عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-12-2006, 01:53 AM   #44
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

ولا يؤثر فى توحيد المسلم زيارته لقبر النبى أو مدحه بعد الآذان ، وليس فى التوسل برسول الله حياً وميتاً أدنى غضاضة أو توهم شرك أو إبهام نقص فى حقه تعالى ، فإن المتوسل بهم معتقد وقائل : إنه لا فاعل ولا خالق إلا الله تعالى ، وانما التوسل بالولى والنبى سبب من الأسباب العادية التى يخلق الله الشىء عندها أو بها .

ان فتنة التكفير على أساس تشريك المخالف فى الرأى نبتت وذاعت مع دعوة ابن تيمية ثم ابن عبد الوهاب ، وهى تخالف ما اعتقدت الأمة بصوابه ، فقد قال ابن كثير (رغم أنه من تلامذة ابن تيمية) : ان مكة أفضل من المدينة إلا موضع القبر الشريف ، وليس ذلك إلا لوجود جثمان النبى (ص) فيها .

وخلاصة القول إن أمة محمد (ص) نجت من الشرك الايمانى باعتقادها أن الله ليس كمثله شىء ..

3 – اختصاص رسول الله (ص) بما لا يحصى من العلوم الغيبية :

من القضايا التى أثارها الفكر التكفيرى ما قاله ابن عبد الوهاب : " وما يتفوه به عقلاء مشركى زماننا (يقصد المسلمين واتهمهم بالشرك والكفر) بأن المراد هو نفى العلم والدراية التفصيلية المستقلة ، ولا ندعيه ولا تنفى العلم بإعلام الله الذى ندعيه أو أنه كان فى أول الأمر ثم ألقى الله عليه علم الأولين والآخرين وجعله مطلعاً على ما يكون إلى قيام القيامة وأمثال تلك الهفوات فهو ابتداع فى الدين " .

وقد رد علماء مكة المعاصرين لابن عبد الوهاب بقولهم : التسليم الحق عبر عنه بهفوة عقلاء مشركى زمانه ، ويسمى ما صح عن رسول الله (ص) هفوة وابتداعاً فى الدين .

لقد جاء فى البخارى أنه صلى الله عليه وسلم (كما أخبر ابن أخطب وابن حذيفة) أخبر بما هو كائن إلى يوم القيامة .

وفى الشفا " وبحسب عقله كانت معارفه (ص) ما علمه الله وأطلعه عليه من علم ما يكون وما كان ومن عجائب قدرته وعظيم ملكوته ، قال الله تعالى (وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيماً) سورة النساء / 113 " .

وفى القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على علمه (ص) مآله ومآل أصحابه وأهل بيته وعامة أمته جزما لا يحومه شبهة بإعلام الله تعالى ووعده الصادق غير المكذوب (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً) البقرة / 143 ، وقال (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد ، وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) النساء / 41 .

ان قضية اختصاص النبى (ص) بعلوم الأولين والآخرين من القضايا التى اعتقد المسلمون بصحتها والآية القرآنية تقول (ما فرطنا فى الكتاب من شىء) ، وهذا معناه كل العلوم .

وحتى لو لم يختص النبى الأعظم بهذه العلوم ، فليس من شأن جماعات التكفير تكفير من يقول بهذه الخصوصية ، لأن ذلك مناطه القلب والإيمان ، ولا يحب تكفير الغير بسبب قولها، مع التأكيد على أن التشهير بمن قال بها من القضايا الحديثة التى لم تثر من قبل على نطاق العامة ، وظلت حبيسة الكتب ، ولكن التكفيريين أذاعوها وأحدثوا البلبلة من حولها معتقدين أنهم يصححون توحيد الأمة ، فهل من تصحيح التوحيد نفى إحاطة النبى بالعلم الذى أعطاه الله إياه .

4 – حقيقة شفاعة رسول الله (ص) لأمته :

قال ابن عبد الوهاب فى رسالته : وقد نص الله على هذا بقوله (ويعبدون من دون الله ما لا يملك لهم رزقاً من السموات والأرض شيئاً ولا يستطيعون) سورة النحل / 73 ، وقال الله تعالى : (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك شيئاً ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) يونس / 106 ، وقال : (قل إنى لا أملك لكم ضراً ولا رشداً ، قل إنى لن يجيرنى من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا) الجن / 21-22 ، انظروا انه أمر الله تعالى محمداً بإظهار عدم ملكه لأمته ضراً ولا رشداً ، ثم قال : فمن قال يا محمد ، فقد خالف الله ورسوله وكفر فإنه جعل أنه يملك له ضراً ورشداً .

كما قال ابن عبد الوهاب : قال الله تعالى (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة فى السموات ولا فى الأرض وما لهم فيهما من شرك وماله منهم من ظهير ، ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له) سبأ / 22-23 ، بهذه الآية قد قطع الله عروق الشرك بشعبها.

فإن من تُسأل عنده الحاجات وينادى فى الشدائد إما أن يكون مالكاً ، وإما أن يكون شريكاً، وإما أن يكون ظهيراً ومعاوناً ، وإما أن يكون شفيعاً عنده ، وكلّ منها منفى .

فتم إلزام الله على المشركين الذين يسألون المخلوقين وينادونهم مع زعم أنهم أدون من الله أما السابقون فاللات والعزى والسواع ، وأما اللاحقون فمحمد وعلى وعبد القادر ، والكل سواء فإن الله تعالى لا يقبل الحذر فى الشرك ولو كان مع نبى .

ومن غاية ضلالة المشركة اللاحقين اعتزازهم بالشفاعة وكان هذا مرض المشركين السابقين كما قال تعالى (ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله) يونس / 18 ، ولا يفقهون أن الله شنع عليهم بهذا الاعتقاد وصيرة شركاً وكفراً . أ.هـ كلام ابن عبد الوهاب .

لقد قرن ابن عبد الوهاب بين اللات ومحمد .. هكذا ، فأساء الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

لقد أنكر شفاعة محمد (ص) ونسى أو تناسى إلا لمن أذن له فى آية سورة سبأ عند ذكره اختصاص الشفاعة لله ، والإذن من الله لا يكون إلا للمقربين منه خصوصاً سيد الخلق محمد (ص) ، والآية الآخرى تقول صراحة (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً) النساء / 64 ، كذلك الآية الكريمة تقول (جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم) الرعد / 23 ، أى صلح دخول الجنة.

والحقيقة أن قضية الشفاعة لم تكن من القضايا التى تثير خلافاً عاماً من حولها ، لقد أحب المسلمون النبى ورجوا أن يشفع لهم عند الله تعالى .

ولكن فكر التكفير صاغ القضية فى قالب تكفيرى يعتقد بشرك من يقول بها ، وصوتهم العالى وهياجهم المستمر جعلهم يخوفون الناس خاصة أنهم اعتنقوا فكر الخوارج القدامى الذى كفر كل من عاداهم ، وقتلوا أمير المؤمنين على بن أبى طالب بذريعة أنه لا يحكم بما أنزل الله.

5 – حرمة دم الإنسان فى القرآن الكريم والسيرة النبوية :

يقول الله فى كتابه الكريم " يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم فى سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً ، تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة ، كذلك كنتم من قبل فمنَّ الله عليكم فتبينوا ان الله كان بما تعملون خبيراً " النساء / 94 .

الآية الكريمة لا تعطى لأحد من الناس نزع صفة الإسلام عن المخالف فى الرأى طالما أنه ينطق بالشهادة ، ومن الطبيعى أنها لا تجعل لأحد من البشر التفتيش فى الصدور والتنقيب عن خائنة الأعين وما تخفى الصدور ، فهذا أمر اختص الله به نفسه .

وجاء فى صحيح البخارى هذا الحديث : عن أبى سعيد الخدرى قال : بعث على ابن أبى طالب (رضى) إلى رسول الله (ص) من اليمن بذهبيه فى أديم مقروظ فقسمها بين أربعة نفر، بين عينية بن حصن وأقرع بن حابس وزيد الخيل والرابع إما علقمة وإما عامر بن الطفيل، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء ، قال فبلغ ذلك النبى (ص) فقال : ألا تأمنونى وأنا أمين من فى السماء يأتينى الخبر من السماء صباحاً ومساء ، قال فقام رجل غائر العينين مشرف الوجنتين ناشز الجبهة كث اللحية محلوق الرأس مشمر الإزار ، فقال يا رسول الله : اتق الله ، قال : ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقى الله ، قال : ثم ولى الرجل ، قال خالد بن الوليد : يا رسول الله ألا أضرب عنقه ، قال : لا لعله أن يكون يصلى ، فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس فى قلبه ، قال رسول الله (ص) : إنى لم أومر أن أنقب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم) .

هذا رسول الله لم يعنف ولم يلم من خاطبه بلهجة قاسية ، ولم يهدر دمه ، ولم يقل له قولاً عنيفاً ، وقال لعله يصلى ، وأنه لم يؤمر بأن ينقب عن قلوب الناس ، هذا فضلاً عن تكفير الناس وإخراجهم من المـلة كلها بكلمة ومن ثم استباحة دمائهم دون محاكمة ودون اعلان ودون استتابة.

ولكن الدعوة التكفيرية انطلقت دون الاعتماد على القرآن الكريم أو السنة النبوية أو السيرة الشريفة ، فأخذوا من القرآن ما جاء بحق المشركين والكافرين وطبقوه على المسلمين ، فقالوا ان دعاء الأموات وخاصة الأولياء والأنبياء والصالحين شرك مخرج من الملة ، وأنهم كفرة يجب قتالهم وسبى ذراريهم ونسائهم وبناء على هذه الآراء التكفيرية قاموا بقتل المسلمين فى الطائف ومكة المكرمة ، والمدينة المنورة وفى عسير والاحساء وكل منطقة تقع تحت سيطرتهم ، مما كتبناه فى بحث عن أسلمة الحجاز بين التأويل والتنزيل الدينى .

فرق دعاة التكفير بين المسلمين وجعلوهم شيعا بعد أن انتشر الفكر وأباح دم المسلم ، وكذلك غير المسلم فرغم أن القرآن الكريم (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه) ، الأمر إذن واضح أن الإنسان فى القرآن الكريم له حرمة مهما كان دينه وعقيدته ، بل إن القرآن الكريم اعتبر الكفر ديناً ، فخاطب الكافرين " لكم دينكم ولى دين " ، ولم يحدث أن مارس النبى (ص) القتل العقائدى تحت أى مسمى ، ولم يشن أى حرب هجومية فكل غزواته وسراياه التى بعثها كانت لصد الهجوم ، أو لمنع اعتداء ، ليس ذلك فقط كان يطلق الأسرى بعد أن يحسن إليهم .

أما دعاة التكفير فانطلقوا يشيعون الخراب الفكرى لذاكرة الأمة وقالوا بحرب المسالمين من المسلمين بحجة كفرهم ، وقتل غير المسلمين المسالمين بحجة أنهم كفرة أيضاً ، وورث شباب الجماعات الإسلامية هذه المفاهيم وقاموا بحرب الجميع مواطنين من مسلمين ومسيحيين ، وقاموا باستعداء الغير على الإسلام عموماً ، ثم شنوا الرعب فى الديار الإسلامية ومنها الدار التى نشأ فيها فكر التكفير بنفس الحجة التى قامت عليها الدولة السعودية ، ذلك أن الفكرة دائماً ما تثمر كالشجرة تنبت من نفس ثمارها ، وشجرة التكفير لا تنبت إلا التكفير والتكفيريين .

وهذا هو السبب فى تسلط حكام السعودية وفقهائها فى الإشراف على الحجاز بحجة منع الشرك، وكأن المسلمين طوال تاريخهم كفرة مشركون ، فهدموا الأضرحة والمقامات والبيوت التى عاش فيها النبى والصحابة وأهل البيت جميعاً ، ووأدوا كل فكر يخالف فكرهم رغم أن هذا الفكر بعيد كل البعد عن المنهج الإسلامى الصحيح كما رأينا فى الصفحات السابقة .

فكر التكفير وأهل البيت :

كان من الضرورى إلقاء الضوء على نظرة أهل التكفير لأهل بيت النبى (ص) ، لأن هذا مما اختلفوا فيه عن كل المسلمين الذين رأوا أن حب أهل البيت فرض عليهم وقال الإمام الشافعى رضى الله عنه شعراً :

السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس