عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 07-03-2021, 07:40 AM   #1
رضا البطاوى
من كبار الكتّاب
 
تاريخ التّسجيل: Aug 2008
المشاركات: 5,907
إفتراضي نقد كتاب حبس الطيور في الأقفاص

نقد كتاب حبس الطيور في الأقفاص
الكتاب من تأليف عبد الكريم الجميد وهو من أهل العصر وهو يدور حول حكم حبس الطيور في الأقفاص وفى المقدمة قال:
"أما بعد فقد علمت أنه كثر في وقتنا اقتناء بعض أصناف الطيور ، خاصة ذوات الألوان الزاهية والأصوات الحسنة حتى إنه صار لها مواضع خاصة يتاجر بها ، وأنها تستجلب من بلدان بعيدة لغرض إمتاع النظر والسمع ، فتحبس في أقفاص في البيوت ومحلات البيع ، وكأنها جمادات لا إحساس لها ولا شعور "
وفد استهل الكتاب بأن الناس فى عصرنا يستفتون وهم يريدون إباحة كل شىء حتى لو كان حراما ومن يفتونهم يساعدونهم على تحليل الحرام وفى هذا قال :
"وكعادة بعض أهل وقتنا إذا أرادوا فعل شيء مما أحدث ولم يكن له مثيل سابق فإنهم يستفتون ، وليس الشأن أن يستفتوا فيفتوا لأن هذا كثر جدا وكثر أهله لإضفاء الشرعية على كل شيء ، وإنما الشأن هل هذه الفتوى حق أم لا فالذين يفتون ويسوغون حبس الطيور ونحوها يستدلون بأدلة يغصبونها لمجارات ما أحدث في وقتنا مثل استدلالهم بحديث المرأة التي حبست هرة ، وأن العلة أن المرأة لم تطعم الهرة ولم تسقها ، وهو والله مخيف وكاف في الردع والزجر عن ظلم هذه المخلوقات والذي في هذا الحديث الشريف خبر من النبي (ص)بحادثة حاصلة ، وفي ضمنه التحذير أن يفعل أحد مثل هذا الفعل وإنه لتحذير هائل عظيم ! ، فهذه المرأة - التي حبست الهرة - مسلمة ، وإنما صار سبب دخولها النار هذا الأمر ، ومن ذا يطيق عذاب النار والعجب أن يستدل بذلك على تسويغ وتهوين حبس الطيور في الأقفاص الذي كثر وانتشر وأكثر ما يفعله المترفون الذين لم يذكرهم الله - عز وجل - في كتابه الكريم إلا بالذم ويحذر الناس أن يسلكوا مسالكهم
وليس في هذا الحديث مستمسك لهؤلاء ، ولكنه خبر خرج مخرج التحذير من التعرض للظلم ولما يوصل إلى العذاب الأليم
ومعناه أن المرأة أساءت إلى هرة وظلمتها بحبسها ، وزادت في شرها وعدوانها أنها لم تطعمها وتسقها ، فاستدلالهم باعتبار أنها لو أطعمتها وسقتها فليس في ذلك شيء ؛ وهذا غلط ظاهر ، فالمنهي عنه هو الظلم حتى لهذه المخلوقات المحتقرة ، وهذا خلاف الصائل فإنه يقتل سواء القطط أو غيرها ولا يعذب ، وعند أهل العلم قاعدة شرعية تبين ذلك وهي ( ما آذى طبعا قتل شرعا ) ، وليس هذا هو موضوعنا "

وفى الفقرة السابقة تناول رواية الهرة وأنها لا تصلح لتحليل حبس الطيور فى الأقفاص وزاد فقال:
"فقصة الحديث لا تصلح إطلاقا كدليل يسوغ ظلم المخلوقات الحية ، بل قصته أعظم رادع وزاجر ومحذر من الظلم ؛ ومن ظلم المخلوقات ما يفعله البعض من حبس الطيور في الأقفاص وإذا كانت العلة على رأي المسوغين حبس الطيور أن المرأة لم تطعم الهرة ولم تسقها ، فهل إذا حبس إنسان ظلما وأطعم وسقي يكون ذلك غير ظلم له ؟! ، بل هو ظلم ؛ وإنما منعه الطعام والشراب زيادة في الظلم والعدوان فإن قيل ( هذا صحيح بالنسبة للإنسان ، ولكن هذه الطيور ونحوها ليست كالإنسان ) ، فيقال حبسها ظلم لها لأنها لم تخلق ليضيق عليها ، ولا ريب أنها تتألم بذلك الحبس ، وغاية ما هناك أننا لا نفقه لغاتها ، ولاشتراك الناس في العلم أن حبس الطائر في القفص عذاب له فهم يقولون " المؤمن عند الذكر والموعظة كالسمك في الماء ، والفاسق كالطائر في القفص "
وما يدري حابسها أن أصواتها التي يتلذذ بسماعها حنين وبث شكوى لخالقها ، ولقد وسع الله لها الفضاء وأعطاها أجنحة تطير بها فيه كما أعطاك قدمين تسير بهما على الأرض وأنت من أجل هواك تضيق عليها وتظن أنها تغني لكي تطربك ! ؛ فالقياس إذن على حديث المرأة والهرة فاسد من الأصل ، ولكن كثيرون في وقتنا زادوا على ما قاله الإمام أحمد ( أكثر ما يخطيء الناس من جهة التأويل والقياس ) ، فيؤولون ويقيسون دون تحقيق ! ، فهم يلتمسون من الشريعة على ما أحدثوا ما لا يطاوعهم إلا قسرا وغصبا وبالعكس فالحديث زاجر ورادع لمن يعقل أن يقترب من مثل هذا الفعل فلو قال ( أنا أحبس الطيور وأطعمها وأسقيها ) فقد تبين أن العلة ليست فقط في عدم ذلك ، وإنما هي في الظلم أيضا ، وإذا كان هذا الوعيد المتحقق في شأن هرة فكيف بمن يظلم الناس ؟!
ويقال أيضا لهذا أنت تنشغل وتنسى ويعرض لك ما يعرض مما يشغلك عن تعاهدها ، ولا مصلحة بجانب هذه المفسدة وقد حصل من موت الطيور ونحوها لهذه الأسباب الكثير ، ومن شاء فليسأل أربابها
فالمفسدة كبيرة بالحبس وحده مقابل لا مصلحة لأنه إذا كان التسلي بإيلام هذه المخلوقات مصلحة فهذه لاشك أمزجة منحرفة "

مما سبق فند الرجل المسألة بالقياس على رواية الهرة وأنها لا تصلح فى الطيور ثم بين أن المطلوب هو رحمة الحيوان أيان وأن حبسه ليس من ضمن تلك الرحمة فقال:
" والمؤمن مطالب بالرحمة والإحسان ومنهي عن التجبر والظلم ، وعلى العاقل أن يفكر في شأن حابسة الهرة وساقية الكلب وقد أخرج البخاري في « صحيحه » برقم ( 2234 ) ومسلم برقم ( 2244 ) عن أبي هريرة أن رسول الله (ص)قال ( بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش ، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج ، فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش ، فقال الرجل " لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني " ، فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب ، فشكر الله له فغفر له ) ، قالوا يا رسول الله وإن لنا في هذه البهائم لأجرا ؟! ؛ فقال (ص) ( في كل كبد رطبة أجر ) فالبغي غفر لها بسقي كلب ، وصاحبة الهرة دخلت النار بحبسها وظلمها ! وبعض الناس قد يكون غافلا عن ذلك فالحكمة ضالة المؤمن ويستدل بعض من يهون حبس هذه الطيور بما ورد في شأن الزينة مثل قوله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } الآية
والآية مناسبة نزولها كما روى ابن عباس { حيث قال ( كانت المرأة تطوف بالبيت عريانة فتقول من تعيرني تطوافا ؟ ، فتجعله على فرجها وتقول
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فنزلت { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } ) ؛ وفي رواية أخرى ( فنزلت { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق }
وقد رأيت من تحميل المتأخرين لهذه الآية عجبا حيث يستدلون بها على ما فتح عليهم من التشبه بالكفار وغيره ولا يريدون أن يعترض طريقهم أحد ! ، وانظر كيف يستدلون الآن بالآية على عذاب مخلوقات الله"

قطعا آية الزينة لم تنزل فى طواف المرأة عارية فى الكعبة فهذا امر محال حدوثه لأن الله ينزل العذاب الأليم على من يقرر أى يرد فقط ارتكاب ذنب وليس من يفعله فى الكعبة لأنه يهلك قبل الفعل كما قال تعالى " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم"
وإنما الزينة هنا متاع الدنيا الحلال من الطعام والشراب وهو ما فسره الله به وهو الطيبات من الرزق
والزينة فى الآية الثانية لا تعنى الجسم ولا اللباس وإنما تعنى طاعة الله فى كل أمر فهذه زينة المسلم
ثم حدثنا عن استدلال المحللين للحبس بآية الركوبات فقال:
"كذلك يستدلون في شأن الزينة بقول الله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون } الآية ، وهذا تحميل لهذه الآية ما لا تحتمل ، والزينة إذا كان فيها ضرر لمخلوق فهي ظلم ، وقد تبين الضرر بحبس الطيور في الأقفاص ، وأما هذه الزينة التي ذكر الله - عز وجل - فليست على حساب التضييق على هذه المخلوقات ، وزينة الطيور بألوانها وأصواتها ليست لتعذب بها بالحبس "
الاية لا علاقة لها بموضوع الحبس فهذه المخلوقات خلقت لزينة أى منفعة أخرى غير ركوب الناس وهى حمل أثقال الناي للبلاد الأخرى فالزينة المرادة عند الناس وهى الجمال والاستمتاع بالمنظر لا علاقة لها بهذا الموضوع فالجمال عند الله هو المنقعة وليس المنظر كما قال تعالى " ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" فالمنفعة من الركويات متحققة عند الراحة وهى عدم السفر بالركوب عليها داخل البلدةلقضاء مناقع فى الزرع والحرث والحمل وعند السروح وهو السفر بها إما ركوبا أو حملا
وبين الجميد حب الإنسان للجمال فقال:
"كذلك كون الإنسان يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا ، فهذه لا مفسدة فيها ، ولذلك يقول النبي (ص) ( إن الله جميل يحب الجمال ) ، فالجمال الذي يحبه الله ما ليس فيه إسراف ولا مخيلة ولا ضرر فيه على مخلوق وزينة الحياة الدنيا مذمومة ، ولذلك يقول سبحانه { زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب } ، وفاعل التزيين في قوله تعالى { زين للناس } محذوف وهو الشيطان ، وما زين لهم تلك الشهوات إلا ليغتروا بها ويستدرجوا بزينتها ؛ وتأمل آخر الآية { والله عنده حسن المآب } وقوله سبحانه بعد ذلك { قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد } "
والخطأ فى الفقرة هو أن زينة الدنيا مذمومة والمذموم هو فهل الإنسان الممثل فى ارتكاب الذنوب وأما المتاع فهو حلال أو حرام كما بين الله طرق التعامل فيه
وبين الجميد أن الاستدلال بالزينة على حبس الطيور أمر فاسد

رضا البطاوى غير متصل   الرد مع إقتباس