عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 17-06-2010, 12:36 PM   #3
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

هفوات الخطاب القومي تحد من فاعليته

أثناء تعريف الزائر للأسرة في بيتها، بأفراد العائلة، إن تم استغفال التعريف بأحد الأطفال، فإن ذلك الطفل لن ينسى هفوة من قام بالتعريف، سواء كان الأب أو الأخ الأكبر أو حتى الأم. فمهما صغر حجم الطفل لدرجة أنه لم يكن له إنجازات تُعرف لا في المدرسة ولا في مهاراته، فإنه كان سيفرح لو قيل عنه (فلان: زهرة البيت وآخر العنقود). سيبقى الطفل يتذكر تلك الهفوة حتى بعد أن يكبر، ولن يمحوها تذكره في مناسبة أخرى، وقد تجعل منه تلك الهفوة كارها لأخوته وكارها لأمه وربما أسرته، وسيوظف تلك الهفوة في إزعاج ذويه في وقت معين.

وفي حالة أن يستعرض مدير دائرة إنجازات بعض الموظفين أمام وزير أو مسئول كبير، وينسى أو يتناسى بعض المجدين من الموظفين، فإن حالة من الكراهية ستسكن في نفوس هؤلاء، وتخبو لديهم الروح المعطاءة ويصبح انتمائهم لدائرتهم مبعثاً للملل، متحينين الفرص لترك المكان، إن لم يستطيعوا تغيير شكل العلاقات القائمة فيه.

في المسائل المتعلقة بالقومية، يتحدث القائمون على الحكم في المناسبات الوطنية بلسان العرق الأكبر أو القومية التي ينتمي إليها الحكم، فيستعرضون إنجازات حقيقية أو وهمية ويردون تلك الإنجازات إن كانت حقيقية لجهود أجدادهم وآبائهم من أبناء تلك القومية، ومن باب المجاملة يذيلون خطابهم بذكر بعض القوميات الأخرى التي تشاركهم الوطن، فيذكرون بعض القوميات باختصارٍ شديد ويعتذرون إن لم يذكروا أحداً!

فإن ذُكرت الإنجازات العسكرية تم التركيز على بعض الأبطال من قومية المتحدث، وإن ذُكر الفلك والطب والرياضيات تم إدراج أسماء أبناء قومية الحاكمين، أو حتى من كانوا من قوميات أخرى لكن بنسب إنجازاتهم للقومية الحاكمة.

ولتفحص مواقع الهفوات في الخطاب العربي القومي، سنستعرض نشاط بعض الناطقين بالخطاب القومي الحديث، وما قفز عنه أو ما أثار جدلاً:

1ـ مرحلة تحديث الفكر العربي الإسلامي:

لم تتبلور فكرة القومية في هذه المرحلة، بل جاءت بشكل موارب، رافق دعوات محمد علي باشا في مصر للعرب أن يجمعوا أمرهم ليكون لهم شأن، وشبه محمد علي عضلات قلب الأمة العربية بثلاث عواصم هي (القاهرة وبغداد ودمشق) فإذا اتحدت تلك العواصم، اتحد وراءها العرب. وكان من أبرز أصحاب الدعوات للتحديث: خير الدين التونسي (1810ـ1890)، ورفاعة الطهطاوي (1801ـ 1873) وأحمد فارس الشدياق (1805ـ 1887)، والى حدٍ ما جمال الدين الأفغاني (1839ـ1897)، ومحمد عبده (1849ـ1905).

كانت دعوات هؤلاء تدعو لتجديد الفكر الإسلامي أكثر من دعوتها للقومية العربية. الى أن ظهر عبد الرحمن الكواكبي (1854ـ 1904) ودعا الى مساواة العرب بالترك والاهتمام بنهوض العرب، فدعا الى مؤتمر موسع في مكة (أم القرى) ليحضره مندوبون من كل المسلمين لمناقشة هذه المسألة، وخرج كتابه (أم القرى) للتبشير بذلك.

كما ظهرت كتابات عبد الله النديم (1844ـ 1886) والذي يعتبر لسان حال أحمد عرابي ورفاقه، وظهر فيها كلمة (الأمة)، وإن كان البعض يفسر استخدامه للأمة إشارة للأمة المصرية وليس العربية.

2ـ التيار المناهض للهيمنة العثمانية:

ظهر هذا التيار، بعد ظهور حركة التتريك (جعل كل رعايا الدولة العثمانية أتراكاً)، وعليه، فلم يقتصر على المصلحين العرب المسلمين فقد اشترك معهم آخرون من غير المسلمين وبالذات النصارى العرب، فظهرت كتابات بطرس البستاني الذي طالب في جريدته (الحنان) أن تتوحد الشعوب الناطقة بالعربية، وأن تكون اللغة العربية هي لغة التدريس (فتحت تركيا العديد من المدارس في المناطق العربية وكانت لغة التدريس التركية).

كما ظهر إبراهيم اليازجي وشكيب أرسلان الذي كان يفكر بإسلام عربي، ويعتبر صديقه (رشيد رضا) أكثر وضوحاً إذ قال: (إن إسلامي مُقارن في التاريخ لعروبتي... قلت إنني عربي مسلم، فأنا أخ في الدين للملايين من المسلمين العرب وغير العرب، وأخ في الجنس للملايين من العرب وغير المسلمين)*3

3ـ المرحلة السابقة على الحرب العالمية الأولى

شهدت تلك المرحلة، تغيراً نوعياً، فلم يعد النشاط في الدعوات له صبغة فكرية، بل تعداها الى الجانب السياسي، فتشكلت الجمعيات وارتفعت الأصوات وتعلق على أعواد المشانق قياديين من هؤلاء الدعاة في طرابلس/ لبنان وحلب ودمشق، أمثال عبد الغني العريسي (ولد في 1894 وأُعدم في 1916).

4ـ مرحلة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية

اتسمت تلك المرحلة بسمتين غالبتين: أولاهما تأكيد أهمية وحدة النضال ضد الاستعمار في سبيل تحقيق الوجود العربي. وثانيهما الحنين الى دولة عربية كالتي كان لها أمجاد في عهد الأمويين والعهود التي كان العنصر العربي فيها له سيادة، وقد كانت ملامح تلك الدولة تظهر في نشاطات الحسين بن علي شريف مكة، وبعد أن خذله المستعمرون، نحى نشاط هذه المرحلة منحى آخر.

وقد ظهر في هذه المرحلة كتابٌ ومفكرون مثل: محمد حسين هيكل (صاحب جريدة الإحياء العربي) وساطع الحصري وقسطنطين زريق وزكي الأرسوزي، ثم جاءت حركة البعث قبل تحويلها لحزب.

وقد ربط هؤلاء المفكرون وحدة النضال بوحدة التحرر، فقضايا شمال إفريقيا لا تنفصل عن قضايا فلسطين وجنوب اليمن ومحميات الخليج العربي، فكانت الكتابات كما هو التطوع والتحريض على التطوع ومقارعة الاستعمار هي الطريق المؤدي للوحدة.

وشكل الفكر الناصري الذي لا يختلف كثيراً عن فكر البعث، ناقوساً إعلامياً قوياً اقترن في (كاريزمية) الرئيس عبد الناصر، ومن وراءه دولته (مصر) بمركزيتها ومفكريها وإذاعاتها وكتبها ودور نشرها، كما ترافق مع دعوات عبد الناصر للوحدة والتحرر نشاطٌ كبير على الصعيد الوطني العربي، إذ استقلت معظم البلدان العربية عن الاستعمار في إفريقيا وآسيا، وازدهرت حركة عدم الانحياز، وأصبحت المنطقة من أسخن وأهم مناطق العالم. كما كان لتجربة الوحدة بين مصر وسوريا وقعٌ طيب في نفوس المتطلعين للوحدة، ولكن انفراطها كان له نفس حجم الوقع من السوء.

5ـ ما بعد الانفصال وما بعد نكسة الخامس من حزيران/يونيو 1967

سنناقش تلك المرحلة الدقيقة في المرة القادمة والانتقادات التي وجهت للحركة القومية من قبل التيارات الشيوعية والإسلامية (السياسية) و من قبل أصحاب الدعوات القطرية والإقليمية الضيقة.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس