكام التي تصدرها الطبقات المختلفة على الأخطاء الخُلُقية فهي تتفاوت في درجة تسامحها أو قسوتها. وبهذا المعنى يمكن القول أن لكل طبقة طابعها الخُلُقي أو اتجاهها الخُلقي المميز لها.

الانحيازات

لاحظ علماء الاجتماع أن مُلاّك الأراضي، إذا ما حاولوا الدخول الى معترك التجارة فإنهم سيفلسون أو على الأقل سيصابون بخيبة كبيرة، فهم لم يتعودوا على تجميع الأرباح الصغيرة لينموا ثروتهم، فلذلك لا ينظر أبناء تلك الطبقة للتجارة نظرة ارتياح.

يغالي أبناء الطبقات بالتباهي بمهنهم أو خطوط اهتمامهم ويحاولون الحّط والاستخفاف من أبناء الطبقات الأخرى، ففي أحاديث الناس عن مهنة الطب أو الهندسة يكون فيها تفاخر واضح، فالفلاح بنظر أبناء هؤلاء جلف متخلف لا ذوق رفيع له. في حين ينظر أبناء الأرياف الى أبناء المدن على أنهم فاسدين ومنحلين خلقيا، ولا تدخل الثروة المالية هنا في الاعتبار.

وتمتد نظرة أبناء الأرستقراطيين الى مسألة الولاء للوطن، في أنهم هم أول من يحضر مراسم الاحتفالات وآخر من يسهم في عمل جاد كتنظيف الأحياء أو تزيين الساحات للاحتفال، فيعتبرون ذلك من الأعمال الدنية التي لا تتناسب مع ملابسهم وأناقتهم، فهي لأبناء الطبقات الدنيا وليس لهم.
وفي حين تستخدم سيدات البيوت الكثير من الخادمات في الأعمال الصغيرة، لكنهن لا يتأخرن عن القيام بأعمال الحياكة والتبرع بها للفقراء! وهكذا يعمل سادة البيوت من الأرستقراطيين عندما يقومون بأعمال غريبة، فلويس السادس عشر كان لا يتورع عن التباهي بصناعة الأقفال بنفسه.

ومن خلال تلك النظرة، فإن الاتجاه لتزويج بنات الأرستقراطيين وكبار البرجوازيين قد يكون من موظف بسيط أنيق من عائلة معروفة، ولكن لن يكون من حِرفي ناجح بالصناعة ويكسب أضعاف ذلك الموظف.

وتذهب النزعة الأخلاقية عند الفرسان وكبار الإقطاعيين رفضهم التقاضي أمام المحاكم مع أناسٍ عاديين، حتى لو كان الحق لجانبهم، بل يقولون: سنأخذ حقنا بأيدينا [ هذه النزعة لا تزال ماثلة في منطقتنا العربية].

المظهر وقواعد اللياقة

سادت في القرن الثامن عشر قواعد (الإتيكيت) كتقبيل يد السيدة أو الفتاة والانحناءة والتكلم بصوت منخفض، والظهور بملبس متميز من ربطة عنق وفراشة وغيرها من الإضافات التي توضع في الجيبة العليا أو على الصدر، والريش وغيرها التي كانت توضع على القبعات،وعادات رصف المادة وأساليب تناول الطعام، هذا في الطبقات العليا في أوروبا، في حين كانت الطبقات الدنيا تنظر لأولئك بنظرة احتقار واعتبار ذلك حذلقة لا طائل منها.

عندما جاءت الثورة الفرنسية، واستبدلت الألقاب بين الناس فلا نبيل ولا فارس ولا غيره، وكان كل إنسان يُسمى (مواطن)، زرعت غصة كبيرة في نفوس أبناء الطبقات العليا... ولكن حلت محلها عادات تعبر عن تلك الطبقات بشيء واضح من الرذيلة في بعض الأحيان، فالحديث عن خليلة وعشيقة كان يُعد من صفات التمجيد والتباهي، فكلما زادت عشيقات الفرد كلما زادت (نياشينه!).

كان يلاحظ أن ركاب الدرجة الثالثة في القطارات بالغرب يتقاسمون اللقمة في رحلتهم، ويضحكون بصوت عالٍ، في حين كان ركاب الدرجة الأولى ينظرون الى هؤلاء وكأنهم رعاع همج.

الصفات والفضائل

عادة ما تكون صفة مقاومة المرء لما يُعرض عليه من بوادر أنانية، ويهيمن على نفسه، ويبذل جهداً كبيراً لكي يرضي الآخرين ويتجنب مضايقتهم. وبهذا المعنى يكون التأدب فضيلة الى حدٍ ما.

وتذهب الطبقات العليا الى اعتبار الحفاظ على أمن الدولة من اختصاصها، وتزعم بأنها تسعى لتخفيف البؤس عن طبقات الشعب الدنيا، وتعتبر دورها في تنوير بصائر الأفراد من أجل إعدادهم لخدمة الدولة. وصفات الولاء للدولة وحب الخير للجميع تتوزع بين الطبقات بدرجات متفاوتة.

فالتجار ورجال الصناعة، لا يتوانوا قط عن انتهاز فرص الكوارث والقلاقل في استغلال طالبين سلعهم، فهي فرصتهم. كما أن عدم الاهتمام بمصالح الوطن العليا والاهتمام بمصالح الفئة والطبقة نجدها عند الطبقة العاملة. أما الرغبة في العيش عالة على الآخرين والسعي الى كسب المال دون عمل، والاعتماد على الدسائس والمحسوبية والاتصالات السياسية من أجل الوصول الى الغرض، فنجدها عند حثالة البرجوازية أو حثالة الشعب.

التأثير الثقافي المتبادل بين الطبقات

إن التأثير المتبادل بين الطبقات ليس محض خيال، فلوحظ أن الطبقات التي تقدمت صفوف الشعب لقرون طويلة، حافظت على تقاليدها، وتركت في الأجيال التي تلتها رموزا بقيت ماثلة في الكتب والروايات والشعر وغيرها، وكانت مثل تلك الرموز مصدر فخر واعتزاز لمن يتصل بها في القربى، وأصبحت نماذج يُحتذى بها من قبل الطامحين لاعتلاء مواقع التقدم، ولا يقتصر هذا الشعور على أبناء طبقة بعينها، بل يتسلل الى باقي طبقات الشعب، من خلال المدرسين والرواة وغيرهم.

انتهى عرض الكتاب
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس