عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 20-06-2010, 01:17 PM   #2
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

الربط الإستراتيجي للأجيال

في عمليات البناء بالأرياف، يبني أحدهم غرفتين أو ثلاثة، ويترك قضبان الحديد بارزة من أطراف مُسَطَح البناء، فقد تتغير الظروف ويكون بإمكانه تكملة البناء، فيشبك القديم بالجديد ليتلافى بذلك الشقوق التي تظهر في البناء فيتجنب تسرب مياه الأمطار لداخل البناء.

في الدول والحكومات، تضع الحكومة أو مجلس التخطيط الأعلى أو أي مؤسسة تعني بإستراتيجيات الدولة ورؤاها خططاً تبقى ثابتة، حتى لو تغير الوزير أو رئيس الوزراء، أو حتى رئيس الجمهورية (هذا في الحكومات التي لها شأن). وتطلق على تلك الخطط اسم خطط إستراتيجية، فهذه خطة للتعليم وهذه للزراعة وهذه للدفاع الخ. وما يجري خارج تلك الخطط المحورية ـ كما هو معروف ـ يطلق عليه (تكتيك).

الأجيال الجديدة: نتاج فسائل أم بذور؟

لو رمى أحدنا نواة تمرٍ بعد أن يأكل التمرة، في ساحة حديقته ونسيها، وتجمعت لها وسائل النمو فإن نخلة ستنبت منها، ولكن ثمرها لن يكون في حالٍ من الأحوال يشبه ثمرة النخلة التي أنتجت التمر والبذرة، فقد تكون أحسن نوعية، وهو احتمال ضعيف لا يتعدى واحد من ألف، أو تكون ذات نوعية رديئة وهو الاحتمال الأقوى، فلذلك يلجأ مزارعو النخل الى تكثير الأشجار بالفسائل: أي النموات التي تخرج من منطقة التاج (اتصال الساق بالجذر).

هذا الكلام لا ينطبق على النخل وحده بل على كل النباتات، فطالما أن هناك حبوب لقاح ورياح وحشرات تنقلها، فإن بذرة القمح لن تنتج ما يشبه أبويها، فتتأسس في كل الدول هيئات لتأصيل البذور والنباتات. وحتى الحيوانات مشمولة بذلك.

في الأجيال بين الأمم، ستكون مهمة التأصيل والمحافظة على النوع من اختصاص أكثر من هيئة أو مجموعة، فالأسرة والمدرسة، والقيادات المحلية التي تنسق فيما بينها الجهود لحراسة القيم وتطوير المهارات ورعاية الأجيال حتى لا يظهر في المجتمع ما يشبه نتاج بذرة التمر.

هل هناك مواصفات قياسية لابن الجيل الذي نريد؟

تعرف أصناف الزهور والفواكه بمواصفات تختلف من صنف الى آخر، فعندما يُقال لنا هذا تفاح من صنف (ستاركنغ) فمواصفات هذا الصنف معروفة عالمياً فلونه الأحمر ونسبة الحموضة والسكريات واحتياجه من ساعات البرد يعرفها المختصون ويتعاملون معها وفق تلك الخصائص الثابتة. وهذا ينسحب على السيارات وموديلاتها والأبقار ونسب الدهن فيها، والطائرات المقاتلة الخ.

لكن، هل لابن العرب الذي نريد خصائص مُتفقٌ عليها؟ إن شذ عنها تقوم قائمة القائمين لإعادتها الى الجادة؟ فقد يكون أحد الشباب بمواصفاته لا يوافقني لي ولكنه يوافق آخرين، وقد تكون اهتمامات الشباب أو الهيئات الحكومية المعتنية بهم لا توافق أناساً معينين أو لا توافق هيئات تهتم بتلك المجالات، أو أنها لا توافق الشباب أنفسهم.

يعود الارتباك في عدم الاتفاق على خصائص بعينها الى الارتباك في القاعدة الأخلاقية العامة التي تعني بالسلوك، وحيث أن تلك القاعدة يتم التعبير عنها بأقوال الناس (مشافهةً) فيما بينهم: فهذا شاب جيد يلتزم بدينه ويحترم أبويه ويصل الرحم ومجدٌ بعمله وغيور على حرمات وطنه وأهله. أو بالنصوص الأدبية التي يدونها الأدباء والشعراء وكتاب الصحافة التي تمجد بظاهرة أو تدينها وفق قواعد يبينها الكاتب بحِرفية دون أن يدرج عناصر الفضيلة بقائمة. وأخيراً القوانين العامة التي تصدرها الدولة، تُعرف بها الجريمة والإخلال بالآداب من خلال الأحكام التي تصدرها، ومن خلال المناقشات التي تتم بالمرافعات من المحامين ووكلاء النيابة العامة، وتُضَّخُ في الفضاء الذهني العام.

هذه الأجواء تدلل على ارتجاج مواصفات الشاب أو حتى المواطن، فقد يكون الصحفي أو الأديب ملحداً أو أن ارتباطه بالقيم الدينية ضعيفاً، فيكون للفضيلة عنده صورة مختلفة عن الملتزم دينياً، وقد يكون المُشرع قد وضع تشريعه بالقياس على قانونٍ فرنسي أو إنجليزي، وقد يكون الدعاة والوعاظ في المساجد لا يرضون لا عن الصحافة ولا عن القوانين ولا عن الإعلام المرئي أو المسموع.

ذاتية التكوين لدى الشباب

نتيجة لعدم اتفاق الجهات الثلاث في تقييم القاعدة الخلقية، والاتفاق على جودتها أو رداءتها وما يجب أن تكون عليه. فإن الشباب يختطون لأنفسهم طرقاً لم تكن قد أتتهم من المدرسة ولا من الأسرة ولم تكن آتية لتتماهى مع القوانين العامة. وليس من الغريب أن تجد في المدرسة الواحدة أو حتى البيت الواحد، أحد الأفراد وقد أطلق لحيته وأخذ يهيئ نفسه للانخراط في تنفيذ عملية ما! وتجد له شقيقاً يعود قُبيل صلاة الفجر من حفلات لعب الورق وغيره، ولا يصلي الفجر طبعاً.

تعتبر الصحبة والجماعة التي يقضي الفتى معها معظم وقته من أهم العوامل التي تُكَوِّن ذات الشاب، وتتحالف الظروف العامة السياسية والثقافية والاجتماعية وظروف الأسرة من حيث القدرة المالية أو القدرة على مواظبة التوجيه لأفرادها، لتعجل في رسم مسار ذات الشاب.

الهيئات الشبابية العامة

انتبهت الدول العربية منذ فترة الخمسينات والستينات من القرن الماضي لرعاية الشباب وتأصيلهم، فكانت مراكز رعاية الشباب التي تنمي مهارات الشاب ذهنياً وبدنياً وجعله ينخرط في مجموعات صالحة تحت رقابة مختصين (الكشافة، الطلائع، الفتوة، الشباب، معسكرات شبابية عربية يجتمع فيها الشباب من كل الأقطار)، كما كان للاتحادات الطلابية دورٌ في صهر نشاطات الشباب وتلاقحها.

لكن الدولة العربية المأزومة، والتي يحركها الهاجس الأمني في كل سلوكها وضعت العراقيل والمصاعب في اختيار المشرفين وأنواع النشاطات حتى أفرغتها في النهاية من فحوى رسالتها. إضافة لتحالف الظروف الحياتية الصعبة التي تزيد صعوبتها عاماً بعد عام، كل ذلك أدى الى هبوط الروح الوثابة لدى الشباب في انخراطهم الممنهج في تجربة التأصيل.

يتبع
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس