عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 27-01-2010, 09:04 AM   #25
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ذكا الأعور.. ونصر لم يكتمل

(في ذكرى دخوله مصر: 12 صفر 302 هـ)





في عهد الخليفة العباسي "المكتفي" كانت بدايات دعوة "عبيد الله المهدي"، وحينما استشعر الخليفة بوادر الخطر الكامن وراء تلك الدعوة أراد القبض عليه والتخلص منه، ولكن المهدي استطاع الهرب من الشام مع ابنه أبي القاسم وعدد من أعوانه ومواليه، بعد أن تخفوا في زي التجار.

ووصل المهدي إلى القيروان التي اتخذها مركزًا لدعوته؛ فالتف حوله عدد كبير من المؤيدين والأنصار حتى استطاع تأسيس الدولة الفاطمية بها، وقد وجدت دعوة المهدي في بلاد المغرب أرضًا خصبة ومناخًا ملائمًا لها بعيدًا عن سلطة الخلافة، كما وجدت تعاطفًا مع دعاتها الذين فروا من الشرق بعدما تعرضوا لصنوف الاضطهاد والتنكيل.

الفاطميون في المغرب

وتمكن الفاطميون من التمركز في الشمال الأفريقي في المناطق التي ضعفت فيها سلطة الخليفة العباسي وقصر عنها نفوذ دولته، ومع تنامي قوة الفاطميين وتعاظم سلطانهم بدءوا يتطلعون إلى بسط نفوذهم على مصر، وسعوا إلى الاستيلاء عليها عدة مرات، وقد نبهت هذه المحاولات الخلافة العباسية إلى ذلك الخطر المرتقب القادم من المغرب.

وأدرك الخليفة العباسي المقتدر ضرورة التصدي للفاطميين وردعهم، فأرسل جيشا من بغداد عام (301هـ=914م) جعل على رأسه واحدًا من أمهر القادة العباسيين، وأكثرهم حنكة ودهاء، وهو "مؤنس الخادم" الذي نجح في صد هجوم جيش الفاطميين بقيادة "أبي القاسم بن عبيد الله المهدي"، وأجبرهم على الجلاء عن مصر.

عودة الفاطميين

ولكن ذلك لم يدفع الفاطميين إلى التخلي عن حلمهم في فتح مصر، فقد أرسل المهدي جيشا كبيرا بقيادة "حُباسة" اتخذ هذه المرة طريق البحر، واستطاع الاستيلاء على الإسكندرية دون مقاومة تُذكر، ثم سار بجيوشه متجهًا إلى الفسطاط؛ فخرج إليه المصريون في ملحمة قتالية رائعة اشتركت فيها جموع الشعب مع الجيش، وكان النصر حليف المصريين، وفرَّ حُباسة بفلول جيشه المهزوم إلى المغرب؛ فقتله المهدي هناك.

ذكا الأعور وجواسيس الفاطميين

ومع الهدوء الذي شهدته مصر في أعقاب انتصارها على جيوش الفاطميين أرسل الخليفة العباسي "المقتدر" واليًا جديدًا على مصر هو "ذكا الأعور" أو "ذكا الرومي" فدخلها في (12 من صفر 302هـ = 28 من سبتمبر 915م).

وبدأ ذكا الأعور عهده بالعمل على تأمين البلاد، واهتم بشحذ الروح المعنوية بين الشعب وإعادة ثقته في دولته من خلال الكشف عن جواسيس الفاطميين في مصر ومحاكمتهم على جرائمهم؛ فقد كانوا يساهمون في إضعاف الروح المعنوية بين الناس عن طريق نشر الشائعات، وبث الفرقة والشقاق بين الشعب، كما كانوا يكاتبون الفاطميين، ويرسلون إليهم بالأخبار، ويطلعونهم على عورات البلاد ومواطن الضعف فيها؛ فقبض على كثير منهم، ونكل بهم حتى يكونوا عبرة لغيرهم، ويشعر الناس بالأمن، ويثقوا بأن يد الدولة القوية قادرة على حماية شعبها، والنيل من كل من يتهددها بالخطر، وأن عينها الساهرة قادرة على كشف أعدائها.

ثم خرج في جيش كبير إلى الإسكندرية في (المحرم 304هـ = يوليو 916م) ليشعر الفاطميين بقوته، ويبدد هواجسهم وأطماعهم في غزو مصر؛ فأقام بها فترة، ثم عاد إلى الفسطاط في (ربيع الأول 304هـ = أكتوبر 916م) وترك عليها ابنه مظفر.

وأدرك ذكا بفطنته وخبرته أن الفاطميين سيعودون -ولا شك- قريبا، وأنهم لم يتخلوا عن حلمهم بالاستيلاء على مصر، وضمها إلى دولتهم التي أخذت تنمو وتتسع يومًا بعد يوم، ورأى ضرورة تحصين مداخل مصر الغربية، فأعاد تحصين مدينة الإسكندرية حتى تستطيع أن تصمد في وجه الفاطميين إذا ما عاودوا غزوها من جديد بعد أن أظهرت التجربة من قبل سهولة استيلاء الفاطميين عليها.

وصدقت فراسة ذكا وحدث ما توقعه؛ فقد أعد المهدي جيشا كبيرا جعل عليه ابنه أبا القاسم، ووصلت طلائع الجيش إلى الإسكندرية في (شهر صفر 307هـ = يوليو 919م) وما إن تنامت أخبار وصول هذا الجيش إلى السكان حتى سيطر عليهم الذعر والفزع، وعمّت الفوضى بين الناس وساد الاضطراب، وأفلت زمام الأمور من يد "مظفر بن ذكا"، وهرب كثير من أهل البلاد إلى الشام، ومات عدد كبير منهم في الطريق.

وهكذا وجد الفاطميون الطريق مفتوحًا أمامهم للتوغل داخل البلاد، فاحتلوا الفيوم وجزءًا كبيرًا من الصعيد، ليلتفوا بذلك حول الفسطاط.

ذكا في محنة

وكان ذكا مقيما في الفسطاط يحاول حشد جنوده لملاقاة الجيش الفاطمي، لكن عددا كبيرا منهم رفض الخروج للقتال، وبالرغم من الظروف القاسية التي أحاطت بالوالي في الفسطاط؛ فإنه استطاع في النهاية أن يخرج في جيش محدود العدد والعدة إلى الجيزة، واستعد ذكا للحرب بتلك الإمكانات المحدودة، كان من المستحيل عليه أن يخرج لقتالهم بهذا الجيش الصغير، ومن ثم فقد أمر ببناء حصن على الجسر الجنوبي للجيزة، وحفر خندقا يحيط بعسكره حتى لا يفاجئه العدو، وكان يهدف من وراء ذلك المحافظة على قواته ومناوشة العدو، ومحاولة إلحاق أكبر قدر من الخسائر به، واستنزافه حتى يصل إليه مدد الخليفة العباسي.

ملحمة الموت والنصر

وفي هذه الظروف العصيبة أصيب ذكا بمرض تُوفي على إثره في (11 من ربيع الآخر 307هـ = 10 من سبتمبر 919م) ولم تدم إمارته أكثر من أربع سنين وشهر.

وما لبث الخليفة المقتدر أن أرسل بقواته لنجدة المصريين، فأشعل ذلك حماستهم، وهبت جموع الشعب تقاتل الفاطميين إلى جوار الجيش حتى ألحقوا بهم الهزيمة، وأسروا عددا كبيرا منهم بعد أن فرَّ من نجا منهم إلى المغرب.

وبالرغم من تحقق النصر الذي جاهد ذكا من أجله، وبالرغم من الهزيمة الساحقة التي مُني بها الفاطميون، فإنهم لم ييأسوا، وظلوا يتحينون الفرصة للعودة من جديد.



هامش:

خرج عبيد الله المهدي والذي يعتبر مؤسس الدولة الفاطمية، من منطقة حمص بسوريا متجهاً الى المغرب، بعد أن مهد له داعيته (أبو عبدالله الشيعي) فوصلها في 7/1/910، ويدعي عبيد الله بأنه من نسل فاطمة الزهراء عن طريق الإمام جعفر الصادق، وقد أنكر ذلك كل من السيوطي وابن حزم، في حين وافق على نسبه كل من المقريزي وابن خلدون.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس