عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 25-10-2009, 11:27 PM   #6
جهراوي
كاتب مغوار
 
تاريخ التّسجيل: May 2006
المشاركات: 1,669
إفتراضي

1ـ أنـّه جاء بحضارة تجعل التحرُّر من جميع أشكال التبعيّة للغيـر مكوّنها الحضاري الأعظـم ، وذلك يشمل كلّ أنواع التبعية ، السياسية ، والإقتصادية ،والثقافية ، والتشريعية ، حتى جعلت رسالة الإسلام تلك (التبعية) بالمعنـى العصري ، ( الموالاة للكافرين ) بالمعنـى الشرعي ، مروقـاً من الإيمان ( ومن يتولهّم منكم فإنّه منهم ) .

وحتّى التوحيـد ، عنوان الإسلام ، إنمّـا هو تحرير الإنسان من التبعيـّة لغير الله تعالى ، فلايُعبـد غيره ، ولا يُتحاكم لسواه ، ولا يخُضـع لغير شريعـته .

ولعمـري لا أستطيع أن أفهم حتى اليوم ، حـلّ التناقض بين أنَّ الفكر القومي ، وهو أبعد ما يكـون عـن نصوص الوحـي ، يقوم علـى هذه الفكـرة الإسلامية أصلا ، ( التحرُّر من التبعيّة للغيـر ) ، لكن بمنطلـق (عروبي ) حتى وقف في كثيـرٍ من الأحيان دون إسلام الأمـّة ( العربية ) للعـدوّ الغربي ، بتضحيـات لاتُنكـر ،

بينمـا ترفض هذه الفكـرة عملـيّا ( السلعمانية ) المتخصّصة في علوم الشريعـة ! حتى لقـد نظـّرت لتلك (التبعيـّة) بفتاوى أثارت سخرية الساخرين ، إذ خرّجتها تحت حكم المعاهدين والمستأمنين و أهل الذمـّة ! في أحكام الشريعـة ، والمفارقة أن هذه الأبواب الثلاثة ، أصلا تابعة لباب الجهـاد الذي يحاربونه ؟!!

2ـ أنَّ الإسلام لايعتـرف أصـلاً بنظام سياسيّ يقوم على (الرابطة الترابية للدولة القطرية بالفكـرة الأوربية ) ، فهـو يربط النظام السياسي بالعقيدة رأسـاً ، فالعقيدة وحدها هي الأساس الذي يقوم عليه ، وتقسيـمه هـو : ( دار الإسلام ) ، ( دار الكفـر ) ، ولهذا فالرابطة الإسلاميـة ، هـي وحدهـا (جنسيّة دولته) ، ولهذا يجعل المفارق لهـا حينئـذٍ ( خلع ربقة الإسلام من عنقـه ) و (مات ميتةً جاهلية) كما ورد في الحديث.

ولا وزن فيه لأيّ نظام لايخضع لإستقلال الإرادة التشريعية للأمـّة ـ السيادة للشريعة وحدها ـ ( والله يحكم لامعقّب لحكمه ) ( ولايشرك في حُكمه أحـداً ) ، في كلِّ شؤون الحياة ، وعلى رأسها الشأن السياسي ، الذي يدخل تحتـه الخطوط الرئيسة لرسالة الإسلام : إستقلال الأمّـة ، وتنفيذ رسالتها العالمية ، و الموالاة بين أبناءها في كلّ العالـم ، ونصرة المسلمين في الأرض ، والجهاد لتحقيق تفوقه الحضاري العالمي .

وهذا المكوِّن الثانـي جـاء ليحفظ الأمَّـة من توظيفها لأطماع أيّ نظام دولي ، يبدأ بتمزيقها إلى روابط أخرى ، ترابية ، وعنصرية ,,,إلخ ، ليضعفها ، ويذهب ريحها ، ويفشـل دورها الحضاري العالمي .

3 ـ أنَّ الأمّـة هي الأصـل الأصـيل في هذه الحضارة ، والنظام السياسي ليس سوى أداة يجـب أن تكون طيـّعة بيدهـا ، ولهذا جاءت النصوص تخاطبها مباشرة ،( كنتم خير أمّة أخرجت للناس ) ، ( وكذلك جعلناكم أمّة وسطا ) ( ولتكن منكم أمّـة يدعون إلى الخيـر ) ونظائرهـا كثيرٌ في نصوص الوحيين ،

وليس في القرآن آية تتعلق بهذا الشـأن إلاّ وهـي توجـّه الخطاب للأمّـة ، وأنـَّها بُعثـت لتؤدّي دور القيادة العالميّة ، ولاعذر لها أن تتخلَّى عن هذه الفريضة العظمى ، وعليها أن تختار نظاما سياسيا ليؤدّي هذا الدور ، فإنْ فشـل ـ وأعظـم الفشل أن يسخّـر الأمـّة لغيرها بل هي الخيانة العظمـى ـ فالأمـّة مكلّفة بإزاحتـه ، وهذه الفريضة من أعظم الفرائض ، وأوجب الواجـبات .

والنظامُ السياسيُّ الذي يحيـط بالأمـّة اليوم ، إنمـا يتحـرّك ضد أهدافها ، ويسخـّر حتـّى دينهـا لغيرهـا ، وبقاؤهُ يعنـي بقاءها في دوامة التبعيـّة ، ولا خلاص لها إلاّ بأن تعيد بناء نظامٍ سياسيّ ، لاينفصم فيه الدين عن الدولة ، ولا الشريعة عن الحكــم ، وليس فيــه ( جلالة ) ولا ( عظمة ) ولا ( فخامة ) إلاّ للأمّـة المستعلية بحضارتها ، نظام سياسيّ ليس فيه سلطة لا تخضـع لرقابة الأمـّة ومحاسبتها ، وليس فيه زعيم فوق إرادتـها ، وليس فيه حاكم لاينزل عليه حكم الشريعة ، كما ينزل على آحاد رعيته سواء بسواء.

ولو كنـا قـد وضعنا هذا الأصول الإسلامية العظيمة ، كما وضعها القرآن ، في سلـّم أولوياتنا ، لم يصـل حالنا إلى أن نستجـدي حاكـما مارقـاً مفسـداً ليسمح بالنقاب ، أو ليمنع الإختـلاط ..إلخ!!

وبناء على هـذا ، فلا مناص من القول أنَّ كثيرا من التديـّن المنتشر في الوسط الصحوي ، من شيوخ العلوم الشرعية إلى آحاد أفراده المقبلين على الهدى ، يحتاج إلى إنطـلاق في آفـاق جديدة ، تخرجه من دائرة ردود الفعـل المكرورة الذي يدور فيها ، ويعيدها كلّ ما مضـى عقد ، أو عقدان ، ثم يخرج منها تائهـاً ، منكـسر الجنـاح ، مثـل قضية الحجاب ، والنقاب ، والإختلاط ، والجدل حول فروع فقهية ، ربـما تختارها الأنظمة السياسية ، وتشغلهـم بهـا ، لتُبقِي المشروع الإسلامي يحمل هذه العناوين فحسـب ، لتظهـره ـ وهي تملك وسائل الإعلام ـ في صورة المتخلف الذي ( لايفهـم من الإسلام إلاَّ التضييق على المرأة ) ..إلخ

آفـاق جديـدة ترفعه إلى مستوى أعلى موقع من المنافسة ، يمكّنـهُ من إجهاض هذه الهجومـات المكرورة التابعة للمؤامـرة الكبرى ، و أشباهـها ، إجهاضها في مهدها ، وفرض نهجه الإسلامي من ذلك الموقع.

ثم يرفعه إلى ما هـو أعلى ليكون هو الدولة التي تعـيد للأمّة دورها كما بينته في هذا المقـال ، فيحسم القضايا الثانوية ، ويتفـرغ لأداء دوره الحضـاري : إقامة العدل في العالم ، وحماية البشرية من طواغيـت الكفر ، و الإستبداد ، والظلم ، والفسـاد .

وواللـّه إنَّ العجب لاينقضي من فهم مثل حركة طالبان ـ وأكثـر أتباعها مقاتلون عاديون بعيدون عن هذا الكـم الهائل من الإنشغال بالتثقيف الشرعي الذي ينتشر في بلادنا ـ فهمهم لخطورة ترك المشروع العالمي الغربي يعيث في الأرض فسـاداً ، وضرورة وضع المقاومة الشاملة لمخططة على سلّم الأولويـات الإسـلامية ،

وأنَّ فرضية السـعي لإعادة إستقلال إرادة الأمة الإسلامية ، وتوحيدها ، وإلتفافها حول راية الجهاد ، لتتحرر من التبعيـَّة ، من أعظـم الفرائض الإسـلامية ،

بينما يجادل في هذه الحقائق الإيمانية الكبرى ( دكاترة ) شريعة ، ودعاة مشهورون ، حتى إني حاورت أحدهم فأصـرَّ على أنَّ النظام العربـي ( قال : ولاة أمرنا حفظهم الله ) يؤدّون عن الأمة كلَّ ما ذكرته ـ وقد ذكرت له مختصر ما في هذا المقال ـ فلا حاجة للإنشغال بذلك ، وحتى العلاقات مع المشروع الغربي هـم يرون في ذلك المصلحـة ، و( لكن المشكلة في هذا الحماس الذي ضيَّع الشباب ) !!

نسأل الله السـلامة ، هذا أحـد نماذج مذهب ( السلعمانية ) التي بُذرت بذورها قبل عقـود ، لكي تقطف الأمّـة اليوم ثمارها المـرَّة !

والله المستعان وعليه توكلنا هو حسبنا فنعم المولى ونعـم النصيــر
الكاتب: حامد بن عبدالله العلي
جهراوي غير متصل   الرد مع إقتباس