الموضوع: كُنْ في غدي
عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 09-10-2010, 05:22 PM   #7
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

كُنْ في غَدي
فالْأمْسُ ضاعَ ولَمْ يَعُدْ
إلا خواءْ
ولَرُبُّما يأتي الشِّتاءْ
حيْثُ الْفراغُ يُراوِدُ الزَّمَنَ الرَّديء
لِكيْ يَشي
بِأصابِعِ الْحِرْمانِ تَعْبَثُ بالقَصيدِةِ كيْ
تُساقطَ مِنْ جِناها ما
يُسامِرُهُ الْبُكاءْ
فقط اعتراضي على الزمن الردئ لأن هذا محظور شرعي وكما ورد
في الحديث الشريف (لا تسبوا الدهر )
ما أعظم الصور المتتالية على المخيلة ! مراودة الفراغ للزمن الصعب
حيث يتواطؤ كل شيء ضد الشاعر ويتخذ صفة من صفات الإنسان
أقصد صفة من ذميم صفات الإنسان الذي طغى على هذه الأشياء حتى
كادت تلبس ثيابه ، وتكتسب هذه التعبيرات المركبة الخيال المعقدة الصياغة
البارعة الحسن قوة في إيصال الصورة إلى الذهن حيث نخلة الحرمان
تسقط ما يسامره البكاء، من هذا الذي يسامره البكاء هل هو الشاعر
أم الفكر ؟ أم شتى أحداث الحياة ؟ إن المراودة من ناحية ثم المسامرة
من ناحية أخرى تدل على حالة من (المفاعلة) والتي تعطي الانطباع
بحركات مجتمعة (ربما على غير قصد) في عكس اتجاه حلم الشاعر
وأمانيه بما يجعله يتسدعي المحبوبة (كن في غدي)وفي المقطوعة الآولى
كان الوجود المتمنى (وقائيًا ) لكنه أضحى بعدها (علاجيًا)
فاحْضُنْ حروفي كيْ
تُعيدَ إلى خَرَائطِ وَجْهِنا
كلَّ الَّذي ...
قَدْ أتْقَنَتْ في مَحْوِهِ
كَفُّ الْمَساءْ
هل الحروف هنا كناية عن الأنامل التي تكتبها ؟غالبًا لأن حالة الشاعر
تستدعي ذلك وبشدة وإلا فمن أين تأتي كينونتها المفتقدة التي بسببها ينادي
كن في غدي ، ذلك الغد المتسع لمعاني الحلم والحب واللحظات العصيبة..
طالما أن الغد مجهول ، فلا أقل من لحظة تتعانق فيها الأيادي لتعيد البسمة
التي قد أتقنت في محوها كف المساء . وتعود تعبيرات قوية مثل كف المساء
خرائط وجهنا لتعطي الصورة التشكيلية حضورها في مشهد يتضاءل فيه المحبوبان
وتبقى صورة الوجوم هي الأبرز في المشهد، وتالله في تعبير خرائط وجهنا ما
يمكن أن نجد فيه أيضًا تعانقًا بين التشكيل والنحت ، وكل فن يعمّق من دلالة الشعور
اعتمادًا على الصورة والتوحد يبنهما يظهر في (وجهنا) فكأنه وجه واحد لاشتراكهما
في الفرح والترح وليسا وجهين منفصلين ، ومن هنا يكون من الضروري للقارئ
الابتعاد عن العلاقة التقليدية بين اللغة والنحو من جهة وبين المشبه والمشبه به من
جهة أخرى ليتجاوز ذلك إلى أفق أشد اتساعًا حيث يجد ما قاله الشاعر محمد العلواني
لغة بيننا لا أفهمها..غير أني بسواها لم أقل !
وبعد ذلك تستمر رحلة التدوير في بحر الكامل حتى نكاد نجد الشاعر في غمرة
اندفاعه ولما يلاحق توالي الحروف والأفكار ولما يلتقط أنفاسه فجأة يقف عن لفظة
اللقاء أو دفاء اللقاء ، جاءت لفظة في مكانها المناسب إذ كانت ختام المشهد المتحرك
بشدة والذي كان له ما يبرره ؛ فهو من ناحية الشعور حالة متلاحقة وثورة عارمة
ونداء صارخ ، صارخ لماذا ، وقد بدأ هادئًا ؟ صارخ ببساطة لأن الأمس ضاع ولم
يعد إلا الخواء ، ومن ناحية أخرى توالي حركات الصور كالنوارس وسرعة طيرانها
باعث على هذا التواصل في الحكي .
وهي صورة إن كانت هادئة الظاهر إلا أنها منبعثة من توتر مكبوت . ونصيب القارئ موفور
من هذه الصور الجميلة الشاعرية ،الحروف زوراق ترسو ،و المشاعر هي نوارس تحلق
والكفان تلتقيان كطائرين يتعانقان ، وأخيرًا هذا المعنى المتلعثم بالشفاه تلك الكلمة التي لا يكون
لها قيمة إلا إذا خرجت من داخل القلب ، إنه الشوق إلى المعنى وليس إلى الكلمة ، لأن الغواصين
يبحثون عن الجواهر لا الطحالب ، لذلك كان تعبير (معنى تلعثم مرة) معبرًا بشدة عن هذا الحب
الذي عجز الطرفان عن البوح به ،لأنهما -ببساطة- يبحثان عما وراء الكلمة وليس الكلمة .وكذلك سيطرة حروف المد على نهاية القصيدة كالنون الساكنة المسبوقة بالواو ، والهمزة المسبوقة بالألف تعبران عن امتداد الحالة النفسية وتطاولها

تِلْكَ الظِّلالُ على جُفوني قَدْ حَكَتْ
شوقي إلى
مَرْسى شواطِئِكَ الّتي
حَضَنَتْ نَوارِسَ حُبِّنا
ورَسَتْ علْيَها أَحْرفي
وَلْهى إلى
مَعْنى تلعثم مَرَّةً
بِشفاهِنا
حينَ ارْتَمتْ كَفِّي بِكّفِّكَ تَشْتهي
دِفْءَ الِّلقاءْ
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس