عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-10-2009, 01:27 PM   #2
فرحة مسلمة
''خــــــادمة كــــــتاب الله''
 
تاريخ التّسجيل: Oct 2008
المشاركات: 2,952
إفتراضي

تابع
ثانيًا: ما رواه الشيخان من حديث عدي بن حاتم، فقد حدثه النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مستقبل الإسلام وانتشاره، وارتفاع مناره في الأرض. فكان مما قال: " يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة (بالعراق) تؤم البيت لا زوج معها، لا تخاف إلا الله ... إلخ " وهذا الخبر لا يدل على وقوع ذلك فقط، بل يدل على جوازه أيضًا، لأنه سبق في معرض المدح بامتداد ظل الإسلام وأمنه.

هذا ونود أن نضيف هنا قاعدتين جليلتين : أولأً: أن الأصل في أحكام العادات والمعاملات هو الالتفات إلى المعاني والمقاصد بخلاف أحكام العبادات، فإن الأصل فيها هو التعبد والامتثال، دون الالتفات إلى المعاني والمقاصد . كما قرر ذلك الإمام الشاطبي ووضحه واستدل له.

الثانية: إن ما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة، أما ما حرم لسد الذريعة فيباح للحاجة . ولا ريب أن سفر المرأة بغير محرم مما حرم سدًا للذريعة.
كما يجب أن نضيف أن السفر في عصرنا، لم يعد كالسفر في الأزمنة الماضية، محفوفًا بالمخاطر لما فيه من اجتياز الفلوات، والتعرض للصوص وقطاع الطرق وغيرهم.
بل أصبح السفر بواسطة أدوات نقل تجمع العدد الكثير من الناس في العادة، كالبواخر والطائرات، والسيارات الكبيرة، أو الصغيرة التي تخرج في قوافل . وهذا يجعل الثقة موفورة، ويطرد من الأنفس الخوف على المرأة، لأنها لن تكون وحدها في موطن من المواطن.
ولهذا لا حرج أن تحج مع توافر هذا الجو الذي يوحي بكل اطمئنان وأمان.


ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر: روى البخاري ومسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا يكون ثلاثة أيام فصاعدًا إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها". ورويا أيضًا أن رجلاً قال للنبي –صلى الله عليه وسلم- إنه اكتتب في الغزو، وإن امرأته قد خرجت للحج، فقال له "حج مع امرأتك".

إزاء هذين النصين وغيرهما اختلف العلماء في اشتراط المحرم في وجوب الحج على المرأة، وبعيدًا عن اختلافهم في تقدير المسافة، قال الحنفية: لابد من وجود الزوج أو المحرم، إلا أن يكون بينها وبين مكة دون ثلاث مراحل. وقال الشافعي في المشهور عنه كما ذكره النووي في شرح صحيح مسلم "ج9 ص104": لا يشترط المحرم بل يشترط الأمن على نفسها.
وقال أصحابه: يحصل الأمن بزوج أو محرم أو نسوة ثقات، وقال بعضهم: يلزمها –أي الحج- بوجود امرأة واحدة، وقد يكثر الأمن ولا تحتاج إلى أحد، بل تسير وحدها في جملة القافلة وتكون آمنة، ويقول النووي: المشهور من نصوص الشافعي وجماهير أصحابه هو الأول، أي الأمن على نفسها بالزوج أو المحرم أو النسوة الثقات.

والإمام مالك لا يشترط الزوج أو المحرم في سفر الفريضة، وقال الباجي من المالكية: إن الكبيرة غير المشتهاة يجوز سفرها بلا زوج ولا محرم، ورفض القاضي عياض هذا القول لأن المرأة مظنة الطمع والشهوة حتى لو كانت كبيرة، ولوجود السفهاء الذين لا يتورعون عن الفحشاء في الأسفار.

والإمام أحمد اشترط وجود الزوج أو المحرم في وجوب الحج عليها، وفي رواية أخرى عنه: لا يشترط ذلك في سفر الفريضة.
يقول النووي بعد حكاية مذهب الشافعي
إن هذا الخلاف إنما هو في الحج الواجب، أما حج التطوع وسفر الزيارة والتجارة وما ليس بواجب، فقال بعضهم: يجوز خروجها مع نسوة ثقات، وقال الجمهور: لا يجوز إلا مع زوج أو محرم، وهذا هو الصحيح، ونوجه النظر إلى أن من اشترط المحرم أو الزوج اشترطه لوجوب الحج عليها، ولرفع الإثم والحرج عنها لو سافرت بدونه، لكن لو خرجت للحج بدون ذلك فإن حجها صحيح متى استوفى أركانه وشروطه، وتسقط به الفريضة عنها ولا تلزمها إعادته مع محرم، وإن كانت قد أثمت لخروجها بدون الزوج أو المحرم أو ما يقوم مقامهما على الوجه المذكور.

والحكمة في اشتراط المحرم أو الزوج هي توفير الأمن للمرأة في السفر، ومساعدتها على قضاء مصالحها التي تحتاج إلى اختلاط أو تعب، وقد يكون لتطور وسائل السفر وقصر مدة الغياب عن الوطن، مع توافر كل المستلزمات من ضروريات وكماليات، وسهولة الحصول عليها، ومع استتباب الأمن حيث تؤدي الشعائر بيسر، بالقياس إلى أزمان سبقت قد يكون لكل ذلك أثره في تغير النظرة عند فهم الحديث الخاص بسفر المرأة وحدها. وقد صح في البخاري من حديث عدي بن حاتم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ذكر أنه قد يستتب الأمن حتى ترتحل الظعينة من الحيرة وتطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله.

وقد رأينا في استعراض آراء الفقهاء –حتى بين علماء المذهب الواحد- اختلاف وجهات النظر في حتمية المحرم أو الزوج ومكان الاستعاضة عنهما بالرفقة المأمونة، بل في جواز حجها بدون مرافق، حتى إن ابن حزم في "المحلى" رجح عدم وجوب الزوج أو المحرم في سفر الحج، فإذا لم تجد واحدًا منهما تحج ولا شيء عليها.


ولذلك أرى أن المدار هو على توفر الأمن والراحة لها، فإذا حصل ذلك بأية صورة من الصور، كزوج أو محرم أو رفقة مأمونة أو إشراف رسمي مسئول أو غير ذلك؛ وجب عليها الحج وسافرت، وقد حج نساء النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد أن أذن لهن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- وبعث معهن عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف –رضي الله عنهما- وكان ذلك سنة لأنهن حججن مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم
__________________








فرحة مسلمة غير متصل