عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-09-2009, 12:20 PM   #397
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

سألت نفسي
ما عساني سأفتقد في غيابك ؟
فكان الجواب ...
ولا شيئ
ففي حضورك كنت أحتاج
لكل شيئ
كانت البداية متقنة من خلال السؤال الاستنكاري والذي تبعته الإجابة الساخرة ،والتي اعتمدت على عنصر المفاجأة وإيهام القارئ بسبب المقابلة بين لا شيء ، كل شيء من ناحية وبين الغياب والحضور من ناحية أخرى، وجملة في حضورك أحتاج لكل شيء تعطي القارئ انطباعًا مؤداه أن وظيفة هذا الآخر هو إشعارها بالحرمان ،لهذا أتت فكرة الاستدلال المنطقي مقوية من تأثير هذه العبارة.



فإرحل
ولو من غير إستئذان
فالليل لا يستأذن النهار الحضور
ولا النور يستشير الفجر
نفس التيمة أو النغمة استخدمتيها مرة أخرى ، ولكن كان الإثبات المنطقي أكثر قوة من خلال الأمثلة الحسية وهي الليل والنهار ،وهنا تشتد قوة الاستدلال المنطقي لتجعل من هذا الفعل أو الرحيل شيئًا منطقيًا مع أن المتوقع لدى القارئ أن يكون الفراق أمرًا مستغربًا.واتسمت هذه العبارة بالرؤية الجيدة ، ففلسفة الرحيل صيغت بشكل يختلف عن الأشكال التقليدية التي تجعل من الفراق أمرًا صعبًا أو حتميًا دون مبرر مقنع.والجمال في هذا أيضًا عدم استشارة النور للفجر مما يعني أن المحبوب بإمكانه الدخول إلى القلب والخروج في أي وقت وهذا يدل على اتساع قلب المُحِبَة حتى أنها صارت بابًا مفتوحًا وحينئذ يكون عدم رجوعه إليها غير مبرر لأنها جعلت الخيارات كلها أمامه .وهذه الصياغة أعطت بعدًا يعتمد على عنصر التجانس وليس التضاد في إثبات الفكرة .وقد يعطي هذا القارئ الانطباع بأن المحِبّة تتسم بالحيادية وهي قمة الكبرياء إذ يتساوى عندها الدخول والخروج وهي -نتيجة ذلك- ليست بمن ستضار شيئًا من خلال تصرفه.والتأكيد على الفكرة كان حاضرًا بقوة من خلال تعدد مستويات الاستدلال.


إرحل
وخذ معك كل الأشياء
ظلك
ورماد ذكرى
اللــــــــــــه! ما أجمل ما تقولين! تذكرينني بما كتبه الراحل محمود درويش رحمه الله في قصيدته عابرون في كلام عابر "خذوا ما شئتم من رمل الذاكرة"
والعبارة ذات طابع فلسفي عميق للغاية ، إذ أن مجيء كلمة ظلك معربة على أنها بدل من كل الأشياء يعطي دلالة أن هذا الآخر كل أشيائه ظلال فهو مخلوق وهمي مجموعة من الظلال .أضف إلى ذلك فإن كلمة رماد الذكرى فيها استعارة متميزة إذ تشبه الذكرى بالرماد أو بما يحترق ، وأرى استخدام هاتين الكلمتين أدى دورًا وظفيًا هامًا في النص وهوأنه جعل الحياة كلها أشياء مميعة غير ملموسة الظل ، الذكرى .وهذا يجعل للنص خلفية تشكيلية مناسبة لهذه الحالة ، كما أنه يعبر عن أن الحب في النهاية كيفما كان هو وهم لأنه صنيع هذا الرماد وهذه الظلال .
هذا التحويم في الفضاء المموه يجعل للنص بعدًا فلسفيًا أبعد وأعمق إذ أنه يدل على معنى طهارة الحب ، فهو في الحالتين حالة غيابه ووجوده هو عنصر غير ملموس . واستخدام اللغة غير الملموسة من شأنه تدريب حواس التفكير لاسيما الإنساني والفلسفي ليعطي النص قيمة تجمع بين عمومية التجربة وخصوصية الحالة.
وجردني ...حتى مني
فسأتوسل الليل
بعضا من سواده
أستر به بجثة جروحي
كان التعبير جردني حتى مني جيدًا للغاية ، لأنه دل على الانسلاخ عن الذات كما دل على الكبرياء الذي لا يضار صاحبه بهذا الانفصال .وعلى الرغم من تكرار فكرة الانفكاك عن الذات مث أبحث عني ، أكرهني،أحبني...إلاأنها جاءت في سياق يقوي من هذه المعاني



والتوسل من الليل تعبير زاد العمل قيمة من حيث دلالته على مفهوم الكبرياء ، فالمُحِبة تستخدم التوسل في إشارة هازئة بالآخر ، تقول له أنني أتوسل بإرادتي ، وأنك لست بمن أتوسل إليه أبدًا .
والسخرية كانت موفقة للغاية في التعبير عن الحالة إذ أن الليل تستر به جثة الجروح ، كان تشبيه الجروح بإنسان له جثة تعبيرًا جميلاً ،لاسيما وأنه أعطى الحالة شكلاً ماديًا مخيفًا . والإشارة إلى أن المحبوب أسوأ من اللون الأسود كانت عبقرية ، فرغم أنه أكثر سوادًا من الليل إلا أنها لا تتوسله هو وإنما تتوسل الليل .والتعبير بشكل غير مباشر عن ظلمة أو ظلام هذا المحبوب كان جيدًا لأنه يبتعد بالنص عن المباشرة وكذلك يشعرُه بتدني قيمته لدرجة أنها لا تذكره باسمه.

إرحل
وبلا ندم
فالبعد أحيانا أهون
من ترويض وحوش المحال
والأعمى لا يملك
حق الندم
إن ضاعت منه
لحظة الشروق
اتسم هذا الجزء بتركيز جيد ورؤية ثاقبة ،فالرؤية في قولك البعد أحيانًا أهون من ترويض وحوش المحال ، الأعمى لا يملك حق الندم رؤيتان فيهما جِدة وابتكار ،إذ أن فلسفة الفقد تكون هي المسيطرة والغالبة في مثل هذا الموقف الذي يكون فيه الاختيار بين الإذلال والبعد أمرًا حتميًا.
تشبيه المحال بالوحوش التي يراد ترويضها كان مما زاد العمل قيمة ، إذ يأخذ هذا التجسيد في إضفاء صور أكثر عمقًا على الحالة. وتبقى العبارة الأخرة الأعمى لا يملك حق الندم إن ضاعت منه لحظة الشروق عبارة فلسفية قوية للغاية ميزت هذا العمل . كان هذا الاستخدام للفظ الفلسلفي عنصرًا فاعلاً في نجاح الخاطرة ، فلفظة حق الندم جعلت من الندم شيئًا غاليًا رغم أنه أمر عادي للغاية ، وهذا تعبير عن المذلة والتي لا يمكن معها تحمل هذا الرفيق ،وقمة المعاناة أن يكون الندم أمرًا يتفضل الآخر بإعطائك إياه.والاستدلال كان منطقيًا إذ أن لحظة الشروق لن ينتفع بها لهذا لا يندم ، كذلك المُحِبّة لا تملك الحزن على فوات المحبوب لأنه صار ظلامًا لايرى .


هو الفصل الأخير
من حكاية لم تكتمل
إنتهى معها كل شيئ
حتى الإبتداء
فلا جدوى
للبقاء
جيد للغاية ختام هذا العمل ،إذ جاء هذا الشرح الموجز لعملية الفراق وكان معبرًا عن منطقية هذه الرغبة والتي لطالما سُبِقت بالفعل ارحل ، والجميل أن الفعل ارحل اقترنت به كل مرة مجموعة من الأدوات المختلفة المساعدة على تقوية دلالته كالتشبيه ، والاستدلال المنطقي .
عمل متميز للغاية هو الأجمل من بين ما كتبتيه ويؤكد على الحراك المستمر لهذه المدخلات المسماة بالخبرة وعلى وجود الرغبة الحقيقية في الانتقال من مرحلة البوح إلى مرحلة الابتكار .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 24-09-2009 الساعة 12:56 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس