[محمد الحبشي]

القمح والنخيل

أسنبلة النور ما لى أراكِ * تميلين فى رقصةٍ ذاوية
كأنك للشمسِِ خصلات شعرٍ * تدلّيتِ فى فتنةٍ طاغية
أفوق كفوفكِ روح العطاءِ * فأضنتك حباتها السّامية

مذهّبة البَضِّ فيها دلالٌ * كحسناء يذهل منها البصر
لها رقصة حول خِصر النسيمِ * على نغمٍ من بنات الشجر






أبين الثرى أنتِ ؟ بل أنتِ روحٌ * تطالُ الثريا كهذا النخيل
سقتهُ الطبيعة كأس الجمال * فبات من السُّكرِ حرا يميل
وأطربه اللحنُ لحنُ الطيورِ * فها هو يهتزُ حتى الأصيل

عرفناك للعُرب خِلاّ وفيا * تجود علينا بخير الثمر
فدمت أشمّا وقور المُحيّا * كريم العطاءِ طويل العُمُر






أتى الصبح يرفلُ فى النورِ تِيها * وفى ثغره العذب حلو ابتسام
ويسبحُ بين السكونِ ضبابٌ * سرت فى مراياهُ روح السلام
فلا تصغى إلا لهمس النسيمِ * ومعزوفة من هديل الحمام

ويشدو مع الصحو طير الحقولِ * ويسعى فبالرزق يأتى القدر
أتى كلُّ يومٍ برزقٍ جديدٍ * فما كان للطير أن يدخر






ويعسوب نحلٍ يجوب الزهورَ * ليقطفَ منها الشّذى والرحيق
ورفُّ الفراشاتِ فى كل حقلٍ * يطاردها صبيةٌ فى الطريق
وتحت الشجيرة فى فِىء ظِلٍّ * أصيخُ لهمس النسيم الرقيق

وهينمة الماء بين السواقى * بصوتٍ رخيمٍ لطيفِ الاثر
وزهر الرياحين قد ضاع عطرا * عليه القطيرات مثل الدرر

وما فى المدينة غير غموض * الضباب وبوح النفوس الكئيب
ودنيا يُعشّشُ فيها السكونُ * وإن عَاثَ فيها الضجيجُ الرهيب
فأطلقتُ روحى إلى قريتى * وألقيتُ أثقال هذا الغريب

وفى الصبح فى أفق صبح جديدٍ * تُلوّنُ روحى طيوف المطر
وإن جنَّ حولى الظلامُ سأمسى * كأُهزوجةٍ تحت ضوء القمر