الموضوع: حكايةٌ عن جدتي
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 15-11-2010, 01:59 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

[size="4"]
ألبستُ حلمي من ثياب سمائي
وأُ ذبتُ لحناً في حروف ندائي
كعادة شاعرنا العزيز يبدأ بالشكل المعتمد على الإبهار من خلال تحطيم العلاقة التقليدية بين الدال والمدلول من أجل
إدخال القارئ إلى عالم القصيدة من بوابة علوية لا يشعر القارئ بأنه فيها إلا عندما تنفتح أمامه مزالجها الخضر
وتبرز فجأة صور الياقوت والمرجان والزمرد وعالم الأحلام أمامه .كان تعبير ألبست حلمي ، ثم تعبير ثياب سمائي
استهلالاً رائعًا للقصيدة تلك التي يكون الحلم فيها مشخصًا كأنه إنسان ويلبس ثيابًا لكنه هي الأخرى من نسج السماء.
في تلك الحالة التي يقف المتلقي فيها مدهوشًا لما يشاهده من قدرة على تخليق الدلالات ذات الطابع التصويري الرائعة
نجد الصوت يتعانق مع الصورة بذوبان اللحن في حروف النداء .إننا أمام صورة مركبة في هذا البيت المفرد .. الحلم
المرتدي ثياب السماء واللحن المذوب في حروف النداء والتعبير بضمير الفاعل التاء جاء ليوضح دور الإرادة في هذا الجو وكأنه ينعي غيابها الذي سيفصل وجوده فيما بعد .لكن دعونا قليلاً مع هذا البيت الرائع إذ يكون الحلم عاريًا وهذه
الحالة من العري تقتضي البحث عن كيفية للستر ، وإذ بنا نفاجأ بأن الساتر أو الثوب هو السماء ،وتبدأ آفاق التأويل بالاتساع بحجم السماء عندما يكون الحلم هو هذه النجمة التي العارية التي تلبس ثوبًا أبيض شفيفًا بلون السحاب
في إشارة قد تكون غير مقصودة إلى العلم العراقي تكون النجمة فيه هي الحلم والعلم هو السماء ،والرابط بينهما هو
رفرفة العلم في السماء وفي هذه الصورة الباهرة يبدأ النداء ، والمنادى هنا مستتر تقديره -ربما - الوطن أو السعادة.

وحملتُ الواحَ الصليبِ بمهجتي
وزرعتُ عمري في جرار بكائي
ثمة مشهد يعبر عن انتقال الحالة من خلال حمل الصليب والبكاء وهذا الموروث الديني يتخذه العديد من الشعراء للتأكيد
على فدائيتهم وإخلاصهم للمبدأ الذي يؤمنون به ، لكنه انتقال مفاجئ ما سببه ؟ ربما تجيب الأبيات التالية عنه،لكن هذا الانتقال إلى حالة الحزن جاء ليشعر القارئ بأن تحولاً أشبه بحالة التذكر أو الاسترجاع تم في تعبير الشاعر عما صار
وآل إليه حاله ..

لا شئ غيرَ طيوفِ آلاءٍ أرى
بسحابةِ الغراف تشبِعُ لائي
إني شحوبُ الصبرِ بدّدني المنى
بينَ إعتراكِ الذاتِ في أسمائي
بينَ الحقيقةِ في عيون ِ ثمالةٍ
من حسّ ِ خمري تستقي أنبائي
إن العالم الشعري يتشكل من مدخلات كلها يطغى عليها الطابع الأسيّ ،فشحوب الصبر، وتبدد المنى
واعتراك الذات ،إشباع اللاء يتحرك الشاعر باحثًا عن الخلاص من هذا الحصار الذي دخله ، لعل مفتاح
هذا العالم الحزين هو اللاء المشبعة التي تعبر عن صوت صدى بعبارة (لا)المشبعة أي الممدوة فحرف الألف
ألف المد في (لا) يبرز كأنه نداء الواقع الذاهب إلى الخيال الجميل الذي افتتح به الصورة ، مما استدعى فيما
بعد شحوب الصبر ،كأنه صوت يقول (لا)ليخرجه من حلمه الجميل الذي افتتحه بالمفتح الرائع المتقطر رومانسية
وتأتي عبارة(اعتراك الذات)لتوضح حالة من الصراع النفسي الذي لا يدري معه الشاعر أيكون اسم الفرحة أم الحزن
هو اسمه ،لشدة ما توارد عليه من حوادث ولعل هذه الأبيات يسقطها الشاعر كذلك على لسان البلاد التي تنوعت فيها
الأعراق والأجناس والأديان ولكنها لا تبدو قادرة على الارتفاع إلى مصاف الحلم الذي كان فيه. ومن مدخلات هذا العالم يتخذ الشاعر أو يختار رمزًا ما ليكون مفتاح القصيدة ، فهل هي الأسماء أم الخمر أم اللا؟تلك الحقيقة المستقاة من من حس الخمر والخمر ها هنا رمز النشوة الكاذبة التي حينما ينتهي شربها تتكشف الحقائق الواضحات .. غير أني أرى البيت به نوع
من الإغراق في الرمز وذلك في تعبير (عيون ثمالة )بما يؤدي إلى حالة من التمويه والتعمية غير الموظفة نصيًا . ولم لا يكون الخمر هو عالم الشعر الذي أدمن الشاعر معاقرته وقد كان قرينه في جميع القصائد السابقة؟ إن الشعر يؤدي لصاحبه وظيفة تختلف باختلاف واقعه ، فهو خمر قد يدخل النشوة وقد يخل توازنه ، ولعل الشاعر ها هنا يشير إلى هذا الشعر الذي كان أداة نبوءته لهذا الواقع المرير الذي لا خلاص منه .

وتجيرُ أسرابَ المواجعِ نخلتي
عندَ أغتــفارِ محطةِ الغرباءِ
في كلِّ عرقٍ تستضيمُ مدينة ٌ
قرأت عيونَ تسائُلِ الفقراءِ
تعود إلى الصورة مرة أخرى النخلة ويأتي تعبير (أسراب المواجع) بدلاً من أسراب الطيور عبقريًا في التعبير عن واقع الشعب العراقي الذي صار وكأنه طير حائر أو وجع طائر ،وسبب ذلك هو (محطة الغرباء) ولكن العبقرية تعود لتطل علينا برأسها مرة أخرى في تعبير(محطة) فكونها محطة فهذا يعني أنها ستُتجاوَز وستكون من جملة ما مر عليه القطار لاحقًا .ولا أعرف التعبير الصحيح هو تستضام مدينة أم تستضيم مدينةُ؟ ولعل الأصح تَـستضيم مدينة ً .وهنا تبرز ظاهرة قد يكون غيري أقدر مني على الخوض فيها وهي كثرة التعبيرات ذات التركيب (المصدر+المضاف إليه) اغتفار محطة،تسائل القراء،احتراق الميم ، اعترك الذات ، هل هي إشارة إلى واقع ما زال ولم ينته بعد ؟ وكذلك احتراق الميم هي الميم تعبير له دلالة كتعبير (نون) عند الصوفية ؟ هل الميم المحترقة هي ميم كلمة (أم)، تبقى هذه الدلالةبحاجة إلى قدر كبير من البحث لمعرفة سر ما تحويه من مدلولات .
أبصرتُ عند المستحيلِ سواحِلي
وسفينتي نجمٌ بغيرِ ضياءِ
ومواقِدِ الأرق ِ القديمِ توقـّدت
بعد َ إحتراق ِ الميمِ في أحشائي
ذكرايَ أشبهُ بالطيورِ مواجِعٌ
ترتدُّ من غسق ِ السنين ِ ورائي
لتعيدَ أطفالَ النخيلِ وشطهم
والكركراتِ البيض صوتَ غناءِ
وتحطُ من أفقِ الزمان ِ مدينة ٌ
وجهَ الجنوبِ بـــــبـسمةِ البسطاءِ
حيثُ السطوح حكاية ٌ عن جدتي
والأفقُ أشرعة ٌ لسحرِ هوائي
ينقلنا الشاعر بطريقة الاستدراك مرة أخرى إلى هذا العالم الرائع بعد حالة الأسى المتمثلة في سواحل المستحيل
والنجوم المسلوبة الضياء ، ومع حركة الطير وارتداده إلى الخلف يعود الشاعر بحركة ذكية للغاية إلى الوراء
حيث الحياة التي تتسم بالسهولة والرقة وتنساب الشاعرية من كل حرف من معانيها .
وننتقل من ثم إلى الجانب الذي
كنت قد ذكرته من قبل وهو علاقة ذلك الموضوع بالواقع الاجتماعي والعنوان ..
في مثل هذه الحقبة المسبوقة بـ(كنا)اتسمت الحياة بقدر كبير من البساطة والهدوء ، كما كانت تتسم بهذا القدر من
الشاعرية والتي تعد حكايا الأجداد والجدات أحد مكوناتها في اللاشعور الفردي والجمعي ، ومن مظاهر هذه الحياة
اليسيرة الماتعة (الممتعة)سطح المنزل والذي كثيرًا ما كان الأهل يجتمعون فوقه يتسامرون قليلاً ويفطرون في رمضان
ويطير الأطفال الطائرات الورقية ،ويعدون خلف الدجاج ..وكل هذه المظاهر من المظاهر التي يصدرها الشاعر واجهة
للتغير الطارئ على بلاد الرافدين ، والتي أطاحت بهذه الصورة ومسخت العديد من مكونات هذا الماضي الجميل.
ولك أن تستمتع أخي القارئ بهذه الأوصاف ، التل أضرحة النجوم ، إذ أنه يسمى بأسماء العديد من القادة والمشاهير
في سائر مجالات الحياة لذلك هو أضرحتها من خلال شكله القببي ، كما أن روعة التعبير (معجونة الأضداد)يشي عن
هذا الارتباط والتلاحم بين سائر وشتى مكونات النسيج العراقي العظيم ، ولك أن تقف أمام هذه الصورة أيضًا :واحاتنا سحر المرايا إذ هي ملتمعة كالمرايا ، ويتحول بعد هذه الأوصاف الجميلة إلى التعبير نرمي بعظم الليل ثم نطوفه ، فبقايا
الليل هي الحكايا الجميلة والتي استحالت بعد ذلك عظامًا بسبب ما طرأ عليها من التغير ونهاية الليل تكون كالعظام التي تُرمى ولعل هذ التعبير فيه بعض من الغرابة إذ أن العظم لا يستقيم في دلالته الوجدانية مع الفراش وسحرالليالي ..ولكن الشاعر يفاجئنا بعد بتعبير مؤلم (جرم الإخاء) ،(وضع الصواع) ، ليكون الشاعر متحدثًا بسخرية عن الصنيع الذي صنعوه حتى يكون
هذا هو عقابهم ، ويستخدم تعبير جرم الإخاء ليزاوج بينه وبين الإخفاء ، كذلك وضع الصواع في إشارة إلى إخفاء نبي الله
يوسف عليه السلام صواع الملك ليذكر الإخوةبصنيعهم فيه

كنّا بلاداً في بلادِ تعجبٍ
معجونةَ الأضدادِ بالأجزاءِ
فالتلُ أضرحةَ النجومِ وضوؤها
سحبُ الرقيمِ لـــــــــسائرِ الشعراءِ
كنّا كما كانَ الربيعُ بأرضنا
خيماً تلمُ فرائِدَ الصحراءِ
واحاتنا سحرُ المرايا عابثاً
بينَ السماءِ وضحكةِ الأنواءِ
نرمي بعظمِ الليلِ ثمّ نطوفهُ
بحث الفراشِ عن الرحيق الناءِ
لم نرتكب جرمَ الأخاءِ وننتظر
نبشَ الغرابِ ودفنة َالإخفاءِ
أو نتخذ وضعَ الصواعِ مكيدة ً
للنيلِ بعدَ تجددِ الأشياءِ
نشتقُ من بابِ المدينةِ غربة ً
تسمو بـــبــا رقةٍ عن النظراءِ
ونذوبُ أشواقَ الفراش ِ تجلياً
في عشقِ أسماءٍ عُجنَّ بــــــباءِ
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 15-11-2010 الساعة 02:18 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس