عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-11-2014, 02:45 PM   #4
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

غنائم وهزائم

لم يُعثر في صفحات التاريخ أن أجمع كُل الناس على الثناء على أي دولة أو نظام سياسي بشكل كامل، كما لم نجد في تاريخ الرُسل والأنبياء أن كانت الطاعة والموالاة والإتباع لأي منهم دون ظهور أعداء، إلا في حالة (إدريس) عليه السلام، والذي يظهر في التاريخ الإنساني باسم (هرمس).

الأفراد لا يقومون بإطاعة السلطة من أجل الطاعة ذاتها، وإنما يطيعونها من أجل أهداف يعتقدون أنها ستتحقق عندما تؤدي هذه السلطة عملها.*1 وإن لم تؤدي السلطة عملها تظهر القلاقل.

تعتمد مسألة تحقيق الأهداف، على قدسية ونزاهة الأهداف، وعلى قوة القائمين على سير تنفيذها وِفق مجموعة من الضوابط التي تتماها مع تلك القدسية، حيث ينتشر العدل والمساواة وعدم المحاباة وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

في الحالة الإسلامية الأولى، كان التشريع من الله رب العالمين والتنفيذ من رسوله المعصوم صلوات الله عليه، ومن بعده صحابة كانوا يتصفون بالزهد واليقين والخوف من الله، فكان سلوكهم مُطابقٌ لدرجة شبه كاملة مع ما يُفترض أن يكون ممثلاً لأوامر الله ونواهيه.

(1)

في معركة (بلاط الشهداء) انكسر المسلمون بعد معارك طاحنة استمرت سبعة أيام، واستشهد منهم الكثير وعلى رأس من استشهد القائد عبد الرحمن الغافقي، الذي أراد الثأر للقائد (السمح بن مالك الخولاني) الذي استشهد في معارك قبله وجهه إليها والي الأندلس الجديد (عنبسة بن سحيم الكلبي) الذي خلف موسى بن نصير، وقد انكسروا بسبب ما كانوا يحملونه من غنائم حصلوا عليها في طريقهم الطويل الذي انتصروا في كل معاركه، والممتد من (قرطبة) الى ما بين بلدتي (تورو) و (بواتيه) قرب باريس، فقد أثقلت تلك الغنائم ظهور الركائب والمشاة، كما أنها احتاجت الى حامية قوية تحميها، وفهم الإفرنج تلك الخاصية عند جيش المسلمين، فأتوا من الخلف وهزموا المسلمين*2.

وأينما وجدت في تاريخ العرب والمسلمين هزيمة، فابحث عن الغنائم، ففي حصار روما في القرن الثالث الميلادي على يد (زنوبيا) ملكة تدمر وحلفائها من العرب والأرمن، وبعد أن تغير خلال أسبوع سبعة قياصرة لروما، وكان دخول روما قاب قوسين، كانت قضية الغنائم وراء هزيمة (زنوبيا) وفرار جيشها الذي استولى على ممتلكات الجيش نفسه.

وفي معركة أحد كاد المسلمون أن ينتصروا لو التزموا بأمر رسول الله المعصوم صلوات الله عليه، لكن الرماة المكلفون بالمكوث على الجبل نزلوا لينالهم بعض الغنائم فانهزموا في أحد!

(2)

لم تكن مسألة الغنائم مقتصرة على ما يتم نيله في الحروب، ولكنها امتدت لأكثر من شأن، وعلى رأس تلك الشؤون السلطة السياسية نفسها، ولن نناقش مسألة الورع وتفاوت عُلية القوم بمستوياتهم فيه، بل ما نهتم به كان الخلافات السياسية الشديدة التي حدثت بين الصحابة ومن بعدهم التابعين، حتى انتهت الى الاستعانة بغير العرب أو حتى غير المسلمين.

فالفتنة التي حدثت في عصر الخليفة الراشدي عثمان بن عفان رضوان الله عليه كان وراءها تعيين ستة من الولاة من أقاربه، ومنهم عُبيد الله بن أبي السرح والي مصر أخ عثمان من أمه، والذي أفسد في البلاد وجاء أهل مصر للمدينة المنورة طالبين تغييره، وعندما تم استبداله ب (محمد بن أبي بكر)، قام مروان بن الحكم بتزييف كتاب بعثه لابن أبي السرح بضرب عنقه، وختمه بخاتم الخليفة عثمان، وحدث ما حدث والقصة معروفة*3

ما تركته تلك الفتنة بقيت آثاره حتى اليوم، صراع على السلطة، زعم بأن كل طرف هو صاحب الحق المطلق! وأن الطرف أو الأطراف الأخرى، خارجة عن الملة كافرة، والحقيقة أن ذلك الصراع يترك آثاره الوخيمة على الجمهور الذي يفتقر الى القوة، فينجر أحياناً وراء طرف ضد طرف.

(3)

سيقول قائل: هل قضية الغنائم هي وِقفٌ على العرب أو المسلمين دون غيرهم؟ ألم تكن قبائل التتار والمغول والقبائل الإسكندنافية وقبائل الجرمان وغيرها تهاجم من أجل الغنائم؟ ألم تكن الاستكشافات لأمريكا وأستراليا، تتم بنفس الدوافع؟ ألم تكن الحروب الحديثة تتحرك بنفس الدوافع؟

نقول: نعم، ولكن تلك الشعوب والغزوات وغيرها ما تمسك منها بالقبلية قد فني وآل مآله الى السقوط والاندثار، فأين القبائل التي أتت من اسكندنافيا وأين التي أتت من الهضبة الصينية والمنغولية، وحتى تلك التي كانت تزعم أنها تحمي الدين (أمويون؛ عباسيون؛ عثمانيون؛ الخ)، ليس هناك فكر اقتصادي منسوب لعشيرة أو قبيلة!

إن الأفكار الاقتصادية التي صمدت وتطورت، تطورت بالمحاذاة مع الإبداع وروح التوافق والقبول لكل الأطراف المنتجة والمبدعة، وهذا ما يفسر صمود الأمريكان الغزاة لقارة أخرى، مع التحفظ على وحشيتهم في تصفية السكان الأصليين، وهكذا فعل الأوروبيون في بلادهم، بعد حروب طاحنة تكللت بحربين كونيتين، فلم يستطع أي منا تحديد عشيرة الرئيس الفرنسي أو رئيس وزراء الدنمرك مثلاً.

من جانب آخر، بقي حكام العرب يبحثون عن كاريزمية دينية، ليلوذوا وراء ساترٍ يحاولون من وراءه حصد المكتسبات على حساب الجمهور العريض.




هوامش
*1ـ الدولة نظرياً وعملياً/ هارولد لاسكي/ إعداد: سعيد شحاتة/ الهيئة العامة لقصور الثقافة الطبعة الثانية (2012) صفحة 14
*2ـ دراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية/ عبد الحليم عويس/ مكتبة المصطفى الإلكترونية.
*3ـ العقد الفريد/ العسجدة الثانية/ ابن عبد ربه الأندلسي/تحقيق: محمد سعيد العريان/ المكتبة التجارية الكبرى 1953
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس