عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 12-01-2010, 10:55 AM   #10
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

السيادة، والمصلحة، والمجتمع المدني

كان ظهور كتاب (اللوياثان Leviathan) في العام 1651 البرهان البالغ الأهمية الذي قدمه (هوبز) على أن المجتمع المدني لا تقوم له قائمة من دون سلطة الدولة. فجهده القوي لإظهار "قلب" و "أعصاب" و"مفاصل" الجسم السياسي انتهى الى نتيجة مؤداها أنه يجب دمج هذه الأعضاء في مصدر مهيمن واحد، إذا كان يُراد للمجتمع المدني أن ينتظم، وللسلم المحلي أن يتوحد.

إن إيجاد (كائن مصطنع Artificial Man) تُنفخ فيه (روح سيادة مصطنعة Artificial Soul of Sovereignty) هو وحده الذي يستطيع أن يُنزل نِعَم الحضارة للأفراد الذين تتأتى أخطارهم الجماعية من مساواتهم ورغباتهم. لقد بحث (هوبز) المذعور من الثورة الإنجليزية، عن ملاذٍ في إقامة دولة ذات حدود مشتركة مع المجتمع المدني، ومؤسسة لهذا المجتمع الذي يُفهم، بحسب التعبير الحديث، ميداناً يمور بنشاط المصلحة الشخصية.

(1)

إن مخطط نظرية هوبز العامة معروف بما فيه الكفاية (القول للمؤلف). فانعدام الأمن المستشري الذي يقدم له المجتمع المدني علاجاً هو النتيجة الحتمية لرغبة الإنسان الدائمة في حيازة السلطة لغرض حماية نفسه. ونتيجة انعدام الأمن هذا، فإن جوع الإنسان الى مراكمة السلطة ـ " وسائله الحالية للظفر بخير مستقبلي ظاهر *1 " ينتقل به من شيء الى آخر، وإحرازه لشيء ما هو إلا مجرد حافز لإحراز شيء آخر أيضاً.

إن الفرد الجديد الذي يحسب حساب المصلحة (Calculating Individual) يحدد لنفسه أهدافه الشخصية في غياب " الخير الأعظم " الذي سوف يقصده الناس كافة طواعيةً.

إن الإنسان يأمل في الحصول على لذةٍ أكبر مما كان قد حصل عليه، أو أنه لا يستطيع الاقتناع بسلطة معتدلة. إن الحاجة الى مراكمة المزيد من السلطة أمر ملازم لجوهر الشرط الإنساني.

إن هذه "الرغبة في حيازة سلطة إثر سلطة " يشكل تهديداً عارما باندلاع حرب بلا نهاية ما لم توضع هذه الرغبة تحت السيطرة. والمفارقة العظيمة في حياتنا الإنسانية هي أن رغبتنا البسيطة في الأمن، وقابلياتنا المتساوية في العدوان، يسفران معاً عن وضعٍ لا يُطاق.

عندما يرغب الناس في الأشياء نفسها و (لا توجد سلطة قادرة على إرهاب الجميع) فإن الاضطراب المتساوي والقابليات المتساوية والرغبات المتساوية تنتج حالة حرب دائمة.

في ظرف كهذا لن تكون ثمة صناعة؛ لأن ثمارها غير مؤكدة، ولا حراثة للأرض؛ ولا ملاحة للبحر، ولا فائدة مرجوة من استيراد البضائع عبر البحار، ولا عملية بناء واسعة، ولا وسائل للنقل، أو لرفع تلك الأشياء التي تحتاج الى قوة؛ ولا معرفة لنا بوجه البسيطة؛ ولا تقدير للزمن؛ ولا فنون؛ ولا آداب؛ ولا مجتمع، لن يكون هناك سوى الأسوأ: خوف دائم وتحسب من خطر الموت العنيف؛ وحياة يقضيها الإنسان منعزلاً وبائساً ومقرفاً ومتوحشاً وفظاً، حياة قصيرة*2

(2)

من المستحيل قيام المجتمع المدني من دون (سلطة عامة)، ولسوف تجعل فوضى الشرط الطبيعي الإنساني من الحياة نفسها أمراً مستحيلاً. والمفارقة العميقة هي أن كل فرد يعتمد على عقله الشخصي ينتهي سريعاً الى وضع لا يُطاق بالنسبة للجميع.

ليس بوسع الناس العيش بسلام ما لم يرغبوا في التخلي عن (حقهم في الأشياء كلها)، ويقنعوا بدرجة محدودة من الحرية. ينتج عن هذا التخلي عن حساب مصلحي معين، مفاده أن منافع السلم تفوق ما يخسره الناس حين لا يعولون على فطنتهم أو لا يكونون هم من يبت في المسائل التي تهمهم.

لا تقوم للمجتمع المدني قائمة ما لم تُنفذ العهود وتُحترم الاتفاقيات. فإذا ما وثق الناس بأن الآخرين قادرون على السيطرة على أنفسهم، يكون بوسعهم العيش معاً بقدر كبير من الاطمئنان.

يجب أن تكون هناك سلطة قسرية تجبر الناس، سواءً بسواءٍ، على تنفيذ مواثيقهم من خلال رادع العقاب الذي يكون أعظم بكثير من المنفعة التي يتوقعونها من نقضهم للميثاق*3

(3)

إن العنصر المهم في المجتمع المدني لدى (هوبز) يعود الى الجماعة المنظمة سياسياً، ويعني ذلك صهر الدولة (المجتمع الحاكم) مع المجتمع (الكلي)، بتأسيس طوعي واتفاق دائم بين الطرفين لإتاحة حرية التعبير لمنظمات المجتمع المدني في معاونة الدولة (الحكومة) وردعها بحالة انحرافها، فهذا يصنع عقلاً عاما يحمي المجتمع.

إن الطريقة الوحيدة لإقامة سلطة عمومية كهذه، سلطة قادرة على الدفاع عنهم بوجه غزو أجنبي، وبوجه المظالم التي يسببونها بعضهم لبعض، وبذلك يحيون في طمأنينة عندما ينالون قوت يومهم بنفس راضية بمعونة الصناعة أو غلال الأرض، هي نقل سلطتهم كلها الى شخص واحد قوي أو الى مجلس من الرجال يصهر إراداتهم كلها من خلال تعددية الأصوات في إرادة واحدة، فيقر كل واحد من أبناء المجتمع بما يفعله أو يقرره ذلك الرجل.

إن العمل السياسي هو الذي يؤسس المجتمع المدني، وليس ثمة اختلاف بين القانون والأخلاقية، وتوضع السلطة كلها في يد صاحب السيادة، أما القوة فهي التي تشكل الدولة والمجتمع المدني بالطريقة نفسها.

خاتمة لهذا الفصل

لم تحظ أفكار هوبز تلك بإعجاب عام في وقتها، أي في القرن السابع عشر، لأنه حصر السلطة في فرد ينال شرعيته من وسائل تحددها منظمات المجتمع المدني المنصهرة مع الدولة (الحكومة) من خلال لوائح داخلية تستند الى دستور ينظم علاقة الجميع.

لكننا في الوقت الحاضر ومن خلال تصفحنا للكتابات السياسية والفكرية التي صدرت في القرن الماضي (العشرين) وما يصدر من كتابات في هذا القرن، فإننا لا نستطيع تجاهل نظريات ذلك المفكر والفيلسوف وتأثيره على المفكرين الحاليين في مختلف أنحاء العالم.

يتبع



هوامش من تهميش المؤلف

*1ـ Thomas Hobbes, Leviathan, Edited by C.B. MacPherson (New York: Penguin 1985, p150.
*2ـ المصدر نفسه صفحة 186.
*3ـ المصدر نفسه صفحة 202


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس