عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 04-03-2021, 07:33 AM   #2
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,950
إفتراضي


"وخير الصُّحبةِ صُحبةُ الصالحين، وأزكى المجالس مجالسُ الذّكر، تحضرُها الملائكة، ويُغفَر لجليسها، فتقول الملائكة لربّها" فيهم فلانٌ ليس مِنهم، وإنما جاء لحاجةٍ، قال" هم الجلساءُ لا يشقى بهم جليسهم" متفق عليه. فهذا من بركَتهم على نفوسهم وعلى جليسهم.
والمالُ المبارَك ما كثُر خيرُه وتعدّدَت منافعه وبُذِل في طُرقِ البرّ والإحسان ابتغاءَ مرضاته، ومن قنِع بربحٍ حلال قليل وتحرّى الصدقَ في معاملاته ظهرتِ البركة في ماله وفي أولاده، قال النبيّ " من أخذه بحقّه ووضعه في حقِّه فنِعمَ المعونة" رواه البخاري."
قم تحدث عن البركة فى المال فقال:
"وسرورُ الدنيا وبهجةُ زينتِها لا تتمّ إلا بكسبٍ حلال، والمالُ يكثُر عددُه بالبذلِ والعطاء في الخيرات، قال المصطفى " ما نقصَت صدقةٌ مِن مال" رواه مسلم، وقالَ (ص)" أنفِق ينفَق عليك" رواه البخاري. ومن أخذ ما أُعْطِي بتعفُّف وغِنى بنفسٍ من غَير مسألةٍ ولا استشرافٍ له بالقلب بورِك له فيه، قال " من أخذه بطيب نفسٍ منه بورِك له فيه، ومن أخذَه بإشرافِ نفسٍ له لم يبارَك له فيه" رواه ابن حبان."
ومعنى المباركة فى الرواية الأخير هو أن المال المأخوذ حلال مباح وعدم المباركة تعنةى حرمة المال ثم حدثنا عن بركة الطعام فقال :
"والبركةُ يتحرّاها العبدُ في مأكلِه في يومه وليلتِه، فالطّعام المبارَك ما أكلتَه ممّا يليك، وتجنّبتَ الأكلَ من وسط الصحفَة، وذكرتَ اسمَ الله عليه، قال (ص)" البركةُ تنزل وسطَ الطعام، فكُلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه" رواه الترمذي وقال" "حديث حسن صحيح"."
قطعا الرواية لم يقلها النبى(ص) فالبركة وهى الطهارة أى كون الطعام حلال هى لكل الطعام الحلال وليس فى جزء منه وهو الوسط والطعام يأكل كله صحيح يؤخذ من ألجناب ولكن فى النهاية الوسط العالى يسقط فى الأجناب ولا يتبقى شىء
والرواية السابقة تقول بكون البركة فى وسط الطعام والرواية التالية تناقضها حيث البركة موضعها غير معروف فى الطعام وهو قوله:
"وأمَر رسول الله بلَعقِ الأصابعِ والصحفة بعد الفراغ من الطعام رجاءَ البركة، وقال" إنّكم لا تدرون في أيِّها البركة" رواه مسلم."
ثم أخبرنا الرجل برواية أخرى عن كون بركة الطعام فى الأكل الجماعة فقال:
"وفي الاجتماعِ على الطعام بركة، وفي التفرّق نزعٌ لها، يقول وحشيّ بنُ حرب" قالوا" يا رسولَ الله، إنّا نأكل ولا نشبع، قال" فلعلّكم تفترِقون"، قالوا" نعم، قال" فاجتمِعوا على طعامكم، واذكروا اسم الله، يبارَك لكم فيه" رواه أبو داود."
وهو ما يناقض أن الله أحل الأكل الفردى والأكل الجماعى فقال "ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا"ومن ثم فالبركى وهى الطهارة فى الاثنين
ثم قال :
"وسيّد المياه وأنفعُها وأبركُها ماءُ زمزم، قال (ص)" إنها مبارَكة، إنها طعامُ طُعم" رواه مسلم"
والروايسة فى بركة زمزم وحدها تخالف كون الماء كله مبارك أى طاهر كما قال تعالى " وأنزل من السماء ماء طهورا"
ثم حدثنا عن البركة فى الأزمنة والأماكن فقال :
"أيّها المسلمون، اصطَفى الله من الدهرِ أزمنةً، ومِن البقاع أمكنَة، خصّها بالتشريف والبركة، فليلةُ القدر ليلةٌ مباركة رفيعةُ القدر عظيمةُ المكانة، "إِنَّا أَنزَلْنَـاهُ فِى لَيْلَةٍ مُّبَـارَكَةٍ " وأوّلُ النهار بعد صلاةِ الفجر زمنُ الغنيمة المبارك ووقتُ نزول الأرزاق وحلول البركات، أقسَم الله به في كتابِه بقوله جلّ وعلا" وَالَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ "والنبيّ(ص) دعا بالبركةِ في بُدُوِّ الصباح، قال (ص)" اللهمَّ بارك لأمّتي في بكورها" والنومُ بين صلاة الصبحِ وشروقِ الشمس تفويتٌ لزهرة اليوم"
والبركة فى الزمن تعنى نزول الخير أى السلام فيه كليلة القدر "سلام هى حتى مطلع الفجر"
ثم قال عن بركة المكان:
"وبيتُ الله الحرام مبارك، ليس في بيوتِ العالمَ أبرك منه ولا أكثرَ خيرًا ولا أدوم ولا أنفعَ للخلائق، قال جلّ وعلا" إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِى بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لّلْعَـالَمِينَ ""
والبركة هنا تهنى أن المكان طاهر أى آمن لا يمكن حدوث أى شر فيه لأن من يفكر فى هذا الشر ويقرر ينزل عليه العذاب قبل ان يفعل الشر وفى هذا قال تعالى فى الكعبة " ومن يرد فيه بإلحاد لظلم من عذاب أليم"
ثم قال:
"ومدينةُ المصطفى مدينةٌ مباركة، الصلاةُ في مسجِد النبيّ عن ألفِ صلاةٍ فيما سواه، وصاعُها ومدُّها مبارك فيه، وتمرُ عاليتها شِفَاء، يقول النبيّ " اللهمّ بارك لنا في مدينتِنا، وبارك لنا في صاعِنا ومُدّنا" رواه مسلم، وفي لفظٍ له" اللهمّ اجعَل مع البركة بركتين"، وقال (ص)" اللهمَّ اجعَل بالمدينة ضِعفَي ما جعلتَ بمكّة من البركة" متفق عليه. قال النوويّ " "الظاهرُ أنَّ البركةَ حصلت في نفسِ المكيل، بحيث يكفي المدّ فيها من لا يكفيه في غيرها، وهذا أمرٌ محسوسٌ عند من سَكنها"."
والروايات هنا كلها لم يقلها النبى(ص) فالله هو من قرر حرمة مكة ولم يقرر حرمة المدينة والنبى(ص) لا يمكن أن يخالف ما قرره الله فيفضل ما لم يفضله الله ثم قال:
"وبارَك الله في مواطنَ من أرضه كما في قوله تعالى" سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَـاتِنَا "
والبركة هنا تعنى طهارة أى أمن المكان لا غير ثم قرر أن العمل الصالح هو من يبارك فى الفرد وليس المكان فقال:
والفضيلة الدائمةُ في كلِّ زمانٍ ومكان بالإيمانِ والعمل الصّالح، وأيّ مكانٍ وعمل كان أعونَ للشّخص كان أفضلَ في حقِّه، يقول سلمان " (إنَّ الأرضَ لا تقدّس أحدًا، وإنما يقدّس الرجلَ عملُه)."
ثم قال عن كون الذنوب سبب محو البركة فقال :
"أيّها المسلمون، إذا أظهَر العبادُ ذنوبًا تتابعَت عليهم العقوبات، وكلّما قلّتِ المعاصي في الأرض ظهرَت فيها آثار البركة من الله، وانتشارُ المعاصي وفشوّها سببٌ لنزع الخيراتِ والبركات، قال جلّ وعلا" وَأَلَّوِ اسْتَقَـامُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَـاهُم مَّاء غَدَقًا لّنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا "
وللمعصيةِ أعظمُ تأثير في محقِ بركةِ المال والعمُر والعلم والعمَل، يقول النبيّ " وإنّ العبدَ ليُحرَم الرزقَ بالذنبِ يصيبه" رواه ابن ماجه، قال ابن القيم " "وفي الجملةِ فالمعصيةُ تمحق بركةَ الدين والدنيا ممّن عصى الله، فلا تجد بركةً في عمُره ودينه ودنياه".
ولا يُنال ما عند الله إلا بطاعتِه، والسعادةُ في القربِ من الله، وبالإكثار من الطاعات تحُلّ البركات، وبالرجوع إليه تتفتّح لك أبوابُ الأرزاق.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم" وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـاتٍ مّنَ السَّمَاء وَالأرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـاهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ"
بارَك الله لي ولكم في القرآنِ العظيم، ونفعني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو التواب الرحيم."
بالقطع ليست الطاعة والمعصية سببا فى كثرة الرزق أو قلته فالمسلمون مع طاعتهم لله ابتلاهم الله بقلة الرزق وهو نقص الأموال والنفس والثمرات فقال "ولنبلونكم بشىء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين"
والكفار مع عصيانهم لله زادهم رزقا ليزدادوا كفرا كما قال تعالى "ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملى لهم خيرا لأنفسهم إنما نملى لهم ليزدادوا إثما ولهم عذاب مهين"
ومن ثم البركة لا تعنى زيادة الأرزاق وإنما تعنى الطهارة أى الرزق الحلال قليلا أو كثيرا
ثم قال مؤكد على نفس المقولة:
"أمّا بعد أيّها المسلمون، محقُ البركةِ يجلِب قلّةَ التوفيقِ وفسادَ القلب، وأنفعُ الأشياءِ أبركُها، ومن بارَك الله فيه وعليه فهو المبارَك، ولا تُرتَجى البركة فيما لم يأذَن به الشرع الحكيم. وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تزكو النفس وتصلح الأحوال وتحلّ البركاتَ على المجتمعات. ومن التزم الصدقَ في البيان أُلقِيت الحكمةُ على لسانه والسدادُ في أفعاله. ومن أخذ المال بغير حقِّه بارَ نفعُه، قال النبيّ " ومن أخذه بغير حقِّه كان كالذي يأكل ولا يشبع" رواه البخاري.
والرِّبا عديمُ النفعِ ماحقٌ للمالِ مُجلِب للهمّ، يجري أكلُه خلفَ سَراب، قال سبحانه" يَمْحَقُ اللَّهُ الْرّبَوا وَيُرْبِى الصَّدَقَـاتِ ".
والحلِف منفقةٌ للسلعة ممحِقٌ للكَسب، ومنعُ الصدقة خشيةَ النفادِ تلفٌ للمال، قال " اللهمَّ أعطِ ممسكًا تلفًا" رواه البخاري.
فالزَم جانبَ العبودية والاتباع، وابتعِد عن المحرّمات والشّبهات في المال وغير المال، يبارَك لك في الأخذ والعطاء.
ثمّ اعلَموا أنّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيّه، فقال في محكَم التنزيل" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا""
كما سبق القول البركة لا تعنى الزيادة فى الأرزاق أو خيرها وإنما تعنى دوام الشىء أو طهارته وهو كونه حلال مباح
رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس