خذ حسابك وارحل :
حيث أن أبا شوفة قد عاش ردحا من الزمن قبل الكهرباء ، فان طبيعة الحياة التي كان يعيشها ، هي حياة ريفية اعتيادية تتماشى مع طبيعة العصر في بدايات القرن العشرين ..
لقد كان لديه مجموعة من الحراثين أي ( المرابعية ) .. وهم الذين يقضون عاما كاملا في خدمة ملاك يحرثون أرضه و يزرعونها و يحصدونها مقابل ربع الانتاج ومن هنا أخذ اسمهم ( مرابعية ) .. وبعد نهاية الموسم ، إما أن يستمر أحدهم اذا حصل التوافق بينه و بين مالك الأرض .. أو أن تنتهي خدمته .
ولما كانت الحراثة تتم بواسطة الدواب ( الخيل و البغال والحمير و الأبقار) وكذلك الرجاد و الدراس ( أي نقل المحصول من الحقل و سحق القش من أجل استخلاص الحبوب لتخزينها ) .. فان أوقات استراحة ( المرابعية ) ، ستكون محدودة وقصيرة جدا .. الا اذا جاء الموسم قحطا و لا ناتج به .. فعندها ستطول فترة الراحة لدى هؤلاء الأجراء ( المرابعية ) ..
وكون هؤلاء الأجراء يبيتون في منازل ملاك الأرض ويأكلون من أكلهم ، فانهم يقومون ببعض الخدمات الاضافية التي لم ينص عليها عقد استخدامهم ، والذي دائما يكون بالقياس للعرف و بالمشافهة ، أي ليس مكتوبا ..
على أي حال لندخل الى الحالة التي نحن بصددها بعد تقديم تلك المقاربات ، لتساعد في تصور الموقف .. لقد كلف أبو شوفة أربعة من الأجراء (المرابعية) للذهاب الى مطحنة تدار بالماء قرب شلالات قريبة من قرية أبو شوفة ، ولبعد المسافة فان الرحلة بواسطة الجمال (جمع جمل أو بعير ) ، ستستغرق ثلاثة أو أربعة أيام ..
لقد ذهب الأجراء لطحن حبوب القمح وعادوا .. وعند عودتهم قام أبو شوفة بحيلة من حيله ليعرف من باع من القمح في تلك الرحلة و من لم يبع ، ولكن دون أن يسألهم حتى لا يقع في إحراج من أي نوع ..
لقد جمع أبو شوفة عصيهم التي يسوقون بها الدواب ، والتي دائما كانت تكون مع كل من يركب أو يقود أي دابة .. وبعد أن عرف كل عصا لمن تعود .. احتفظ بالعصي بعض الوقت ..
ونادى أبو شوفة أحدهم و قال له خذ حسابك و ارحل .. فلم أعد بحاجتك .. لم يناقش الأجير بأسباب قرار أبي شوفة ، فقد أدرك أنه عرف سلوكه وبيعه بعض القمح !!
لكن كيف حدث ذلك ؟ ببساطة ان العصا التي تجمع عليها الذباب ، لا زالت تحمل بعض آثار الحلو ( الدبق) الذي أكله هذا الأجير في طريقه وهو يمسك بالعصا !!
__________________
ابن حوران
|