عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-11-2009, 01:43 AM   #491
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

قد يكون من الضروري الإشارة إلى أن حالة الإبداع حالة فريدة ، من حيث جنونية تكونها ، ولا منطقية أسباب روعتها .وكلنا يعلم أن الكثير من النظريات قد ظهرت في تفسير هذه العملية الإبداعية ، فالبعض مثل أدلر يراها وليدة الشعور بالنقص والرغبة في التغلب على الشعور بالانهزام الاجتماعي ، بينما المخبول (فرويد) يراها محاولة لكبت رغبات ال(هو) والتسامي فوق الطبيعة الجنسية ، ويراها فريق آخر وليد السيطرة المخية ...إلخ.
وفي المقابل فهناك فريق يراها خبرة مكتسبة وآخرون يرونها موروثة والرأي الأصح أنها مهارة فطرية تنمو بالثقافة والاطلاع والدراسة المنهجية.
***
وفرادة هذه الحالة الإنسانية يزيدها ألقًا أن يتطرق الكاتب - في لحظات استثنائية- إلى سبر أغوار هذا العالم الخفي ، وهذا الأمر ليس ترفيًا كما يظنه البعض ، لأن أي قضية تمس المشاعر الإنسانية مهما دقّت فلابد من التطرق إليها لأن الإبداع يتعامل مع حالات من حيث هي واقع مفروض على الإنسان وليس من منطلق ترتيبها في سلم الأولويات الاجتماعية أو الثقافية. الموضوع لكي نسهل وصول الفكرة يشبه إعداد مسلسل يناقش الحياة المهنية للمثلين ودخولهم الاستوديو ، وكيف تتم عمليات الإخراج التليفزيوني .
إن التعبير عن هذا الواقع واقع ومراحل عملية الكتابة أمر فريد لأنه ينقل خبرة نفسية هي نفسها صعبة في عناصر تكوينها ، فكيف بالتعبير عنها .كأنني بإزاء مخرج يصور مخرجًا آخر أثناء عملية التصوير ، وهذا أمر -في كثير من الأحيان - يعد مشوقًا للغاية إذ أن كثيرًا من القراء غير المتخصصين يستهويهم التعبير عن دخائل هذا العالم النفسي المثير للغاية
وخروج مثل هذا الموضوع بهذه الدرجة من الابتكارية والجرأة في اقتحام مثل هذه القضية إن صح اعتبارها كذلك هو دليل على أهمية وفرادة هذه اللحظة والتي قد تُعد بداية لميلاد شعاع نور غير مسبوق في واقعنا الإبداعي الداجي ، والآن إلى العمل ..
***
ألتقط من النص حالة في سكون الكون
التعبير يختزل هذه الخلفية التي تحدث فيها العملية الإبداعية ، وذلك الكون المليء بالحركة التي لا تهدأ مطلقًا يبدو أسيرًا للمبدع في هذه اللحظة .إن تصوير عملية الالتقاط لـ(حالة) ما تعبير فيه عنصر جمالي يتبدى في تماهي الفروق بين المعنويات والماديات حتى تغدو هذه الخلايا الذهنية يدًا خفيّة تراود السكون عن نفسه لتستخلص منه هذه الحالة ،والعبارة تشير إلى شيء خفي وهو استثنائية هذه الحالة بدليل أنها جاءت نكِرة وربما تأتي كلمة حالة مفعولاً به ذات نعت محذوف تقديره (نادرة) كأن مراد القول (ألتقط في سكون النص حالة استثنائية) لكن السياق دل عليها فأغنى عنها.
أرسمها على لوحة البحر فتتحرك أمواج الأحساس لتدفعها الى شاطىء القلب ضمن مشاهد تتكرر وتحاول الكلمات الأختباء وراء السطر في عالم خاص
جميل في هذا التعبير تشبيه القلب بالبحر دون أداة التشبيه ليُظهر لنا هذا التعبير رؤية المبدع وفلسفته للأشياء المحيطة به ، كذلك تغدو مراعاة النظير وتكامل بيئة التشبيه أداة لتوثيق هذه الفلسفة إذ تغدو الأحاسيس موجًا والقلب شاطئًا .. وهذ التعبيرات رغم اعتياديتها لكنها أتت في سياق مختلف تمامًا هو الذي أكسبها قيمتها الخاصة .
إذ تغدو هذه الأدوات وسيلة لاختراق حاجز هذا العالم المحسوس واللامرئي معًا ، ليخرج عن غموضه المعتاد ويصبح كتابًا مفتوحًا يسر القارئين.
واختباء الكلمات وراء الأسطر ، هذه الحالة التي لا أستحيي من تسميتها طفولة لاشعورية للكلمات والصور المرئية تشعِر القارئ بهذا التجاذب والميكانيزمات التي تلعب في تكوين العمل الأدبي ، فالفكرة تأتي ثم تلاحقها عصا المنطق ، لتحول دون وصولها إلى المبدع ،ولكن تتحور الفكرة وتبحث عن منافذ معينة حتى تصل إلى الأسطر في هذا العالم الخاص.
اختباء الكلمات وراء سطر ليس هو سطر المسوّدة وإنما هو سطر من سطور العقل الذي يقف كالحاجب يمنع ما يريد من الدخول إلى عالم الورقة ويأذن لمن يريد . إن التعبير
عن هذه الحالات المليئة بالصخب والتجاذب هو شجاعة في توصيف حدث هو بطبيعته صعب الوصف حتى بالأسلوب المجرد التقريري بل وبالدراسة النفسية المنهجية ، فكيف بهذه الصعوبة التي تولّد الإبداع الاستثنائي للتعبير عن هذه الحالة ؟!!
تشكل فيه حالات من التعقيد والتناقض يمتزج فيها الحب والكره الأنتقام والحياة وأنوثة شاردة من الجبال العالية .
إذا كان هذا السطر تقريريًا ، إلا أنه في الوقت نفسه وظفي للغاية أي أنه تقريري له ما يبرره، كأن تتحدث على لسان طبيب فيقول المريض مصاب بآلام في الرأس ، فلن يكون من الإبداع أن يقول إن قمة الجبل البدني الكرة الجلدية لديه مصابة بأصداء انشطارية!!!
ولذلك يأتي السطر لإثبات حالة بعينها ، ولئلا يخرج التعبير عن الأشياء اللامحسوسة بطريقة مجازية مرهِقة للقارئ ، فالإسراف في المجاز = الإسراف في التقرير. وإثبات هذه المصطلحات يأتي ليفهم القارئ بشكل واضح أن العمل يناقش العالم الماورائي لعملية الكتابة ، وليس النص تعبيرًا عن حالة حب أو كره ، وأن الخاطرة تناقش هذه اللحظة لذلك فكلمة النص هي مقصودة بدلالتها الحرفية وليست الدلالة المجازية لها .
ويبدو أن ارتباط المبدع أي مبدع بالأنثى جعله يستدعيها في هذه العملية إذ أن الفكرة كالأنثى تتسم بالشغب تارة والجرأة تارة أخرى والاستحياء تارة والهدوء تارة أخرى، ووصف الجبال العالية يقصد به -كما يتبين لي من القرائن- عملية التفكير تلك العملية التي تصدها الجبال والتي تقف وراءها أنثى شاغبة تقول لك :أنى لك الوصول إليّ؟!
وثمة نهاية تنتظر طقوس اللاشيء ربما لتعبر الى عالم الخلود حيث نقرأ كل ما يكتب ونرسم الناس من الداخل نبدأ من القلب .

جميل للغاية أن يعبر المبدع عن حالة الميلاد ويفلسفها على أنها نهاية اللاشيء اعتمادًا على قاعدة منطقية مفادها أن نفي النفي هو إثبات ، ذلك الفراغ الحائل دون دخول الفكرة رواق الورقة يصبح لاشيء وتلاشي الفراغ يعني بالضرورة تحقق الوجود ، وأخيرًا يأتي مبدعنا العزيز ليضع احتمالية صحة هذه الفرضية من خطئها من خلال اللفظ (ربما)لأن في الأدب لاشيء يمكن أن يكون حقيقة مطلقة ، فكيف بهذه العملية ؟
ويأتي التعبير ترسم الناس من الداخل نبدأ من القلب معبرًا عن رؤية غير تقليدية للحياة ، مفادها أننا نمارس طقوسًا خارجية لكننا أجهل الناس بدواخلنا ، ومفادها أن العين الموجودة بداخلنا لو عمِلت لرأينا الصورة -الإحساس - الفكرة بشكل أكثر عمقًا وأتم جمالاً .
عمل جيد أحييك عليه أخي العزيز وإن كنت أقول إن هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها نصًا يعالج هذا الموقف أو هذه الحالة ، وليس من الضرورة أن يكتسب هذا العمل قوته من خلال الأدوات المستخدمة فيه إذ أن ذلك يمكن قياسه عندما نفاضل(نقارن )بينه وبين أعمال أُخر تناقش نفس القضية ، لكن على الأقل يبقى لك فضل فتح الباب لمثل هذه الجوانب من الإبداع والتي ربما تكون صاحب السبق فيها أو واحدًا من فرسان الشجاعة الذين تجرءوا على اقتحام أغوارها . دمت مبدعًا وفقك الله ولا تحرمنا مزيد عطاياك .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس