عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-04-2006, 11:23 AM   #26
محمد العاني
شاعر متقاعد
 
تاريخ التّسجيل: Sep 2002
الإقامة: إحدى أراضي الإسلام المحتلة
المشاركات: 1,538
إفتراضي إحتلال بغداد

مادام يحكمنا الجنون
سنرى كلاب الصيد تلتهم الأجنة فى البطون
سنرى حقول القمح ألغاماً وضوء الصبح ناراً فى العيون
سنرى الصغار على المشانق فى صلاة الفجر جهراً يـُصلبون
ونرى على رأس الزمان عويل خنزير قبيح الوجه
يقتحم المساجد والكنائس والحـُصون


يومٌ ليس ككُل الأيام. يوم أطول من باقي الأيام و أسوأ. إنه صباح التاسع من نيسان عام 2003.
صحوت صباحاً على صوت الراديو..
"الدبابات...الدبابات الأمريكية...ها نحن نشاهد الدبابات الأمريكية في ساحة التحرير في بغداد...ساحة التحرير..الدبابات الأمريكية تطأ أرضاً لم يطأها المحتل منذ أكثر من سبعين عاماً..
أحمد صبري..بغداد..راديو مونتي كارلو"...!!!
ركضت مُسرعاً و كنت أتخيل أني لم أزل نائماً، سألت أبي:"ماذا حدث؟؟".أجباني بصوت متحشرج:"أعتقد أن الحرب انتهت".
ظللتُ واقفاً في مكاني لا أستطيع الحِراك. و والدتي لا تفتأ تقول:"بالتأكيد لم تنتهِ الحرب..هذا الذي يحدث هو جزءٌ من الخطة". ظلت والدتي تردد هذا الكلام عدة مرات و دموعها تنزل دون أن تستطيع السيطرة عليها. و استمرت الأخبار تتوالى..
سقوط تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس وسط بغداد..!!
لا أثر للجيش العراقي في أي مكان..!!!

ما الذي يحدث؟؟
أخذت أفكر أنه ربما هذا الذي يحدث جزء من خطة الجيش العراقي، مثلاً أن ينسحب الجيش من الرصافة و يتمركز في منطقة الكرخ للحرب. ذلك أن كل ما يتحدثون عنه في الأخبار يحدث في مناطق من الرصافة. ربّما ستتحول الحرب إلى حرب شوارع غير تقليدية..ربّما .. و ربّما..و ربّما...
كنت أتمنى كل ذلك و أدرك بعقلي أنه مستحيل الحدوث. بغداد محتلّة...ولا شئ من امنياتي سيغير ذلك.

خيبة الأمل..هذا هو ما يصف الشعور الغالب في نفسي. خيبة أملٍ كبيرة جدّا. ليس لأنني كنت أرى صدام حسين قائداً فذاً..فأنا عراقي و أعرف الحقيقة. و لكني كنت أتمنى أن نتخلص من صدام حسين و في جعبتنا الشئ اليسير من الكرامة، لا أكثر و لا أقل.
شعورٌ غريب..شعور بالفرحة للتخلص من صدام حسين، و شعور بالأسى لأن وطني و حبيبي الأول صار محتلاً و انتُهك و اغتُصب، و شعور بالغضب..الغضب من صدام حسين لأنه تخلى عن الوطن بسهولة، و الغضب من الأمريكان لأنتهاكهم حرمة وطني، و الغضب من نفسي لأني لم أفعل شيئاً حيال ذلك..!!
أين رجال الحرس الخاص و الحرس الجمهوري و الجيش؟؟
أين رجال حزب البعث؟؟
أين رجال جيش القدس؟؟
أين رجال فدائيي صدام؟؟
هل هرب الجميع؟؟ هل هذا العمل مخطط له سابقاً؟؟ هل نحن المشاهدون الوحيدون لهذا الفلم و كل العالم ممثلون؟؟
هل كل من مات مُدافعاً عن العراق في هذه الحرب مات لقضيةٍ خاسرة؟؟
ما ثمن هذه الدماء التي سُفكت في أم قصر و البصرة و الناصرية و الديوانية و كربلاء و النجف و الحلة؟؟
هل كان قتالهم لا داعي له لأننا سنُفقدَ بغداد عذريتها بأيدينا؟؟؟

المحتلون في ساحة الفردوس..في ساحة التحرير..في القصر الجمهوري..في المطار..في قصر الرضوانية..في الكرادة..في شارع الزيتون...
لقد احتلوا بغداد بالكامل..و تلاشت مع ذلك أحلامنا بالكرامة.

في هذه الأثناء، كان صدام حسين في الأعظمية قرب مسجد أبو حنيفة النعمان..الناس حوله يهتفون له "بالروح بالدم نفديك يا صدام"..لم يفهموا اللعبة بعد. ظهر صدام هناك مع فردٍ واحدٍ من أفراد الحماية..شخصٍ من الحماية لم نرَه قبل الحرب. ظهر مع صدام حسين في منطقة المنصور في زيارةٍ لمواضع البعثيين في أحد أيام الحرب الأولى. لستُ أدري من هو هذا الشخص..و ما قرابته لصدام حتى أنه الوحيد الموجود معه خلال وقت الأزمة.
الناس تحمل صدام على الأكتاف..و تهتف بالدفاع عنه. الطائرات المروحية الأمريكية بدأت بالتحليق في بغداد. الطائرات الأمريكية تحوم فوق الأعظمية. القوات الأمريكية تبدأ بدخول الأعظمية. مواجهات عنيفة بين ما تبقى من قواتٍ عراقية في الأعظمية و القوات المحتلة. صدام حسين اختفى..!!!

تحدّث الكثيرون عن خياناتٍ بين قيادات الجيش الكبرى و قيادات الأجهزة الأمنية مع الأمريكان. أستطيع أن أجزم أن هذا غير صحيح. و إن حدثت خيانات فقد حدثت في مستوياتٍ قليلةٍ لم تكُن لتُمكّن الأمريكان من دخول بغداد بهذه السهولة.
فهمي الشخصي لما حدث هو التالي..
حالة الإنهزام النفسي عند المقاتلين العراقيين المتسببة من تساؤل منطقي هو (هل أقاتل ليبقى صدام حسين و أموت لأجله؟؟). عندما لا تملك الإجابة لسؤالٍ معين فإن ما تفعله هو..لا شئ..
و هذا ما فعله الجنود العراقيون، عندما جد الجد و احتاجوا أن يقرروا أن يموتوا لأجل الوطن..لم يتّخذوا قراراً..و لم يفعلوا شيئاً..مرّت الأحداث و تابعوها دون أن يحدث شئ. فصار الجنود في بغداد ينزعون عنهم ثياب المعركة و يلبسون ثياباً مدنية..و الكل قال "نفسي نفسي". و تداعيات الأحداث كانت سريعة جداً بحيث تحتاج إلى أن تتخذ قراراً في ثوانٍ إما أنت تموت أو لا.
و ليس ما حدث نتيجة خللٍ في نفوس المقاتلين، فقد أثبت نفس المقاتلين بسالتهم في الحرب مع إيران. إلا أن الإرهاق النفسي و الجسدي الذي مرّ على العراقيين في السنوات الأخيرة على يد صدام حسين لم يترك فيهم حب الجماعةِ الذي كان موجوداً سابقاً. فالمقاتل حين يفكر فيما إذا مات كيف أن عائلته سوف تموت جوعاً..يتردد في التضحية لأجل الوطن..تلك التضحية التي ناتجها العرَضي بقاء صدام حسين و المزيد من الإستبداد و الطغيان و الحياة التي ليس لها من الحياة غير الإسم.
لا أحاول أن ابرر لماذا نحن الآن أحياء و لم نمُت مع الأبطال الذين ماتوا في الحرب، ولكني أحاول أن أفهم ما الذي حدث..

الشعور بالإغتصاب..هذا هو ما أحس به. فعندما يتعرض شخص للإغتصاب لا يريد أن يخبر أحداً بما حدث..ولا يريد تذكر ما حدث..ولكنه يريد أن ينتقم..و غالباً لا يستطيع لوحده..
__________________
متى الحقائب تهوي من أيادينا
وتستدلّ على نور ليالينا؟

متى الوجوه تلاقي مَن يعانقها
ممن تبقّى سليماً من أهالينا؟

متى المصابيح تضحك في شوارعنا
ونحضر العيد عيداً في أراضينا؟

متى يغادر داء الرعب صبيتنا
ومن التناحر ربّ الكون يشفينا؟

متى الوصول فقد ضلت مراكبنا
وقد صدئنا وما بانت مراسينا؟
محمد العاني غير متصل   الرد مع إقتباس