عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 16-12-2008, 11:08 PM   #55
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

كان الأصل أن يقول: [لِمَيّةَ طللٌ موحشٌ]، فتكون كلمة [موحشٌ] صفةً لـ [طلَلٌ]. ولكنه عكس الترتيب فقدّمَ الصفة على الموصوف. والقاعدة: أنّ الصفة النكرة، إذا قُدِّمت على موصوفها نُصِبت على الحال، وهو ما قاله الشاعر.

· ومثله في تقديم الصفة النكرة على موصوفها، ونصبها على الحال، قولُ عمرو ابن أسد الفقعسيّ (الخزانة 3/30):

فهلاّ أَعَدُّوني لمثليْ - تفاقَدوا - وفي الأرض مبثوثاً شجاعٌ وعقربُ

(الشجاع: الخبيث من الحيّات. دعا عليهم بأن يفقد بعضُهم بعضاً، إذ لم يجعلوه عُدَّةً لقتالِ مَن كان مثلَه من أبطال أعدائهم).

كان الأصل أن يصف الشاعر الحيّات بأنها مبثوثة، ولكنه قدَّمَ الصفة النكرة: [مبثوث]، على الموصوف: [شجاع]، فنُصِبَت على الحال، فقال: [وفي الأرض مبثوثاً شجاعٌ].

· قال الشاعر (أوضح المسالك 2/89):

تسلّيتُ طُرّاً عنكمُ بعدَ بينِكُمْ بذكراكمُ حتى كأنكمُ عندي

[طُرّاً]: كلمة لا تكاد تستعمل في اللغة إلاّ [حالاً]. وقد تقدّمتْ في البيت على صاحبها، وهو الضمير [كم] المجرور بـ [عن]، وكان الكلام قبل هذا التقديم: [تسلّيت عنكم طُرّاً]. والحال تتقدّم على صاحبها بغير قيد.

· قال امرؤ القيس (الديوان /14):

خرجتُ بها أمشي تجُرُّ وراءنا على أَثَرَيْنا ذَيْلَ مِرْطٍ مُرَحَّلِ

(المِرط: كساء من خزّ أو صوف. والمرحّل: المخطّط).

قد تتعدّد الحال ويتعدّد صاحبها. وقد تحقق ذلك في البيت. وبيان ذلك أن جملة [أمشي] حال من ضميرالفاعل، وهو التاء مِنْ [خرجتُ]. وجملة [تجرّ] حال من الضمير [ها] المجرور بالباء. وهكذا تعدّدت هي وتعدّد صاحبها. والقاعدة في هذا أن تكون الحال الأولى للاسم الثاني، والحال الثانية للاسم الأول (الحال القريبة للقريب والبعيدة للبعيد). ولكنّ الشاعر لم يجرِ على هذا، بل أتى بالحالين على ترتيب صاحبيهما، لقيام قرينة تمنع اللبس، وهي التذكير في الأول، والتأنيث في الثاني.

· ]لِمَ تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم[ (الصفّ 61/5)

[وقد تعلمون]: الجملة مضارعية، والمضارعية إذا اقترنت بـ [قد] وجبت الواو قبلها. وقد تحقق ذلك في الآية.

· قال الشاعر:

إنّ الكريم لَيُخْفي عنك عُسرَتَهُ حتى تراهُ غنيّاً، وهو مجهودُ

لا بدّ لكل جملة حالية، من رابط يربطها بصاحب الحال، وإلاّ انقطعت الصلة بينهما. وقد يكون الرابط ضميراً، أويكون واو الحال. وقد يجتمع الرابطان معاً. وهو ما تراه متحققاً في بيت الشاعر حيث يقول: [وهو مجهود]. فقد اجتمع هاهنا الرابطان معاً: الواو الحالية والضمير [هو].

· ]لا تقربوا الصلاةَ وأنتم سُكارى[ (النساء 4/43)

في الآية مسألتان، الأولى: أنّ كتب الصناعة حين تعرّف الحال، تصفها بأنها [فضلة]. ونحبّ أنْ ننوّه هنا بأنْ ليس معنى قولهم [فضلة] أنّ المعنى لا يفتقر إليها، ومن ثمّ يصحّ إسقاطها والاستغناء عنها. وإنما معناه أنها ليست عُمدَةً كالفعل والفاعل، والمبتدأ والخبر. يدلّك على ذلك أنّك لو أسقطتها لفسد المعنى أحياناً. واعتَبِر بالآية التي نحن بصددها، فإنّك لو حذفت الحال: [وأنتم سكارى] لفسد المعنى. ومثل ذلك قوله تعالى: ]وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين[ (الأنبياء 21/16) فإنك لو حذفت الحال: [لاعبين] لفسد المعنى.

والمسألة الثانية: أنّ الواو واجبة هنا قبل الجملة الاسمية. وذلك لوقوع الضمير المنفصل صدراً لها: [وأنتم سكارى].

· ]إليه مرجعُكمْ جميعاً[ (يونس 10/4)

[جميعاً] حال من الضمير في [مرجعكم]، وهو مضاف إليه. وصاحب الحال يكون مضافاً إليه مطلقاً، بغير قيد. ومنه قولُ مالك بن الريب (شرح ابن عقيل 1/664):

تقول ابنتي إنّ انطلاقك واحداً إلى الرَّوع يوماً تارِكِيْ لا أبا ليا

فإنّ كلمة [واحداً]: حال من المضاف إليه، وهو الضمير في [انطلاقك]. وهذا كثير كثير في كلامهم، ولو عمَدتَ إلى الإحصاء لأعجزك ذلك. ومنه الآية: ]أيحبُّ أحدُكم أن يأكل لحم أخيه ميْتاً[ (الحجرات 49/12) فإنّ كلمة: [ميتاً] حال من المضاف إليه [أخ].... ودونك منه شاهداً أخيراً، هو قوله تعالى: ]ونزعنا ما في صدورهمْ من غلٍّ إخواناً[ (الحِجْر 15/47)، فكلمة: [إخوانا] حال من الضمير في [صدورهم] وهو مضاف إليه.

· ]لئن أكله الذئب ونحن عصبةٌ إنّا إذاً لخاسرون[ (يوسف 12/14)

[نحن عصبة]: جملة حالية، والواو قبلها واجبة، لخلوّ الجملة من ضمير رابط.

· قال الشاعر (شرح ابن عقيل 1/323):

فجاءتْ به سَبْطَ العظام كأنما عمامتُه بين الرجال لواءُ

(يصف ابنَه بطول القامة).

وقد أتى بكلمة [سَبْطَ] حالاً من الضمير المجرور بالباء، وهو: الهاء مِن [به].

· ]يا حسرةً على العباد ما يأتيهم مِن رسولٍ إلاّ كانوا به يستهزئون[ (يس 36/30)

[إلاّ كانوا]: يجوز قبل الجملة الماضوية المسبوقة بـ [إلاّ] وجهان: مجيء الواو وعدمها. والآية - كما ترى - مما لا واوَ معه بعد [إلاّ]، وجملة [كانوا...] ماضوية.

ومثل ذلك قوله تعالى ]لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها[ (الكهف 18/49) فجملة: [أحصاها] ماضوية مسبوقة بـ [إلاّ]، وليس بعد [إلاّ] واو.

· قال عليّ كرّم الله وجهه، لكُمَيل بن زياد النخعي:

[ما مِن أحدٍ أَوْدعَ قلباً سروراً إلاّ وخلق الله له من ذلك السرور لُطفاً]. وفي قوله: [إلاّ وخلق...] جملةٌ ماضوية سبقتها [إلاّ] والواو. وذلك جائز، إذ القاعدة أن الواو يجوز مجيئها وعدمه إذا كانت الجملة ماضوية مسبوقة بـ [إلاّ].

· وقال زهير بن أبي سلمى:

نِعْمَ امرأً هرِمٌ، لم تَعْرُ نائبةٌ إلاّ وكان لِمُرتاعٍ بها وَزَرَا

[إلاّ وكان...] هاهنا جملة ماضوية، سبقتها [إلاّ] والواو. وذلك جائز على المنهاج.


تنبيه: ما قلناه عن جواز مجيء الواو وعدم مجيئها قبل الجملة الماضوية المسبوقة بـ [إلاّ]، ينطبق أيضاً على الجملة الاسمية. ولقد أوردنا آنفاً شاهداً على عدم مجيئها، وهو قوله تعالى: ]وما أهلكنا من قرية إلاّ لها منذرون[ (الشعراء 26/208) وقلنا هناك: متى سُبِقَت الاسمية بـ [إلاّ] جاز بعدها مجيء واو الحال، وجاز عدم مجيئها، فالجملة الاسمية: [لها منذرون] حالية، لم تسبقها واو الحال بعد [إلاّ]، وذلك جائز على المنهاج.

ودونك من هذا نماذج:

· روى الجاحظ قال: [ما قِلْتُ (من القيلولة) ولا بِتُّ ولا اتّكأتُ إلاّ والكتاب موضوعٌ على صدري]. (الحيوان 1/53)

قال: [إلاّ والكتابُ...]، فأتى قبل الجملة الاسمية بـ [إلاّ] والواو.

· وقال: [والعصافير لا تقيم في دار إلاّ وهي مسكونة]. (الحيوان 2/262)

قال: [إلاّ وهي...] فأتى كذلك قبل الجملة الاسمية بـ [إلاّ] والواو.

· قال أبو عمرو بن العلاء لعيسى بن عمر (مجالس العلماء /1): [نمتَ... وأدلج الناس، ليس في الأرض حجازيٌّ إلاّ وهو ينصب].

قال: [إلاّ وهو...] فأتى قبل الجملة الاسمية بـ [إلاّ] والواو.

· ]قلنا اهبطوا بعضُكمْ لبعضٍ عدوٌّ[ (البقرة 2/36)

[بعضكم لبعض عدوّ]: جملة اسمية حالية، والذي ربطها بصاحب الحال هو الضمير [كُم]، وأما صاحب الحال فهو الضمير (الواو من اهبطوا). ومعلوم أنّ الرابط قد يكون الضمير وحده، وقد يكون الواو وحدها، وقد يجتمع الرابطان.

· ]والله يَحكُم لا مُعقِّبَ لحكمه[ (الرعد 13/41)

[لا معقب لحكمه]: جملة حالية اسمية، والرابط هاهنا هو الضمير وحده. أي: الهاء من [لحكمه]، وذلك على المنهاج.

· قال الشاعر:

عهدتك ما تصبو وفيك شبيبةٌ فما لكَ بعدَ الشيب صبّاً متيَّما

[ما تصبو]: جملة حالية مضارعية، منفيّة بـ [ما]. ومتى كانت المضارعية منفيّة بـ [ما] أو [لا] امتنع مجيء الواو قبلها.

· قال تعالى ]وتفقّد الطيرَ فقال ماليَ لا أرى الهدهد[ (النمل 27/20)

[لا أرى]: جملة حالية مضارعية، منفيّة بـ [لا]. وهي شاهد على امتناع مجيء الواو قبلها.

· قال أبو عبيدة بن الجراح وهو يوصي قبل موته:

[أَقْرِئوا أمير المؤمنين السلام، وأعلموه أنّه لم يبقَ مِن أمانتي شيءٌ إلاّ وقد قمتُ به].

[إلاّ وقد قمت به]: جملة ماضوية مسبوقة بـ [إلاّ] و[قد]. ويكثر هذا في كلامهم كثرة بالغة. فرأينا الإشارة إليه، وإيرادَ الشواهد عليه.

· فمنه قول عليّ كرّم الله وجهه، في وصفه الطاووس: [وقلّ صِبغٌ إلاّ وقد أخذ منه بقسط]. (نهج البلاغة - د. الصالح /238)

· وقولُه: [ما قال الناسُ لشيءٍ (طُوبَى له) إلاّ وقد خَبَأَ له الدهرُ يومَ سَوْء]. (نهج البلاغة - د. الصالح /526)

· وقولُ هشام بن محمد الكلبي (ديوان حاتم الطائي /140): [فلما كان في بعض الليل لم تشعر به إلاّ وقد أخذ...].

· وقول الخليفة المنصور: [ما أرى صاحبَكم إلاّ وقد غبن صاحبنا]. (مجالس ثعلب /17)

السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس