عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-05-2011, 07:12 PM   #21
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

(15)
والحقيقة أن قصيدة شوقي لم تكن بمثل هذا التفكك الذي حاول العقاد أن يتهمها بثب ، والحقيقة أيضًا أن وحدة القصيدة ليست بمثل هذه الصرامة التي ترفض إمكان تقديم بيت من أبيات القصيدة أو تأخيره ، كما سنوضح بعد قليل،ولكننا إذا ما نحينا جانبًا هذه النزعة المتحاملة في كلام العقاد عن ظاهرة التفكك في شعر شوقي –وفي موقفه من شوقي عمومًا- فإنه يبقى لنا منه ذلك الإدراك الموضوعي الواعي لضرورة ترابط أجزاء القصيدة وعناصرها ، ونعيه على القصيدة المكونة من مجموعة من الأبيات المفككة المستقلة ، وعلى الذين "يحسبون البيت في القصيدة جزئًا قائمًا بنفسه ، ولا عضوًا متصلاً بسائر أعضائها ، فيقولون أفخر بيت وأغزل بيت وأشجع بيت ، وهذا بيت القصيد ، وواسطة العقد ،كأن الأبيات في القصيدة حبات عتقد تشترى كل منها بقيمتها ، فلا يفقدها انفصالها عن سائر الحبات شيئًا من جوهرها ، وهذا أول دليل على فقدان الخاطر المؤلف بين أبيات القصيدة ، وتقطع النفس فيها ، وقصر الفكرة ، وجفاف السليقة؛فكأنما القريحةالتي تنظم هذا النظم وبصات نور متقطعة لا كوكب صامد متصل الآشعة يريك كل جانب وينير لك كل زاوية
وشعبة ، أو كأنما هي ميدان قتال فيه ألف عين وألف ذراع وألف جمجمة ، ولكن ليس فيه بنية واحدة حية ، ولقد كان خييرًا من ذلك جمجمة واحدة على أعضاء جسم فرد تسري فيه حياة.(11)
ويعد هذا الكلام الذي كتب في بداية العقد الثالث من القرن العشرين من أنضج ما كتب عن وحجدة القصيدة في نقدنا العربي الحديث ، وقد تأثر بدعوة العقاد وأقرانه الكثير من الشعراء والنقاد والمثقفين عمومًا حتى أصبحت سمة من أبرز سمات الحداثة في القصيدة العربية الحديثة.
ولكنه ينبغي تقرير أن الوحدة العضوية في القصيدة ليست في وضوح وصرامة الوحدة في المسرحية والرواية اللتين تتسلسل أحداثهما ومواقفهما في ترابط وتماسك يضفي على البناء العام لكل منهما لونًا من الوحمدة الصارمة الوثيقة ، بحيث لو قدم منظر من مناظر المسرحية أو حدث من أحدجاث الرواية أو أخر عن موضعه لأصاب ذلك بناءها العام بالخلل والاضطراب ، أما وحدة القصيدة في على قدر كمن المرونة لا يرفض إماكن تقديم بيت من أبيات القصيدة أو مقطع من مقاطعها على سواه ، ودون أن يكون في ذلك إخلال بالوحدة ، ما دام ثمة نوع من الوحدة الشعورية والفنية يضم هذه الأبيات والمقاطع بعضها إلى بعض .(12)
__________________________
(11) السابق 131،132 .والوبصات : الومضات
(12)انظر : النقد الأدبي الحديث .ص411 . بل إن الوحدة العضوية في المسرحية والرواية ذاتهما لم تعد بمثل ما كانت عليه من الصرامة والرسوخ ،خصوصًا في الاتجاهات الروائية والمسرحية الحديثة التي لم تعد تعطي الحدث الخارجي وتسلسله ما كان له من أهمية من قبل ؛ حيث أصبح من الممكن في ظل هذه الاتجاهات أن تكتب مسرحية أو رواية دون أن تعتمد على أحداث خارجية ذات بال ، بل أصبح كسر التسلسل الطبيعي للأحداث والترابط المنطقي بينها تكتيكًا فنيًا من تكنيكات هذه المسرحيات والروايات التي لم تعد خاضعة لتلك الوحدة الظاهرية المحسوسة الصارمة ، وإنما أصبحت خاضعة لنوع من الوحدة أكثر خفاء ودقة.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس