عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 12:39 AM   #3
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

وكما لم يسلم من نقده هؤلاء اللذين يعتبرون التقنية مضادة

للميتافيزيقا لأنه يعتبرها ميتافيزيقا مكتملة، مكّنت من تحقيق

حلم الميتافيزيقا الأزلي لما جعلت المعرفة ملتحمة بأشياء

تلمسها وتعيها الذات العارفة. لذا فالرأي الشائع بأن التقنية لا

علاقة لها بالميتافيزيقا، لا يجد مكانا للاعتراف به في فلسفة

هيدجر. فهي الميتافيزيقا بعينها.

يعود بنا هيدجر محذرا بأن التقنية لا تتمثل في ما تمنحه بصفة

ظاهرة: أشياء ووسائل وأدوات ومركبات تقنية وتحديث قوى

الإنتاج أو سيرورتها:<< إن جوهر التقنية ليس إنسانيا. فجوهر

التقنية لا يمت قبل كل شيىْ بأي صلة للتقنية >>[9].

تبدو هذه الأطروحة جد مفارقة ومختلفة عن جميع التصورات

المعروضة حول التقنية، لأن المشروع الذي يوجد في صلب

التقنية ليس منجزا إنسانيا ولكنه ميتافيزيقا تلف جميع مجالات

الواقع ولا تقتصر فقط على الآلات.

لقد أرست الميتافيزيقا أسس التقنية حينما جعلت معيار الحقيقة

ـ منذ الفلسفة الإغريقيةـ مطابقة الفكر للواقع، مما مهد لأن

تحتكر العلوم الوضعية الحقيقة لوحدها، وبدأ ذلك يتضح رويدا

رويدا منذ الثورة العلمية التي أحدثها العالم الفلكي جاليليو

(1642-1564) الذي دمر الرؤية الكنسية للعالم وغير من نظرة

الإنسان الميثولوجية والغيبية للكون، لتقوم على الملاحظة

الفيزيائية والدقة الموضوعية. وتأكّد ذلك في عصر النهضة الذي

حدد فيه ديكارت هدف العقل في << أن نصير سادة الطبيعة>>

لا عبيدها، وعلى النحو الذي يسمح بتسخيرها و''استعبادها"

كما يذهب إلى ذلك الفيلسوف دان سكوت. ومن ثم تسنى للعلم

أن يلعب دوره الهام بوصفه أداة تساعد في السيطرة عليها كما

قال فرنسيس بيكون.

لقد أوقدت هذه الرغبة المستعرة للإنسان سبيلا إلى البحث

المستمر على حقائق الكون وفهم ظواهره بشكل علمي، وبمقدار

ما تتطور السمتان الأساسيتان للفعل البشري: ''المعرفة

و''المصلحة'' (Connaissance et Intérêt)، تتدخل

الإرادة الإنسانية لتطويع النظرية العلمية في تعديل الأشياء

وتغيير الواقع، بل قل أنها أصبحت اليوم قادرة على تغيير

الطبيعة البشرية كالمزج بين الجينات والقدرة على الاستنساخ

البيولوجي وتعطيل الشيخوخة أو اختيار طبيعة النسل: ذكرا أو

أنثى، إذ بلغت التقنية شأوا غدت بموجبه"إرادة الإرادة".

ولكي نتبين قصد هيدجر من ذلك، يمكن الاستدلال بأن الإرادة

الأولى هي التي تحدد الإطار الذي يتم من خلاله توظيف الإرادة

الإنسانية، بمعنى أن الجوهر الميتافيزيقي للتقنية يفسره شعور

البشر بأن إرادتهم تتجاوزها أشياء من صنع أيديهم حيث أصبح

الإنسان مكبَّلا في كل مكان بقيود التقنية.

يتجلى ذلك في نموها البالغ السرعة وبصورة رجائحية ومفاجئة

أغلب الأحيان، ولا أبلغ من ذلك، أننا أصبحنا مدينين للكهرباء

وآلات الطبخ والغسيل ومكيفات الهواء لا نستطيع منها فكاكا.

منه ما يقوله هربرت ماركوزه في كتابه الإنسان ذو البعد

الواحد: إن<< الناس يتعرفون على أنفسهم في سلعتهم، يجدون

أرواحهم في سيارتهم، في أجهزة الهاي-فاي العائدة لهم، في

بيوتهم المسواة، وفي تجهيزات مطابخهم>>. فقيمهم متسقة مع

علاقات التسويق والاستهلاك، لا تستطيع عنها بديلا أو تبديلا.

__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس