عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-05-2011, 10:27 PM   #55
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(49)
ولا شك أنه ليس ثمة تشابه بين الليل والجمل بل ليس في الصورة جمل أو أي حيوان مادي آخر من الأساس ، وإنما هناك ذلك الحيوان الكابوسي الغريب الثقيل الوطأة الذي هو الليل ، وهو حيوان لا وجود له إلا في خيال امرئ القيس ووعيه ، وهو حيوان شديد البطء ، جاثم على وجدان الشاعر لا يكاد يريم . وقد تأنق امرؤق القيس في تصوير بطئه وثقله ،فاستخدم أولاً ألفاظًا ومفردات تشع بإيحاءات البطء والثقل والتراخي ـ ثم اهتم برصد أدق التفاصيل للحركة البطيئة لهذا الحيوان الغريب الجاثم على أعماقه بكل ثقله ، فلم يكتف بالقول بأن هذا الحيوان قد جثم ، أو برك ، أو أناخ ،أو تمدد ، وإنما راح يتتبع في دأب كل تفاصيل هذه الحركة وجزئياتها ؛التمطي بالصلب ، ثم إرداف الأعجاز ، ثم السقوط بالكلكل ، مما يوحي بالامتداد والثقل والبطء الشديد ، ويعكس مدى المعاناة والضيق اللذين يكابدهما الشاعر من طول هذا الليل ، فصنيعه هنا أشبه ما يكون بعملية التصوير البطئ في السينما ، التي تعنى بإبراز التفصيلات الدقيقة للحركة ، وتعطي إحساسًا بالبطء والامتداد.
لم يهتم البلاغيون والنقاد العرب بكل هذه الإيحاءات ، وجمدوا مثل هذه الصورة الحية في ذلك القالب الجامد الذي سموه "الاستعارة المكنية"
على أننا لم نعدم ان نجد ناقدًا وبلاغيًا واسع الأفق مرهف الحس كعبد القاهر الجرجاني لا يرتاج بالاً إلى نشدان التشابه في مثل هذه الصور التشخيصية ، ولا يميل إلى اعتارها تشبيهات حذف منه المشبه به وأضيفت بعض لوازمه للمشبه . فلقد عرض عبد القاهره لهذه الصورة في أكثر من موضع في كتابيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة" معبرًا عن عدم اطمئنانه إلى ما يذهب إليه البلاغيون في تحليلهم لها ، بل إنه اقترب كثيرًا من إدراك طبيعة التشخيص الفني للمجردات فيها ، وتجسيد هذه المجردات في صور مادية .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس