عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 02-09-2010, 01:26 PM   #1
عصام الدين
عضو جديد
 
تاريخ التّسجيل: Dec 2000
المشاركات: 830
إفتراضي الإسلام والمواطنة : الفكرة والتمثلات والتحديات

إن كلمة المواطنة هي صيغة صرفية أمكنت منها اللغة العربية لتدل بها على معنى المشاركة في الانتساب للوطن وفي أداء حقوق ذلك الانتساب. وصيغة المفاعلة في الوضع اللغوي تدل غالبا على مشاركة فردين أو أفراد في أداء الفعل مثلما تدل عليه مصادر المجادلة والمناقشة والمعاشرة والمصافحة.

وكلمة المواطنة من هذا القبيل، وهي تفيد وجود ثلاثة مكونات هي الوطن, وسكان الوطن، وممارسة الاشتراك الشعوري والفعلي في الانتساب إلى الوطن وفي القيام بحقوقه وبمتطلبات حمايته والنهوض به.

والمواطنة هي بالأساس قيمة راقية من قيم التعايش تقوم على الإحساس بمسؤوليات وتبعات الوجود في الوطن، وهو شيء يتجاوز معنى مجرد الإقامة والسكن فيه.

والوطن في الاستعمال الإسلامي هو مكان الوجود والانتماء، وهو قد يتسع بحيث يستوعب الشعب أو الأمة، وقد يضيق بالقدر الذي لا يساوي إلا موضع إقامة العشيرة الواحدة, وقد قالت امرأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تدافع عن أرض قومها إنها وطني وداري. والحديث وارد في سنن أبي داوود في كتاب الخراج والإمارة.

وفي الاستعمالين القرآني والحديثي يرد ذكر كلمة المَوْطن وهو لفظ يعبر عن عموم المكان الذي يستقر فيه الإنسان أو تحدث فيه الوقائع، ومن ذلك قوله تعالى: " ولقد نصركم الله في مواطن كثيرة...." [ التوبة 25] ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مامن امرئ يخذل امرأ مسلما عند موطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في موطن يحب فيه نصرته، وأي امرئ ينصر امرأ مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته".

وقد يعبر عن الوطن بالدار وبالبلد، ويعبر عن المشارك فيها بالبلدي فيقال هو بلديه مثلما يقال هو مواطنه، كما يقال لمن يشارك المرء في زمن الميلاد ولدته.

والموطن أيضا هو المَباءة وهي المكان الذي يرتبط به الإنسان شعوريا ويبوء إليه. أما عن المواطنين الذين يشتركون في الانتساب إلى الوطن فقد دعاهم الرسول صلى الله عليه وسلم أهله في أول خطاب وجهه إلى أهل مكة وهم مخالفون له في الدين لما قال: " إن الرائد لا يكذب أهله و لو كذبت الناس جميعا ما كذبتكم".

و لقد كان حب الوطن راسخا ومتجذرا في قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي شعوره.

فحينما اضطر إلى مغادرة مكة مهاجرا بعد أن تآمر قومه على حياته التفت إليها مودعا بعد أن صارت خلفه وقال: "ما أطيبك من بلد وما أحبك إلي، ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك" . الحديث أخرجه الترمذي في كتاب المناقب.

ولما استقر عليه السلام مع أصحابه بالمدينة أصابهم من ألم الفراق شيء غير يسير, فلما رأى عليه السلام ذلك دعا للمهاجرين وقال: "اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد" . [الحديث أخرجه البخاري في كتاب فضائل المدينة] وهذا دعاء يشير إلى أن قلوب المهاجرين كانت مفعمة بحب كبير للوطن.

ولقد ظل حب رسول الله صلى الله عليه وسلم لمراتع صباه قويا متوهجا في نفسه فلما عاد إلى مكة بعد الفتح كان يدل أصحابه على مواضع شهدت وقائع في صباه فكان يشير إلى أحد المياه ويقول هنا تعلمت السباحة، وأشار إلى أطم وذكر أنه كان في صباه يطير طائرا كان عليه.

وبعد تجاوز هذا المدخل اللغوي الذي يقتضيه التعريف، فإن صلة الإسلام بالمواطنة يجب أن تطلب في مقاصد الإسلام الكلية وفي تصوره لطبيعة العلاقة المجتمعية، كما يتعين أن تطلب في نصوص الإسلام وأحكامه الجزئية المتعلقة بحركة الفرد ضمن المجتمع.

ومما تجب الإشارة إليه أن سعي الإسلام إلى إشاعة ثقافة المواطنة ينسجم تماما مع أسلوبه الخاص في تثبيت كل القيم وفي توجيه السلوك، وهو أسلوب يقوم على جعل ما يرشد إليه ممتزجا بالعبادة لتكون استجابة الفرد طاعة لله، وليكون إهمال المطلوب معصية لله، وهذا يعطي أحكام المواطنة إلزامية أقوى مما لو جردت عن معنى العبادة، وهذا ما يتميز به الإسلام في توجيهه للمجتمعات.


آخر تعديل بواسطة عصام الدين ، 02-09-2010 الساعة 01:34 PM.
عصام الدين غير متصل   الرد مع إقتباس