عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 14-03-2009, 09:36 AM   #30
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

القسم الثالث: ما وراء الحدود: نظرة الآخر الى العرب..

الفصل الثاني والعشرون: العلوم الاجتماعية والاستشراق : صورة المجتمع العربي الإسلامي..

قدمه: محمد نجيب بوطالب أستاذ علم الاجتماع بجامعة تونس

تنطلق هذه الدراسة من فرضية: أن الصورة التي ترتسم الآن في الرأي العام الأوروبي حول العربي المسلم، والتفاعلات مع تلك الصورة بتشوهاتها وحقائقها، ما هي سوى استمرارية وشبه استجابة للصورة التي تكونت عبر التاريخ الوسيط والحديث حول الشرق عموما، والعرب خصوصا.

الصورة أو الصور المشوهة عن العرب (الشرق)، تبرز كلما بدا للعيان ترهل الأداء الحضاري العربي، فتكثر الدراسات لتنتهي بأن هذا النمط من الناس يحمل مواصفات (أنثروبولوجية) تجعل من الطبيعي أن يكون أداء الناس الحضاري بهذا المستوى المتدني والهزيل.

لقد ساهم المستشرقون في تهيئة الأجواء أمام المثقفين الغربيين ليثبتوا تلك الصور عن الشرق، خصوصا أولئك المستشرقون الذين ظهروا في القرن 19 وقد كانت دراساتهم مغلفة بمصداقية مصنعة حسب نظريات علم الاجتماع فكانت شهاداتهم كشهادات الأطباء الذين يحذرون من نوع من الطعام أو يمتدحون صنفا من معجون الأسنان.

المركزية الأوروبية

لقد أقام الأوروبيون منذ القدم (ثنوية) تعارضية بين الشرق والغرب، وضمنوها نزعة مركزية أوروبية تمجد الغرب وتحط من شأن الشرق. وقد اصطبغت تلك النزعة بألوان متباينة، فكانت في البداية شعور بالنقص تجاه الإسلام والعرب الذين كانا متفوقين على الغرب، وأحيانا شعور بالخوف من هذا الشرقي أن يبسط نفوذه على الغرب (أوروبا).

وأحيانا يكون الشرق مصدرا للإلهام لبعض الشعراء (غوته، لامارتين) وبعض المفكرين والأدباء (ديوالد، فولتير ...)، بل كان الإعجاب بالشرق يصل حتى حركات الإصلاح الديني الأوروبي، الذين كانوا يتطلعون الى النموذج في الإمبراطورية العثمانية على أنه رمز للعدالة، وهو أفضل من الاضطهاد البابوي.

أما بعد التقدم الاقتصادي والسياسي والعلمي عند الأوروبيين، فتراجعت الصورة عن الشرقي ليصبح رمزا للتخلف والكسل، ويصبح موضوعا جديرا بالدراسة، شأنه شأن أي ظاهرة بيولوجية عند النباتات أو الحيوانات!

الرسالة التمدنية

أشار (فورييه) مساعد (نابليون بونابرت) في الحملة الفرنسية على مصر، أن غزو مصر هدفه " إنقاذ مصر من بربريتها وإعادتها الى عظمتها الكلاسيكية " و " تلقين الشرق طرائق الغرب الحديث " .

إن فكرة الرسالة التمدينية ( Mission Civilisatrice) انطلقت كمبرر أيديولوجي لبدايات أزمة الرأسمالية التقليدية. ولذلك ظهرت بشكلٍ مُرَكَز في العشرينات من القرن التاسع عشر. وقد شارك في حملها كل التيارات (بيسارها ويمينها)، كما تجسدت لدى مُنظري الحقبة الاستعمارية، وارتبطت بشكل جلي بالاعتبارات الدينية (نشر المسيحية ومقاومة انتشار الإسلام). وقد وصف (كليرمون توتيز) استعمار فرنسا للجزائر بأنه (( عملٌ عظيم أنعمت به العناية على فرنسا لتمدين العرب وجعلهم مسيحيين)).

المؤثرات الاستشراقية في سوسيولوجية فيبر
حول الإسلام (1863ـ 1920)

سنأخذ نموذجا من المستشرقين الذين تركوا أثرا في توجيه السياسات الاستعمارية لدى الغرب، كما أثروا على علماء الاجتماع والسياسة في تشكيل صورة العربي والمسلم لديهم. إنه عالم الاجتماع الألماني ذائع الصيت (ماكس فيبر)، وسنختصر ما دونه وما لاقى من اعتراض فيما يلي:

الصور والأفكار والتبريرات التي خرج فيبر متأثرا بفرضيات المستشرقين:

1ـ انحطاط العالم الإسلامي وبناه الاجتماعية ونظمه السياسية المتصفة بالاستبداد. ويقول: (( الديانتان اليهودية والمسيحية كانتا ديانتين بورجوازيتين، بينما ليس للديانة الإسلامية سوى دلالة سياسية)) [ يقصد النزعة العسكرية التوسعية]

2ـ غياب الطبقات الاجتماعية المحققة للتحولات (الطبقة الوسطى)، وكذلك غياب الصراعات التاريخية، الطبقية، وأيضا غياب المدينة المستقلة ذاتيا.

3ـ ارتباط الدولة الدينية الوشيج بالأفراد وتحكمها فيهم، وفي سن القوانين، فهو يقول: ليس الإسلام كعقيدة للأفراد هو الذي أعاق التصنيع، ولكن بنية الدولة الإسلامية وتركيبة موظفيها وقوانينها وأجهزتها التي كانت مشروطة دينيا هي العائق. ويفسر الأسباب التي تقف وراء هذا الركود هي:

أ ـ تَحَكُم الإقطاعية الشرقية عبر شرائح عسكرية تتميز علاقتها بالسلطة المركزية بالتضارب والصراع على الجباية.

ب ـ اعتبر (فيبر) أن هذه التطورات داخل الدولة الإسلامية كانت السبب الرئيسي في فشل التحول التجاري والتطور الرأسمالي.

ج ـ لقد أدى العجز في التوسع (الغزو) الى العجز عن دفع رواتب الجيوش وموظفي الدولة الشرقية، وهذا العجز يعني توقف الولاء للمركز. فالأزمة المالية متأتية من الإقطاع العسكري والتزام الضرائب*1

نقد وتقييم لنظرية فيبر

من أهم الذين ردوا على فيبر المستشرق الفرنسي (مكسيم رودنسون) الذي أشار الى مبالغة فيبر عندما اعتمد على الأخلاق الدينية كمحرك للاقتصاد. وقال: أن الإسلام نفسه عرف قيم التقشف والعمل والربح، وبالتالي ازدهرت التجارة في العهود الأولى من الإسلام وتطور الاقتصاد معتمدا ليس فقط على الضرائب، بل كذلك على الإنتاج وتطور المبادلات، فضلا أن الإسلام حث على العلم والمعرفة وقد أشار المستشرق الفرنسي الى القرآن الكريم الحاث على إعمال العقل { أفلا تعقلون} وطلب العلم الخ.

ويرى (هشام جعيط) في كتابه (أوروبا والإسلام) أن الغزو الاستعماري للمنطقة العربية استمد حركته من وعي موروث من القرون الوسطى، وعي يقوم على أسس انفعالية لتمثل الإسلام. وأن اطلاع (فيبر) على الإسلام قليل وقاصر ولم يكن اطلاع الباحث المجتهد.*2

هوامش
*1ـ هذه الفكرة الأخيرة صائبة الى حد كبير، وهي لا تزال متداولة عند الأوساط العلمية العربية التي تبحث في أسباب سقوط الدولة العباسية. أنظر: محمد نجيب بو طالب/ الصراع الاجتماعي في الدولة العباسية/ سوسة: تونس: دار المعارف للطباعة 1990 [ تهميش المؤلف الباحث].

*2ـ جعيط: أوروبا والإسلام: صدام الثقافة والحداثة، الفصل1. كما يمكن الرجوع الى إدوارد سعيد: الاستشراق: المعرفة، السلطة، الإنشاء، ص 290. [تهميش الباحث].


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس