عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 02:28 AM   #7
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

يريد هابرماس البحث عن حل عقلاني للتقنية التي أطبقت على

العالم المعيش واستفردت به من جميع الجهات، فهو يقر بأننا

نعيش عصر الرأسمالية المتقدمة القائمة على التقنية، بل إن

شرعيتها أصبحت مستمدة منها. فلا سبيل إذن للهروب منها إلى

جداريات الماضي وأطلاله، ولا مناص أيضا بالاعتراف أن

التقنية تعمل بشكل مختلف عن الأيديولوجيات التقليدية لتبرير

شرعيتها، وما يميز التقنية عن الأيديولوجيا أنها استطاعت أن

تخلق مصالح مرتبطة بوجودها بين جميع الطبقات والشرائح

المختلفة، بل اخترقت حدود الجغرافيا والأمم، جميع حدود

الطبقات والدول وحدود الأديان والمعتقدات والأيديولوجيات.

نتبين ذلك جيدا عندما يعود هابرماس إلى ماركس الذي كان أول

هلل للعلم ورفع شعار التقدم والتمايز الذي ظهر بين المجالات،

بحيث صرنا قاب قوسين أو أدنى من تسخير الطبيعة والتحكم

بها بفضل العلم. الأمر الذي مهد من انتقال آليات التحكم

بالطبيعة إلى مجال الحياة الاجتماعية ذاتها. فصرنا نحاول تنظيم

حياتنا بغاية الفعالية والنجاعة والتنظيم الحسن والترشيد

المعقلن الذي يذلل تطويعها إلى أبعد حد. ومن أهم مظاهرها في

عالمنا المعاصر التكنوقراطية صنوة التقنية إن لم تكن

صنيعتها:<< فمن جانب، نلاحظ أن الوعي التكنوقراطي "أقل

أيديولوجية" من الأيديولوجيات السابقة (الماورائية

والميتافيزيقية منها)، لأنه يستأنس بالخبرة المقدمة وليس له

اهتمام بأحاسيس الإنسان والتقاليد الأبوية الرحيمة، بل يجهز

عليها إجهازا.

ومن جانب آخر، إن الأيديولوجيات الأكثر شفافية اليوم والتي

تسود في خلفياتنا وتجعل من العلم صنما، لا تقاوم وتذهب أبعد

من الأيديولوجيات التقليدية، لأنها بحجبها لمشاكل العدالة

الاجتماعية والمساواة لا تبرر فقط مصلحة جزئية في السيادة

لطبقة محددة، وإنما تقمع في نفس الوقت مصلحة جزئية في

التحرر لطبقة أخرى، بل لأنها أيضا تضر بمصلحة الجنس

البشري كله في التحرر>>[11]

مرد ذلك أن ماركس يثق في التقنية كوسيلة لتحرير الإنسان من

الاستيهام الحالم والأسطورة لأنها محايدة، وهي إيجابية لأنها

مرتبطة بتقدم العقل البشري، كما أنه يفترض من خلالها تطورا

مطردا لهذه التقدم نتجاوز بموجبه تفسيرات الإلهام السحري

للطبيعة التي يسعى العلم أن يكبح جماحها ويشل قدراتها والتي

ينتقدها في حينها.

ولا يتميز كل من ماركس وانجلز عن ما سواهم من المؤرخين

بتفضيلهم للعلاقة الموجودة بين العلم والتقنية فحسب، ولكن

لأنهما غيَّرا معنى طبيعة العلاقة التي جرت العادة إعطاءها لهما.

فمن دون شك يشجع تطور العلم تطور التقنية، لكن التأثير

العكسي هو ما يبدو في نظريهما جدير بالأهمية في هذه العلاقة

الجدلية:<< إذا كانت التقنية كما تقولون، متوقفة بالطبع وإلى

حد كبير على حالة العلم، فهو بنفسه متوقف أكثر بكثير على

حالة واحتياجات التقنية. ومتى برزت في المجتمع حاجة تقنية

كان ذلك محركا للعلم أكثر مما تقدر على فعله عشر جامعات.>>

[12] ويعتمد ماركس تصورا لآلية التغيير التاريخي على

المستوى الاجتماعي، لا تلبث أن تتغير من خلاله علاقات الإنتاج

القائمة التي توجد في صالح البرجوازية إلى صالح القوى التي

تدفع عجلة التاريخ إلى الأمام، فالتراكم الذي حققته الإنسانية في

جميع مجالات الحياة لم يكن ممكنا من دون تطور أدوات

الإنتاج، والتي كان من المتعذر أو المستحيل حل إشكالاتها من

دون التقنية.

وبتركيز شديد، تصبح التقنية عند ماركس ايجابية وبناءة، لأنها

مرادفة لتسخير الطبيعة ومفتاح التقدم وتطور قوى الإنتاج،

والمطلوب فقط تخليصها من سيطرة فئة معينة وتخليص قوى

الإنتاج من قبضة رأس المال والاستغلال وتخليص الإنسان من

الاستلاب.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس