عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 03-12-2010, 04:33 PM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
أهلاً بإبداعك أيها الأخ العزيز محمد الحيالي ، وما تأخرت إلا لتصفو نفسي لكتابة الرد على عمل كهذا يحتاج إلى وقت ليس بالقليل لأوافيه ما يستحق ..
رَفةُ ..
جُرحكِ تُحَايلني ...
بداية للنص قوية حيث يكون الجرح بادي الأثر من خلال الرفة ،لكنه جرح غير اعتيادي حيث أن الرفة نفسها تحايل الشاعر أو من يتحدث الشاعر على لسانه ،وتبدو بداية متباينة بين الموافقة والرفض أو بين التمسك بالرفض والانسياق وراء حيلة الجرح ،والتحايل هو التصنع للحيل وليس التوسل
حَتى يَعود الغسقُ الغَارقُ ...
حَيث ....
اشهقُ ...
ونجد أن الكبرياء الملتف بالمبدع هو مثار هذا القلق ، فالغسق وهو الظلمة أو ظلمة الليل يريد العودة إلى حيث يشهق المبدع مما يدل على أن للمبدع فعلاً استثنائيًا يعيد هذه الأشياء إلى أماكنها الصحيحة حيث أن المبدع قد أغضِب بحيث يصير الليل مبتعدًا عن شهقاته ، لم يعد الليل إذًا يحظى بالفرحة أو السعادة لأنه سمير هذا المبدع ، بل إن المبدع بفعل ما أغضِب َ فراح يثبت فعل غضبه حتى صار مصدر الجرح(الحبيبة) يتمنى رجوعه مرة أخرى .أحداث وأفعال خبيئة دللت عليها هذه الكلمات التي توحي باسترجاع المبدع لحدث يريد توريته إثارة للتشويق أو إمعانًا في عتاب المحبوبة حيث أن أسلوب التلميح كثيرًا ما يحدث من الأثر ما يفوق التصريح ولعل هذا التلميح يقصد الشاعر من ورائه إلى المس ببعض الجوانب وترك الجوانب الأخرى في موضوع العتاب بحيث تظل المحبوبة واجلة مما سيذكره ومما سيخفيه فتود لو أنه باح بكل ما بداخله بدلاً من تعذيبها بناري البوح بالتلميح ، ودوران بالها فيما ترك البوح فيه هل سيعاوده مرة أخرى أم أن له في إخفائه مأربًا ما .
أشتهي زَفيرَ الكلمات ...
مِيلادُ قَلبكَ المطعونُ .. بوح ..
وَشمُ خَيالكِ مَوشوم بشغاف الليل سهاد ..
ناولني ... الجرح اكثر من فلسفة للوجوه ...
مَازال الطعن يَحفرُ خَاصرة البَالْ ....
ثمة علاقة ما بين الشهيق والزفير يوحي بها البوح ، فحين كان المبدع يشهق فقد كان المجال المحيط به مجال سعادة يجعله يشهق ما يفرح به فإذا زفر فسيكون زفيره (الكلمات التي يخرجها) بهيجة وهذه الموازاة بين الشهيق والزفير توحي ببعض ملامح الخيل التي توحي بجموح يحاول المبدع تكريسه ليسقط المحبوبة من فوقه وترى عاقبة ما ألمته به.لكن السؤال لماذا يشتهي المبدع الآن -في هذا التوقيت- زفير الكلمات دون شهيقها ؟ إنه البوح المتمثل في الطعن ، ميلادالطعن هو الذي قاد الشاعر إلى هذا البوح الذي يوحي بقدر كبير من العنف في مواجهة ما أصابته به.كانت العبارات ميلاد قلبك المطعون ،الغسق الغارق ذات خصائص إبداعية رائعة زادت من وهج العمل خاصة عندما وضعت في هذا السياق الرمزي .
جمال هاتين الخصيصتين تمثل في التضاد أو إلغاء الروابط بين الكلمات وحقولها الدلالية عندما يكون هنالك ميلاد للقلب المطعون .فالميلاد يرتبط في الغالب بالبهجة والفرحة المصاحبتين لولادة هذا المولود الجديد ، ولكن عندما يكون المولود مطعونًا فإن معنى الألم يجتاح حالة الفرحة من خلال هذه الولادة المشوهة ، والأجمل أن هذا اللقاء الذي كان بينهما وقد استحال هجرًا لم يصبح ميلادًا ميتًا بل مطعونًا مما يشي بحالة من الألم لا تنتهي لأنه لم يمت وفي الوقت نفسه لم يُشف منه ، وهذا هو المعول عليه في بقاء العبارة الأولى الاستهلالية "رفة جرحك " للدلالة على حالة من الألم مستمرة حتى الآن . وفي هذا التعبير عنصر جمالي آخر يتمثل في كلمة قلب ، فالميلاد هو ميلاد قلب والجمال في هذا التعبير لا يقف عند الجانب السطحي المتمثل في التشخيص وإنما في تعبيره عن حالة الخواء الملازمة للمبدع والتي لم يكن له من قبل قلب ، ولما صار له قلب ..صار مطعونًا ، فهو إذَا وليد ألمين ألم العدم وألم الطعنة.
أما الغسق الغارق فهو تعبير رائع للغاية يحدث فيه نقل لمعنى تجريدي من خلال معنى تجريدي آخر ، فالغرق من سمات الإنسان ولكنه لما يكون الغسق كله قد صار مختزلاً في شكل إنسان فهذا يعطي له قيمة أكبر من خلال تضاد الدلالة لمدلولها ، لكن الأجمل أن المبدع لم يقصد غرقًا حقيقيًا بل غرقًا معنويًا ليكون الليل هو ذلك الكائن الطويل الممتد ولكنه غارق أي أن هناك ما هو أكثر وأبعد منه .هذا المعنى دل على (انهزامية الليل) ولكنه لم يعبر عن نهار لقد عبر عن ليل موحش ولكن هذا الليل الموحش قد وجد ما هو أشد منه وحشة بحيث أن وحشته احتوت الليل كله وصار الليل فيها مجرد فرد لا يكاد يقدر على مواجهته . إن هذا الليل قد استحال غارقًا في الحزن والألم لمجرد غياب المبدع عنه أو من يتحدث المبدع على لسانه ، وبغياب المبدع لم يصمد الليل وصار ما حول الليل أشد كآبة منه ومغرقًا فيه حتى صار الليل وكأنه مستغيث بالمبدع لإنقاذه وبعث روح الجمال فيه روح السمر والعذوبة والأنس ، وهذا الغسق الغارق قد يكون تلميحًا للمحبوبة ،ولكن جمال الصورة يزداد بمزج متناقضين الغسق والغرق ،إن ظلمة السماء قد سقطت في ظلمة البحر كأنما البحر قد استلبها نجومها وبدرها وكل ما فيها .
وفي هذا المعنى الجميل -وأقل من ذلك بكثير- كان بيت لشوقي رحمه الله :
كأن الدجى بحر إلى النجم صاعد
كأن السرايا موجه المتضرب
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 01-11-2012 الساعة 05:46 PM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس