عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 06-08-2009, 06:27 PM   #13
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

إقتباس:
المشاركة الأصلية بواسطة هشام مصطفى مشاهدة مشاركة
[color="red"]سَفَرٌ في وَجَعِ السِّنْدباد
الشاعرُ سيف الرحبي
ثَمَّةَ شاعرٌ يَبْحَثُ عَنْ شِعْرٍ
ثَمَّةَ شِعْرٌ يَبْحَثُ عَنْ قَصيْدةٍ
ثَمّةَ قَصيْدةٌ تَبْحَثُ عَنْهما
( 1 )
حَلِّقْ بَأَجْنِحَةِ النَّهارِ
إلى تُخومِ الحُلْمِ
في ليلِ الْغَريبِ
ولا تَنِ الذّكِرى
ولا عَنْها تَحيدْ

البدء بالصورة التشكيلية كان عنصرًا لافتًا للغاية في القصيدة ، وهذا راجع
إلى جمعك بين الفنين المتعانقين الشعر والرسوم التشكيلية . وكان التعبير
أجنحة النهار محققًا لحالة من (سحر الصورة) لاسيما عندما يقترن بتخوم الحلم.
إن الحلم في هذه المرة قد نزعت عنه عباءة الجمال والحسن فصار تخومًا
تضل فيها الحياة ،ثم الغريب يأتي مقصودًا به ربما المواطن وربما الهوية .
وفي هذه الصورة الملغزة التي تبدو غامضة تبدأ رحلة السندباد لكن كان تعبير
الأجنحة والنهار متماشيًا مع كلمة سندباد ووقعها في اللاشعور الجمعي .

كُنْ طائرَ الْفينيقِ
يَبْعَثُ ريشَهُ
مِنْ نارِ غُرْبَتِكَ الّتي
( عَصَرَتْ عِظامَكَ ) كيْ ترى
نورَ الْحَقيقةِ شاهرا
سَيْفَ الضِّياءِ ...
على كُهوفِ ذواتِنا
وانْشُرْ قُلوعَكَ يا فتى
مِنْ مَرْكَبِ الْفَجْرِ الْبَعيدْ


كان استلهام الأسطورة مميزًا ، لأنه يتناسب مع حالة السفر والتحليق،
والبعث المنتظر للمشهد الثقافي ،لكن ربما أجد تعبير نور الحقيقة شاهرًا
سيف الضياء (مشعًا) بأكثر مما يجب ،تعبير كهوف ذواتنا كان مميزًا في وصفه
لحالة التبلد أو الركود المعرفي والثقافي ، ثم يجئ مركب الفجر البعيد فيه
تجسيم لهذا البعث ويحقق صورة ذهنية مختزنة عن الضياء المنتظر ،
وكان هذا في صالح النص لأن حالة الاستغراق في الظلام في مقابلة الضياء
المنتظر كانت واضحة من خلال صورة تتمازج فيها الأطياف والألوان والمشاعر
المختلفة.
ها أنْتَ ...
تَلْتَحِفُ السَّماءَ لكيْ
تُعانِقَ حُلْمَكَ الشّاجي الْعَنيدْ
ها أَنْتَ ...
تَخْتَزِلُ الْأماكِنَ والْبِحارَ
وخَلْفَكَ الْماضي الْمُبَعْثَرُ
في حِكاياتِ الْمَساءِ
على الْأَسِرَّةِ
في ليالي الصِّيفِ
على شفا الْحَرْفِ الْبَليدْ

ربما تكتسب الجملتان "جني الأماني ، الحرف البليد" قيمة تحتاج إلى دراسة لغوية
دقيقة حول دلالتها والسياقات المرتبطة بها ، والتعبير (الحرف البليد) والمقصود به
كما أظن الإنسان العربي المخدّر يأتي ليضرب على الجرح ويستنهض همة المجتمع
من خلال المصارحة بضرورة الثورة على الذات أولاً قبل التفكير في أي محاولة للارتقاء
به ثقافيًا واجتماعيًا .

ها أَنْتَ ...
تَعْشُبُ شَوْقَنا الْمَقْبورَ
في صَمْتِ الْحنايا
والرّؤى الْعَمْياءِ عَنْ معنى غَدٍ
مَسْخِ الْمَلامِحِ
في مخاضِ الرِّحْلَةِ الْعَرْجاءِ
للْزَمَنِ السَّعيدْ
ها أَنْتَ تَرْحَلُ مِنْ جَديدْ
ماذا تُريدْ ؟!!

المعنى الإجمالي واضح لكن أشعر أن حالة من التراتب تسلم بعضها إلى بعض
حتى يكون المتلقي قد عميت عليه التفاصيل الدقيقة وكان استخدام حروف الجر
بكثرة والصور المجازية مرهِقًا نوعًا ما .
( 2 )
يا ظِلَّ ساعاتِ الْمُسافِر
لا أستطيع فهم دلالة ساعات المسافر ، إلا إذا كانت
تعبيرًا عن دقات الساعة.
في خَبايا السِّرِ
مِنْ تِيهِ الْمَدائِنِ ( في عنا المَنْفى )
إلى تِيهِ الزَّمَنْ
هَلْ كُنْتَ ...

استخدام حروف الجر كان موفقًا بدرجة كبيرة في التعبير عن الانتقال والسندبادية.
إلا أَسْطُراً حَيْرى
يُخاصِمُ فِكْرُها حَرْفَ الْوَهَنْ ؟!!
فانَوسُكَ السِّحْرِيُّ
مُهْتَرِئٌ ...
ويَعْلوهُ الصّدا
ما عادَ جِنِّيُّ الْأماني
يَسْتَجيبُ إلى الْنِدا

تعبير في غاية الروعة ، ميزه بدرجة كبيرة عنصر التجسيم وإلباس الأمني
زي الجنيّ الذي يستجيب إلى النداء . وكانت البيئة التشبيهية متكاملة بدرجة
كبيرة وهذا الاستخدام لعنصر الجني والأماني كان تعبيرًا جيدًا عن حالة التغييب
التي يعيشها الإنسان العربي في واقعه الثقافي .
ورؤوسُ تِنِّينِ الْجَزائرِ
تَسْتَبيحُ أميرَةَ الْقَصْرِ الْمُطِلِّ
على روابٍ ...
قَدْ سَقَيْناها دما
ماذا سَتَجْني مِنْ خُطى ؟
زَرَعَتْ شَوارِعَ حَيِّنا ( يوما )
أغانٍ ...
لَمْ تَجِدْ
لَحْنا ولا
صوتا ولا
قِيثارةً
تُحْي النَّشيدَ
ولَمْ تَجِدْ فينا فَما
فالصَّمْتُ ...
في هذي النَّواحي
مِنْ ضَروراتِ الْحياةِ لكيْ
يُلَمْلِمَكَ الْوَطَنْ

كسائر التعبيرات ولا أروع ، الرؤية كانت جيدة خاصة في التعبير يلملمك الوطن
الذي يعبر عن حالة الإنسان المثقف والذي يبدو كأشلاء متبعثرة . والتحدث بلسان
الحكيم على هذه الطريقة الساخرة يظهر بشكل كيبر فلسفة الصمت باعتبارها
إحدى ضروريات الحياة .

كُلُّ الْعَذاباتِ التّي
حُمِّلْتَها ... عادتْ
فَهَلْ تَهوى الشَّجَنْ ؟!!
أَمْ أَنَّها ...
عَبَثُ الْمَسافةِ
صَوْبَ أحْلامٍ تهاوتْ
في مَتاهاتِ الْمِحَنْ
مَنْ أنْتَ ؟
كيْ تَحْثو خَطايانا الّتي
قَدْ شَكَّلتْ
صَخْرَ الْحَقيقةِ فَوْقَ

أكْتافِ الْقَصيدْ

هذه الصورة ذات طابع تشكيلي مؤلم للغاية كأنه يستدعي
صورة سيزيف . إن الخطايا التي تراكمت بفعل البشر هي التي يتحملها
الإنسان المثقف وتعبير خطايانا جاء معبرًا عن التراب والقصيدة معبرًا عن الوطن،
ليكون الشاعر هو ذلك الإنسان الذي يحمل خطايا الآخرين التي أثقلت كاهل
الوطن ، وهنا تكون قمة التفاني من أجل الآخر. والسؤال الاستنكاري ليس من باب التعجيز
وإنما أحيانًا تكون لغة الخطاب ذات إيحاء بأنها ساخرة لكنها من الباطن تحمل تعاطفًا ـ ويكون
استخدام هذه الطريقة تحدثًا على لسان الآخر والذين يرون أنفسهم منوطين بمهمة محاكمة
المثقف والعمل على رسم الخطوط الحمراء له .

هَلْ أنْتَ
أمْ نَحْنَ الّذينَ
نُعيدُ آهاتَ الْحِكايَةِ
في انْبِعاثاتِ النَّشيدْ ؟

ويعود السؤال بالأداة هل تعبيرًا عن الحيرة التي تتملك كاتب القصيدة
إزاء هذا الوضع المزري . ولعلها إشراك الضمير نحن -بشكله المنفصل- جاء
ليحاول إعفاء الشاعر من هذه التبعة كما أن الضمير نحن للمنفصل عبّر عن انفصال
بين كل من الشاعر والمجتمع ، وانبعاثات النشيد تركيب أتى للتعبير عن جلد الذات ،وذلك
يتفق جيدًا مع الصورة السيزيفية بالأبيات السابقة.
مَنْ أَنْتَ ؟
كيْ تأتي لِتَنْزَعَ
عَنْ شِتاءِ السَّطْرِ
مَمْلَكَةَ الْجَليدْ
الله ! هذا التعبير جاء ليعبر عن الغمة الرابضة فوق أكتاف الفكر ذلك السطر
الذي أصابه الشتاء وتجمدت الحياة فيه .
وَتُعيدَ رَسْمَ الْحَرْفِ
في سِفْرِ الْمُنى
حَتَّى تُفكَّ قُيودُ الرُّوحِ
مِنْ جَسَدِ الْعَبيدْ
مَنْ أَنْتَ ؟
كيْ تَسْقي حَكاياكَ الْعَنيدةُ
أَسْطُري ...
أوْ كُلَّما
نَكَأتْ خُطاكَ مواجعي
تَنْسابُ تيها في الْوَريدْ
مَنْ أَنْتَ ؟

إن الشاعر يحمل رسالة إنسانية ورؤية أبعد من أن تكون مجرد نقش للحروف على السطور ،
ومن هنا كان استخدام السؤال الاستنكاري بعكس الأغراض التقليدية ليعبر عن التعاطف معه .

قُلْ ليْ أيُّها الثّاوي على
جُرْحِ الْقَصيدْ
ماذا تُريدْ ؟


لا يملك( الحكيم) إلا أن يربت على كتف هذا السندباد والذي لم
يزل معتقدًا في ظهور مركب الشمس إلا أن يناجي شجنه
ويربت على جراحه ليقول ماذا تريد ؟
إنها غربة المبدع والمثقف حتى يجد نفسه كالتائه الذي يسأله
الناس ماذا تريد ؟ علنا نساعدك !

( 3 )
يا سَيِّدَ الْوَجَعِ الْمُخَبّأِ
في ثَنايا السَّطْرِ
مِنْ حكايانا الْقَديمَةْ
هَلْ جِئْتَ
مِنْ بَيْنَ الرُّفوفِ مُوَشَّحا
بِعباءةِ الصَّبرْ الْعَقيمَةْ ؟!!
لِترى دُموعَ الْحُلْمِ
تَنْحَتُ وجْهَنا الْمَوْسومَ
في وَجْهِ الْمَرايا
بالْمَساءاتِ الْأليمَةْ


وكأن السندباد ما يزال في نشوة طيرانه ، لا يعبأ بشيء من وصايا( الحكيم) والذي قد يئس من
إقناع السندباد لينادي والأداة يا أتت للتعبير عن هذا البعد وتعبير سيد الوجع أضاف قيمة جمالية
للقصيدة والتي يغدو فيها الوجع محكومًا بسيد وكأنه من شدة ما استعبد الجرح سُيِّد عليه ، وما أتعسه
من سيد وسيادة!

وكانت التعبيرات متماسكةفي إطار الصورة التشكيلية العبقرية دموع الحلم تنحت وجهنا الموسوم في وجه المرايا ، ليكون الدمع أزميلاً وتكون الوجوه صخورًا ، تستقر عليها المساءات الأليمة .
إن الاستخدام المجازي للالفاظ ودلالاتها جاء معبرًا بشكل كبير عن قدرة فائقة على إيجاد جوانب وظفية للأشياء تتسم بالابتكارية وهذا جوهر من جواهر الإبداع .

كَيْفَ انْتَهَيْتَ بلا شراعٍ ؟!!
بَعْدَ أنْ طُفْتَ الْمَدائنَ
تَسْكُبُ الْآمال فَجْرا
حَيْثُ
أوْرِدَةُ الْحُروفِ
تَمُدُّ أذْرُعَها ليَسْكُنَ دَفْقُها
قَلْبَ الْحَقيقَةْ


هذه القصيدة كأنها ملحمة تشكيلية خاصة في البيت أوردة الحرو تمد ذراعها
ليسكن دفقها قلب الحقيقة ، إن الإصرار على استخدام لغة الأسطر والحروف
وأنسنتها يأتي مثبتًا تشبث الشاعر بالشكل الأول لأشكال الحضارة وهي الكتابة
والقراءة ، وإن الاتكاء عليها يجئ منبهًا إلى انحطاط يجرف المجتمع تهان فيه الحروف
(المثقفون ) بسبب (السطر البليد)

كَيْفَ ارْتَضَتْ
روحُ الْمُغامِرِ فيكَ
قَيْدَ أَسْطُرِنا ؟!!
حتَّى غَدَتْ
كصُورَةٍ ...
أَوْ قِصَّةٍ ... تَلْهو
بأوْجاعِ الْمَدينَةْ
أتُراكَ حطَّمْتَ السَّفينَةْ ؟!!
أتُراكَ بَعْدَ الصَّمْتِ أزمانا
تُعيدُ الرُّوحَ لِلْجَسَدِ الْمُسَجَّى
مِنْ مَفازاتِ الضَّياعِ إلى
روابيكَ الْجَميلَةْ ؟!!
أتُرى ستَخْلَعُ ( ذاتَ يَوْمٍ )
عَنْ خُطى ...
( كُتِبَتْ عَلَيْنا )
ثَوْبَ أَوْزارِ الْقَبيلَةْ ؟!!


العودة إلى اللغة المباشرة كان معبرًا عن اتحاد بين الشاعر والمجتمع ، فعند خطابه لسيف الرحبي
تكون لغة الخطاب هي اللغة الشاعرية الرمزية بأغوارها وعوالمها العديدة بينما تكون عند الالتفات
إلى المجتمع سهلة هينة تناسب طبيعة فهم قارئيه

ماذا سَيُجْدي أَعْيُنًا
ضوءُ النَّهارِ ؟
إذا جَفاها الْحِسُّ أو
جَفَّ الْوَريدْ


يأتي الاعتماد على المنطق مرة أخرى في هذا التهكم الظاهري والذي يحمل معنى التعاطف
في هذا الشطر ، إن العين التي لا تشعر بالضوء كيف تقرأ . كذلك المجتمع المنغمس في لقمة
الخبز كيف له أن يلتفت عناه إلى الحروف حيث الفكر والثقافة ؟

أَتُرى الْحُروفُ ...
تَفِلُّ أَسْوِرَةَ السَّطور ؟
لِتَبْعَثَ الزَّمَنَ الْمُكَبَّلَ
بانْكِساراتٍ ...
يُكَلِّلُ هامَها خَوْفٌ عَتيدْ
أَتُراكَ حينَ
تَقُصُّ أسْواقَ الْمَدينَةِ
قدْ تَرومُ
مِنَ الْمَراضِعِ ثَدْيَ مَنْ
يَهوى الْوَليدْ ؟
أَتُراكَ أسْكَرَكَ الْغيابُ
عَنِ الْمَسافاتِ الَّتي صارتْ
كَحُضْنِ الْبَحْرِ
دُونَ عصا ...
تَشُقُّ غيابَةَ الْمَجْهولِ
حَتَّى يَنْتَهي تِيهُ الْحِكايَةِ
لِلْزَمَنِ السَّعيدْ
ها أَنْتَ ...
تَرْحَلُ مِنْ جَديدْ
ماذا تُريدْ ؟!!
هشام مصطفى [ /color]


إنها الرحلة العرجاء للزمن السعيد أمران شتى لا يجتمعان ، في هذه الرحلة الملئى بالأطياف والألوان
تلك التي تريد عبور البحر دون عصا في إشارة إلى قصة نبي الله موسى عليه السلام ، إنه لا يعبر البحار إلا (أصحاب المعجزات ) ومن هنا يتكرر النداء المشوب بالحزن والشفقة على هذا( الفتى)والذي لا يعلم ماذا سيكون حاله بعد الرحلة لتكون النهاية ماذا تريد ؟ إن الرحيل سيستمر والألم سيتكرر والمسافات بين المعرفة والإنسان في هذا العالم كأحضان البحار ..
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس