عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-08-2008, 01:38 AM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

ففي دراسة حديثة نسبيا" هدفت الى معرفة الخصائص الشخصية التي يفضلها طلبة المرحلة الثانوية ( عمر 13 ـ 18 سنة ) بمدرسيهم ، تبين أن الصفة التي احتلت المرتبة الأولى في تفضيلهم هي أن يعطي المدرس أسئلة امتحانية واضحة ومن صلب المقرر الدراسي . ويبدو أننا نشذ عن العالم المتقدم . فهذه النتيجة لم تظهر في الدراسات العالمية المماثلة التي أكدت على الخصائص الإنسانية والديمقراطية المتمثلة بالتعاون والمشاركة الوجدانية والمرح والبشاشة وحب الطلبة والاهتمام بهم وتقدير آرائهم والقدرة على توضيح المعلومات الصعبة والعدل وعدم التمييز والقيادة الديمقراطية للطلبة ( صالح ،1990 ) .أما أن يكون التفضيل الأول لطلبتنا في شخصيات مدرسيهم بأن يعطي المدرس أسئلة امتحانيه واضحة من صلب الكتاب المنهجي ، فأن ذلك ينبهنا الى أن نظامنا التربوي جعل من الامتحانات محور اهتمام الطلبة وأولياء أمورهم وحتى المدرسة . ونظام بهذه المواصفات لا نتوقع منه إن يخرّج مبدعين بالنسب المئوية المقبولة . بل حتى ربما تكون المدرسة ، على وفق هذا النظام ، عائقا في نمو الإبداع وتطويره . فالسّير التاريخية لكثير من المشاهير تذكر بأنهم كانوا تركوا المدرسة أو تعرضوا لفشل متكرر فيها ، لأن مناهجها التربوية ما كانت مصاغة بشكل تتضمن تحديات مناسبة لقدراتهم . وأجواءها كانت مضجرة ، والنشاطات فيها تقليدية لا تساعد على تنمية الخيال الإبداعي أو التقاط الأفكار أو تكوين التصورات .... أي أن تنبيهاتها كانت محدودة وفقيرة من حيث معلوماتها . وقس على ذلك مثلا : دارون واديسن وبيكاسو وعالم النفس أدلر وجان جاك روسو واميل زولا وطه حسين .

إن إحدى المهمات الأساسية للتعليم هي أن لا تكون وظيفة المحاضرة تحويل الكلمات أو العبارات التي يتلقاها الطلبة الى مجرد تجمعات فكرية ثابتة ونظريات بحالها يختزنونها كما هي . ويظل الطلبة ومحتوى المحاضرات غريبا" كل منهما عن الأخر ، ويصبح الطالب مالكا" لمجموعة من العبارات والصيغ التي توصل إليها أشخاص آخرون . بل أن يستقبلوا في المحاضرة تنبيهات فكرية منبهة للعقل ، يتجاوبون معها بطريقة تنشّط فيهم العملية الفكرية وتثير في آذانهم أسئلة وأفكارا" جديدة ... ويصبح كل واحد منهم بعد المحاضرة غير ما كان قبلها . وواقع الحال أن التعليم في الأنظمة التربوية العربية من الابتدائية الى الجامعة ، يقوم على التلقين وحشو الذاكرة الذي ينتج بالضرورة عقلا يأخذ بالأمور كما لو كانت مسلمات دون أن يتحاور معها بفكر ناقد . وبهذا صاغ النظام التربوي العربي عقولا عودها على أن( تستقبل ) لا على أن ( تحاور ) .

إن أصعب المعوقات أمام الإبداع في أنظمتنا التربوية ( والتربويون يعرفون كم هي كثيرة هذه المعوقات ) هي أننا لا نعمد الى تحديث مناهجنا بالسرعة التي يتطور بها العلم ( يفصلنا عن التقدم في عدد من العلوم اكثر من ربع قرن ) . وان فعلنا فأن معظم محاولاتنا تكون كسيحة أو عرجاء . ولا نفعل مثلما حدث للنظام التربوي في أمريكا بعد إطلاق الاتحاد السوفيتي السابق لقمره الاصطناعي 1957 عندما وضع المواطنون الأميركيون جملة قيمهم العلمية موضع الشك ، خصوصا" الطرائق والمناهج العلمية (Parnes ,1962) . فقد عمدت على اثر هذا الحدث الإبداعي المدهش الى إعادة النظر بنظامها التربوي . ففي مقالته الموسومة " الثورة الهادفة " أشار تورنس الى أن الولايات المتحدة بدأت منذ مطلع الستينات في القرن الماضي بثورة خفية في أهداف وطرائق التربية بتوظيفها نحو الحل الإبداعي للمشكلات ، والتعبير الإبداعي أيضا . وصار الاهتمام بالإبداع والمبدعين من أولويات الدول المتقدمة . إذ يشير أرنولد توينبي الى أن الأفراد المبدعين هم المصادر الأساسية في المجتمع . ونضيف الى قوله أن قراءة التاريخ في مجالات السياسة والنظم الاجتماعية والعلوم التطبيقية والفنون ... تجعلنا نستنتج بأن المبدعين هم الذين يغيرون العالم ومسار التاريخ أيضا ، بل وحتى تغيير الأنموذج الذي ننظر من خلاله الى الكون والأشياء والطبيعة البشرية ، وقس على ذلك مثلا غاليلو وانشتاين وفرويد .

وفي هذا السياق يشير جيلفورد الى " أن صياغة طريقتنا في الحياة وضمان مستقبلنا يقومان على أهم مواردنا القومية وقدراتنا الابداعية على وجه الخصوص ". ويذهب هارولد اندرسون الى القول بان الإبداع لا تكمن أهميته فقط في كونه عملية إنتاج تشهد كل لحظة ولادة جوهرة ذات قيمة عالية ، بل تتعداها الى أن الإبداع صار ضرورة من ضرورات الحياة . فيما ينبّه روبنسون الى أن الاقتصاد وسوق العمل في القرن الواحد والعشرين يمر بتغيرات تفوق التصور تحدثها " ثورة هادئة " تشبه الثورة الصناعية بحجمها وتأثيرها ، لاسيما الإنجازات الابداعية في مجال التكنولوجيا ( في : بكر ، 2005 ، ص 4) . ولقد عملت الدول المتقدمة بذلك وسارت باتجاه رعاية الإبداع والمبدعين بدءا من مرحلة الدراسة الابتدائية ، فيما دول العالم العربي منشغلة بأمورها السياسية وخلافاتها العقائدية وصراعات الأخوة الأعداء وأمراضها الاجتماعية والمؤسسية ، وفي مقدمها الفساد الإداري لاسيما في العراق الذي صار إحدى الدول العشر الأولى الأكثر فسادا في العالم !.

(الشرط الثالث ..في الحلقة القادمة )

مشاركاته في مركز دراسات المجتمع العراقي

مشاركاته في النخلة والجيران



IRAQI SOCIETY STUDIES CENTER
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس