عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 13-02-2010, 09:15 PM   #6
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Post

5- الحداثة ... أم "ما بعد الحداثة"؟
لعل أهم نتيجة يمكن الخروج بها من استعراض أنماط الوعي الديني والفلسفي حول علاقة الماضي بالمستقبل وأيهما "يحكم" الآخر، هي أن ارتباط الماضي بالمستقبل والمستقبل بالماضي، على صعيد الوعي، مثله مثل الدعوة إلى فك هذا الارتباط، هو من الظواهر الفكرية التي لم يشهدها لا الفكر اليوناني ولا الفكر العربي الإسلامي (ولا غيرهما في العصور القديمة والوسطى)، وبالتالي فهي من المستجدات التي ظهرت مع النهضة الأوروبية. وبعبارة قصيرة إنها من أبرز سمات الحداثة الأوروبية.
وإذن فالإشكالية التي طرحناها من خلال السؤال : "المستقبل والماضي .. أيهما يحكم الآخر"، إنما تجد مرجعيتها، ابتداء، في التجربة الحضارية الأوروبية المعاصرة التي انطلقت مع "عصر النهضة". هذا العصر الذي لا معنى له هو الآخر، خارج هذه التجربة. ومعروف أنه من مرتكزات فكر "النهضة"، وفكر "الأزمنة الحديثة"، الرجوع إلى الماضي من أجل إعادة بنائه بالصورة التي تجعل من المستقبل المأمول نتيجة "طبيعية" و"منطقية" له. أما الدعوة إلى تجاوز هذا المرتكز الأساسي في "فكر النهضة" (الأوروبية)، والتي تتردد لها أصداء في العالم العربي اليوم من قبيل "نقد السلفية" و"الماضوية" الخ، ستبقى دعوة في فراغ ما لم تربط بالمرجعية نفسها: التجربة الحضارية الأوروبية. إنها دعوة تلخص الأطروحة التي يتحدد بها فكر ما أطلق عليه "ما بعد الحداثة"، والتي تعكس في تاريخ الفكر الأوروبي ثورة نيتشه على هيجل، وهي الثورة التي تتلخص في الدعوة إلى إحلال الجينيالوجيا أو نقد الأصول، محل فلسفة التاريخ التي تنطلق من بناء الأصول.
والحق أن دخول نيتشه في خطاب الحداثة قد قلب الأمر رأسا على عقب. لقد أعلن نيتشه بصراحة وقوة أن الحداثة قد فشلت في تحقيق أهدافها (تحقيق العدالة والمساواة في أوروبا وخارجها الخ)، وأن التاريخ لا يسير وفق الخطة التي يرسمها له العقل، وأن "الأسطورة"، بالتالي، يجب أن تسترجع مكانتها، ليتأسس عليها شكل جديد من الفكر، من الرؤية[]. لقد كشف الديالكتيك العقلي (ديالكتيك هيجل ثم ماركس) -في نظر نيتشه- عن قصوره وفشله، ففقدت الحداثة بذلك امتيازها. إن فلسفة التاريخ، سواء في صورتها المثالية الهيجلية، أو في صورتها المادية الماركسية، قد سجنت العقل في التاريخ وجعلت التاريخ رهينة للعقل. وإذن فالمطلوب "اليوم" هو تحرير التاريخ من العقل والعقل من التاريخ، لا بل "تحرير الماضي من المستقبل والمستقبل من الماضي".
***

ما ذا يعني هذا بالنسبة لوضعنا العربي الراهن؟ وبعبارة أخرى: ما هو الموقف المطلوب منا بالضبط: هل السير مع خط نيتشه الداعي إلى تحرير التاريخ (أو الماضي) من العقل (والرجوع إلى الأسطورة، إلى الرمز)، وتحرير العقل من التاريخ (من الأصول والقبليات والبناءات الفكرية الشمولية)؟ أم أننا ما زلنا بالعكس من ذلك في حاجة إلى اقتفاء خط تفكير هيجل ومن بعده ماركس، الخط الذي أعطى للتاريخ عقلا "يحكمه" ويقوده نحو هدف هو "التقدم" وبالتالي يجعله ذا معنى، كما منح للعقل تاريخا هو صيرورة قوامها الأطروحة والطباق والتركيب (أو الإثبات والنفي ونفي النفي)، صيرورة تحتفظ بـ"الماضي" في الوقت الذي تتجاوزه إلى "المستقبل"؟
إن موقفي من هذه المسألة هو شبيه، بل نظير، لموقفي من قضية مماثلة وكلت إلي لأدافع عنها، ففعلت عكس ما كان قد طلب مني. ففي ندوة بالقاهرة عقدت عام 1985 لمناقشة موضوع "التراث وتحديات العصر: الأصالة والمعاصرة"[] طلب مني إعداد بحث في الموضوع التالي: "إشكالية الأصالة والمعاصرة في الفكر العربي الحديث: صراع طبقي أم مشكل ثقافي؟! وكانت "الورقة التوجيهية" التي حضرها منظمو الندوة تميل إلى اعتبار تلك الإشكالية انعكاسا للصراع الطبقي وتعبيرا عنه، انطلاقا من إبراز "أهمية الدور الذي يلعبه الصراع الطبقي في التاريخ". لقد وقفت من هذه القضية موقفا يختلف تماما عن الموقف الذي كان منتظرا مني. لقد ألححت إزاء هذه القضية –يوم كان التفسير الطبقي يمارس في بعض بلدان العالم الثالث، في الستينات والسبعينات والثمانينات، بصورة آلية كما تمارس العقائد الدينية- ألححت على ضرورة التمييز بين وضع هذه البلدان وتاريخها وبين وضع أوروبا وتاريخها، وبالتالي اجتناب التطبيق الآلي لما يعتبر صحيحا هناك، في حقبة من الزمن، على واقع البلدان "النامية"[]

يتبع
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس