عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 10-08-2009, 12:20 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


الفصل الأول: المجتمع المدني والموروث الكلاسيكي

تأملت النظرية الإغريقية طيفاً واسعا من العلاقات الإنسانية. فالحب والصداقة والتعليم والزواج والمواطنة وواجبات العبيد ومسئوليات السادة ومهارات الحرفيين وتقسيم العمل، كل تلك المسائل دُرِست من حيث فرادتها وترابطاتها.

خطر المصلحة الخاصة

تلمس القدماء خطورة المصلحة الخاصة وأثرها على نخر بنيان الدولة وهزيمتها. وقد عبر أفلاطون ابن أثينا (ولد 428 ق م) والذي شهد هزيمة أثينا عسكرياً، عن تلك الآثار المترتبة على تقديم المصلحة الخاصة على مصالح الدولة.

فقال: (إن المصلحة الفردية لا يمكن أن توفر أبداً أساساً كافياً لحياةٍ سعيدة، وعادلة أو متمدنة، فالقوة الشرعية، والسلطة، والمعرفة توجد فقط لخدمة أولئك الذين تُمارس لأجلهم. تماما مثلما تكمن مهارة الطبيب في معالجة المرض، ومثلما يمارس القبطان سلطته نيابة عن طاقمه، فإنه لا يجوز لأي حاكم، بقدر ما يتصرف بصفته حاكماً، أن يتوخى أو يفرض ما يصب في مصلحته الخاصة، فكل ما يقوله ويفعله، سيُقال ويتحقق بموجب ما هو مفيد وملائم للرعية التي من أجلها يمارس مهنته).

ذلك أن السلطة السياسية وجدت لتقوم بخدمة رفاه المدينة ورفاه مواطنيها. ولا يمكن فهم المجتمع المدني إلا بموجب المبادئ الناظمة للدولة.

(1)

أدرك أفلاطون أن الناس يعيشون في ميادين مترابطة، وأن لكل ميدان منطقه التنظيمي الجوهري الخاص. وكان من المهم، بالنسبة إليه، أن يحيط بكل واحد من هذه الميادين، ذلك أنه أراد بلوغ فهم شامل للكامل.

يتألف المجتمع المدني [عند أفلاطون] مثل جسم الإنسان أو طاقم السفينة، من عناصر مختلفة لها مهارات مختلفة وتؤدي مهمات مختلفة. فهو يستند الى الحاجة المادية للكائن البشري للطعام، والمسكن، والملبس. وفي الحقيقة، فإن تقسيم العمل القائم على الاستعدادات الطبيعية يقع في قلب نظرية أفلاطون عن العدالة، والسياسة، والمجتمع المدني. فالعدالة، التي ترشدها فضيلة العقل الأساسية، تتيح لكل جزء المساهمة في رفاه الكل.. وهذا يجري سواء في الحياة العائلية، أو الصداقات، أو الشؤون السياسية.

إن نظرية أفلاطون نظرية وظيفية، إذ يعتمد صلاح الروح والجسم والدولة على الانسجام المتوازن الذي يتحقق عندما يقوم كل عنصر مكوِن بأداء وظيفته المناسبة. وقد بحث أفلاطون دائما في هذه العلاقات المتبادلة، لأنه ((من دون العدالة، لا يمكن للرجال أن يعملوا معاً على الإطلاق))

(2)

كانت مهمة النظرية السياسية، بالنسبة لأفلاطون، تتمثل في مواجهة مشكلة الفساد والتحلل [التفتت] المتلازمتين. وقد كان واثقاً من مصدرهما حين أثار السؤال الآتي: (( أليس أخبث شرٌ بالنسبة للدولة هو الشيء الذي يتولى تقطيعها إرباً ويدمرُ وحدتها، بينما لا يصلحها شيءٌ أكثر من ذلك الذي يشد لحمتها ويرصها في كل واحد؟)).

لقد أراد أفلاطون التوكيد على أن وراء ترهل أداء المواطنين ووراء الاضطرابات وأعمال الشغب ووراء التفتت يكمن الفساد الذي هو عكس العدالة التي تغذي كل عضو أو خلية في الجسم بمبررات بقائها وأدائها عملها على أحسن وجه.

وهنا، نرى أن أفلاطون قد اكتشف مبكراً مصادر الاضطراب الاجتماعي، عندما أخذ يتحرى ويتتبع بواطن تكوينه في مفاصل المجتمع المدني.

لقد استذكر أفلاطون حكمة (سقراط) التي مؤداها (أن الإنسان السعيد سيوجه نفسه طبقاً لمعرفته بالغايات الجوهرية للحياة)

(3)

(ما لم يتم القضاء على الأنانية الذاتية في المهد، فإنها ستتسرب من قيادة المدينة الى عامة السكان، ذلك أن التنوع، واللامساواة، والتنافر ستسبب الكراهية والحرب الأهلية كما هو دأبها دائماً، وتلك هي، كما في كل مكان، ولادة الصدام المدني وأصله) [ من كتاب جمهورية أفلاطون ص 270]

في مناقشته للأهواء الخاصة، وأثرها في تفتيت المجتمع وشيوع الفساد، حارب أفلاطون فن الرسم وقرض الشعر، واعتبر من يزاولهما مسايراً للانفعالات الشخصية ومغرقاً للحقيقة العامة في حدود الذات، ويسهم في تقزيم ملكة العقل الرشيدة، وهو يسعى للإشباع الفوري للذة الشخصية على حساب المصالح العامة.

(4)

(( القانون غير معني بتحقيق السعادة لأي طبقة واحدة بشكل خاص، بل هو معني بضمان رفاهية الجماعة ككل. وبإقناع الناس بالقانون أو التهديد به سوف يتحقق الانسجام بين المواطنين، وسوف يجعلهم يتشاركون المنافع التي يمكن أن تساهم بها كل طبقة في الصالح العام، ولم يكن غرضه من تشكيل الناس على تلك الروح هو لزوم ترك كل واحدٍ وشأنه، بل لزوم أن يكونوا مفيدين في توحيد الجماعة)).

حاول أفلاطون أن يوفر قوة معادلة للتنازع النافر بين المصالح المختلفة، عبر فلسفة عامة ترسي السياسة على قاعدة الحكمة الأخلاقية والحياة الخيرة. غير أن سعة أفقه بدت في النهاية أنها العلاج الذي قتل المريض!

لكن، لا شك أن أفلاطون قد أسس لقواعد تشكيل المجتمع المدني بوقت مبكر.

تعليق:

لم يكن أجدادنا بعيدين عن التفاعل مع مثل تلك الطروحات، فقد بدا أثر تلك الفلسفة واضحاً في كتابات (ابن سينا) و (الفارابي) و (ابن رشد) و (ابن خلدون) وهم من الفلاسفة الذين أسهموا بإحياء الفلسفة القديمة وأعادوا إنتاجها بما يتلاءم مع معتقدهم الإسلامي. فقد كانوا يحاذون عمل السياسيين ويكتبون بما يدعم عمل هؤلاء السياسيين.

وفي مرحلة أخرى، ظهر مجموعة من الكتاب السياسيين المسلمين والعرب، والذين كتبوا في السياسة بشكل محدد مثل: (أبو الحسن الماوردي) و (ابن الأزرق) وغيرهم.

ومن هنا فإن مناقشة مواضيع كالتي بين يدينا، ستساعد وبدون شك في تنشيط الذاكرة المنتمية والتي ستكون مستعدة بعد إعادة عملها على القراءة الصحيحة لما يدور حولنا ونعجز عن تفسيره في كثير من الأحيان.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس