عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 02:05 AM   #6
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

يتصور هيدجر الإنسان قذف في الوجود، وهو وصف أكثر

وضوحا لانعزالية الفرد، فالإنسان ليس فقط غير قادر على إقامة

علاقات مع الأشياء أو الأشخاص خارج ذاته، بل أصبح من

المستحيل نظريا إنشاء تحديد نظري لأصل الوجود الإنساني

وأهدافه، ومن ثم أصبح الإنسان كائنا غير تاريخي. لكن

هابرماس يرفض أن يكون الأفق مسدودا والمستقبل مظلما،

ويتهم فكر هيدجر بالاستسلامية والقدرية. ويؤكد بأن لدى أفراد

هذا العصر القدرة على فهم هذا العصر من جهة، وعلى تغييره

بعد فهمه من جهة ثانية.

فإذا كان هابرماس يدين لهيدجر رائد الفينومينولوجيا التأويلية

بالقدرة على استكناه العالم المعاصر واستشراف قضاياه، فإنه

يأمل عبر تأسيسه لتأويلية نقدية Herméneutique

critique تجاوز هيدجر لفهم العالم ونقد رؤيته للكون بغية

تحرير الإنسان. ولا غرابة من أن يعتبر هابرماس مع ذلك

[1971]، 1974) كتاب هيدجر الكينونة والزمان[10] << أهم

حدث فلسفي منذ ظاهريات العقل لهيغل>> لاسيما الفصل

السادس الذي يتمحور على الخطاب، حيث يحقق هيدجر قفزة

نوعية في تجاوز فلسفة الوعي عبر إطار اللغة، وهو بمثابة

موت معلن للديكارتية.

يعمد هيدجر على تخليص الفكر من نزعته المتعالية وتقديم

مقاربة تاريخانية تتجاوز فلسفة الوعي الذاتي، وإن قامت على

تأويلية وجوديةHerméneutique existentiale .

فالمهم عند هابرماس يتجلى مقياس القيمة الفلسفية للفكر في

بعده البرهاني اللغوي، وهيدجر اقترب من ذلك بكثير. لكن ذلك

لم يمر من دون نقد شديد وصارم له، لاسيما نظرته النخبوية

للحقيقة، أو ما يسميه صيرورة الحقيقة devenir de la

vérité التي يدعي أنه يلامسها وعلى مقربة منها، من دون أن

يعرض الحجة على ذلك، بل يرفض ضرورة التحقق من صلاحية

قضاياه الفلسفية، لأنهل لا تقوم على'' قوة''عقلانية تمكنه من

حمل مخاطبه على الاعتقاد بها بعد البرهنة عليها.

لذلك فإذا تملك الإنسان الرؤية العقلانية النقدية فهو مستعد لأن

ينقلب على نفسه ويسائل وينفي أو يحاور كل ما قيل أو سبق

أن آمن به، ويحولها إلى سلسلة من الأسئلة الجريئة ومن

الأصوات المتناغمة والمتضاربة، تتعايش فيه رؤى الآخرين

المنطقية. ولأن يستطيل ويتمدد أفقه إلى أبعد حدود طاقته

لتصبح حقائقه مبنية على صحيح البرهان والمحاججة.

إن التواصل العقلاني والاحتكام إلى المحاججة والبرهان من

صنائع العقل ومميزاته اللذان يفضحان الأوهام المزيفة وكل

أصناف الخداع المستشري في الإشهار السياسي والاقتصادي

والتقني، ويستطيعان تعرية الذات من نرجسيتها وأنانيتها

وأوهامها: إنهما يكشفان أصول الرغائب والدوافع غير القابلة

للإشباع.

إن صوت العقل مؤمن بقدرته على اختراق الأقنعة وتجاوز

المطبات، فحتى أعمق الجروح وأقساها لا تستطيع إيقاف تدفق

طاقة البرهان الخلاقة وفيضانه الخصب. إن تبادل الحجج

واللجاج المصاحب لها منع لكل دوغمائية واتكالية. فالبرهان

الخطابي عند هابرماس صوت متعدد الأصوات، حواري وجدلي

يدين الحياة الحديثة وتقنياتها لما تجانب الصواب باسم مشروع

الحداثة نفسها، آملا أن يعلو شأن العقل في كل ميادين الحياة

وأن تشفى الجروح التي تمزق رجال حداثة اليوم ونسائه.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس