عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-04-2009, 08:58 AM   #1
البدوي الشارد
عضو مشارك
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2009
الإقامة: حزيرة العرب
المشاركات: 760
إفتراضي مشكلة مصر ـ «حزب الله»: تحصين لأمن أم تمهيد لحرب؟ -كامل خليل

مشكلة مصر ـ «حزب الله»: تحصين لأمن أم تمهيد لحرب؟


كامل خليل

في إطار ما يعرف «بشبكة حزب الله»، شكل البيان الرسمي الصادر عن النيابة العامة المصرية، حول التحقيقات الجارية مع اللبناني محمد منصور، المعروف باسم سامي شهاب، «الفتيل الاشتعالي» لانفجار اعلامي وسياسي حاد، لقضية ذات أبعاد كبرى، بأدوات قضائية ـ قانونية، ومضامين أمنية، في توقيت غير متوقع، وبصورة غير مسبوقة بين دولة عربية كبرى، وطرف اساسي في حركة المقاومة ضد إسرائيل، الامر الذي ترك سلسلة من التساؤلات، حول الأبعاد الخفية لهذا التصعيد.
أولاً: في التوقيت
جاء الاعلان عن الاعتقال ومجرياته بعد اشهر من وقوعه (كانون الأول 2008)، تأكيداً لاستثمار سياسي ما قدرت السلطات المصرية ان أوانه قد حان لذلك، وقد اتى بعد جملة من المتغيرات، وهي:
فشل الحرب الاسرائيلية الضارية على غزة، وحركة حماس تحديداً، ثم فشل مصر حتى الآن في انتزاع تنازلات سياسية من حركة حماس.
استلام الرئيس باراك أوباما للادارة الاميركية، وبدء مسعاه لتنفيذ سياسيات تختلف بصورة موضوعية عما دأب عليه جورج بوش.
وصول اليمين المتطرف الى سدة الحكم في اسرائيل، وتراجع حظوظ التسوية، والاعلان الصريح تارة، والمموه تارة اخرى، عن معارضة اسرائيل لسياسة التعاطي الاميركي مع ايران وسوريا، بما يتقاطع مع الموقف المصري على هذا الصعيد.
الاعلان عن فتح حوار بين بريطانيا وحزب الله، والتلميح الى نوايا اميركية لفتح حوار مماثل مع حركة حماس.
تحسن موقع ايران الواضح في ملفها النووي، وانفتاح الغرب على اعتبار الحوار معها مدخلا وحيدا لمعالجة هذا الملف، حتى اشعار آخر.
الحرج الذي يقع فيه حلفاء حزب الله في المنطقة، حيث تخوض حركة حماس مفاوضات صعبة مع السلطة الفلسطينية، وهي ما زالت بحاجة للدور المصري، رغم الانحياز المصري الواضح لجانب السلطة الفلسطينية. وبمجمل هذه المعطيات، ظهر مشروع الممانعة والمقاومة في المنطقة، في موقع متقدم على مشروع التسوية والاعتدال، خاصة على الجبهة المصرية، التي تشكل رأس الحربة في هذا المشروع، وعرّاب السلام في المنطقة.
من جانب آخر، تأتي هذه القضية، بعد جملة معطيات هامة ايضاً، هي:
الحملة القاسية التي شنها الأمين العام لحزب الله على السلطات الرسمية المصرية، اثناء حرب غزة، جراء موقفها في قضية معبر رفح، واعتباره ذلك بمثابة دعم ميداني مصري للحرب الاسرائيلية.
اعلان اسرائيلي عن تدميرها 17 شاحنة وباخرة واحدة، كانت تنقل الاسلحة من السودان الى مصر، تمهيداً لإدخالها الى غزة.
ثانياً: في المضمون
في مضمون الحملة الأمنية ـ السياسية ـ القضائية المصرية، يسجل:
التركيز على البعد المذهبي، وعلى دور ايران، وتحميل القضية ابعاداً اخرى، غير نقل وإيصال السلاح الى غزة، باتهام الحزب بالتخطيط لعمليات أمنية على الاراضي المصرية، وانتهاك السيادة المصرية.
تظهير عملية نقل السلاح الى فلسطين، ودعم الشعب الفلسطيني، بمثابة عمليات تهريب غير قانونية، مثلها، مثل تهريب المخدرات وتجارة الاسلحة الممنوعة.
حصر القضية بحزب الله، دون أي طرف فلسطيني آخر.
أما على مستوى الآليات والمراحل التي اعتمدتها السلطات الرسمية المصرية، فيلاحظ التالي:
تبدل المعطيات الأمنية المنقولة عن مجريات التحقيق، اولاً بأول، فبعد الرواية الاولى، عادت الاجهزة الأمنية لتسرب محضر تحقيق نشرته احدى الصحف اللبنانية، يبين معطيات جديدة تظهر تراجعه عما سبق وأذاعته عنه.
التسريب عبر اوساط مصرية، عن شروط سياسية، تقضي بتعهد الأمين العام لحزب الله علناً، بعدم استخدام الأراضي والمياه المصرية في ايصال السلاح الى غزة.
الاعلان عن ترك القضية للقضاء المصري.
ثالثاً: في ردود الفعل
ارتياح اسرائيلي واضح، للقضية برمتها، والتغني بتقديم جهاز الموساد للمعلومات الاولية التي أدت الى كشف الشبكة، مع ان الجهات المصرية المسؤولة نفت ذلك بشدة.
ملاحظة حالة من التهيب من قبل الاوساط الرسمية العربية والإسلامية، ومن الرأي العام العربي والإسلامي اجمالاً، فغابت المواقف الشعبية والحزبية البارزة، كما غابت التعليقات العربية الرسمية الفعلية، واكتفت الأنظمة بترك الامر لإعلامها الرسمي والمحسوب عليها، ما عدا بعض الخروقات المحدودة. ويوحي الموقف الرسمي العربي، باحتمالات عديدة، منها:
أ ـ مفاجأة الدول العربية الحليفة لمصر بما حصل.
ب ـ تعمد الحياد بالتنسيق مع السلطات المصرية، وحصر القضية بالطابع السيادي المصري، وانتظار ما ستؤول إليه النتائج النهائية، بحيث لا تقع في أي حرج، كما حصل لها جراء مواقفها السلبية من حزب الله، إبان حرب تموز 2006.
ج ـ ان يكون هناك موجب آخر، غير ما ذكر، ويخشى معه من أي دعسة عربية ناقصة.
د ـ سريان «حالة التهيب» على المواقف اللبنانية الداخلية، بما فيها قيادات وكوادر 14 آذار، التي كانت تستنفر لأمور ابسط وأقل اهمية من ذلك، فالتعليقات التي صدرت، ظلت في نطاق متحفظ.
3. جاءت أهم وأبرز ردود الفعل من الأمين العام لحزب الله، التي تميزت بما يلي:
أ ـ الاعتراف العلني «القهري»، بلعب دور لوجستي مباشر في دعم القضية الفلسطينية.
ب ـ رسالة تطمين للنظام المصري، وغيره من الانظمة العربية.
ج ـ الجرأة في التعامل مع ملفات حساسة الى هذا الحد، تتصل بنشاطات الحزب، وتمددها خارج الأراضي اللبنانية، وهو بحث هام تسلط عليه الأضواء منذ سنوات، مع انه حصر ذلك في سياق متصل بمساعدة الفلسطينيين في قتال اسرائيل حصراً، وبذلك نجح في نقل النقاش الدائر حول دور حزب الله، من دائرة الدور على مستوى الجغرافيا، الى الدور على مستوى الموضوع.
د ـ الاعتراف بنقل السلاح الى غزة، محاولة ذكية، لكنها خطرة في الوقت ذاته، فهي تحقق لحزب الله في حال نجاحها نقلة نوعية في فرض امر واقع جديد، على مستوى تطوير أداء المقاومة، استناداً الى الشرعية الشعبية، والسيادة النضالية، بمعزل عن ادعاءات السيادة الذاتية المنتهكة إسرائيلياً في كل من البلدان العربية، لكن ذلك في ذات الوقت، يجعله في دائرة الضوء، ويضعه في موقع المساءلة القضائية المباشرة، بينما يدور الحديث عن فتح حوار غربي مع حزب الله، على خلفية التمييز بين جناحيه السياسي والعسكري.
هـ ـ رسم سقف سياسي وميداني جديد لقضية الصراع مع العدو، وتأكيد حق المقاومة في التكافل والتنسيق، ورسم المسار الموحد، وأحقية حزب الله، كغيره من قوى المقاومة في الانخراط، ولو بحدود، في «المسار الفلسطيني المقاوم»، في مقابل المشروع المضاد.
و ـ تشكيل مفاجأة حقيقية للمراقبين، وخاصة للسلطات المصرية، التي ربما كانت تتوقع إصابة حزب الله بالخوف والذعر من تداعيات القضية، الأمر الذي افقدها عنصر الصدمة، الذي تراهن عليه في ابتزاز الحزب، واستدراجه الى مواقف تنازلية، اقله بحدود ما سربته، لجهة التعهد بعدم استخدام الاراضي والمياه المصرية قاعدة لنقل السلاح الى غزة.
ز ـ توفير حصانة معنوية هامة، لأي فرد مقاوم، توكل إليه مهام مشابهة في المستقبل، وتكريس صورة القيادة التي تتحلى بروح الشهامة والمسؤولية، وتتحمل التبعات الناتجة عن أداء الأفراد الذين ترأسهم، أياً كانت التبعات، ومهما كانت الظروف.
رابعاً: في الأهداف
في خلاصة ذلك، تأتي الأسئلة المحورية حول الأهداف المصرية من التصعيد القائم، مع أهم وأقوى حركات المقاومة العربية، وهنا يمكن استنتاج الاحتمالات التالية:
خلط الأوراق، وإعادة تأجيج الصراع بوجه مشروع الممانعة، وتكوين رأي عام عربي وإسلامي مضاد لهذا المشروع.
الاحتجاج العلني الصارخ على السياسة الاميركية، من النافذة الأمنية، لإحراج ادارة أوباما، وإعاقة سياساتها الرامية الى الانفتاح المباشر على سوريا وإيران، والتدريجي غير المباشر على حركات المقاومة، خاصة على حزب الله، عبر الجانب البريطاني، في محاولة لجذب الأنظار نحو محورية الدور المصري على مستوى المنطقة، وللخروج من مآزق سياسية عديدة، هي:
أ ـ عدم القدرة على مواكبة الاستدارة الاميركية السريعة.
ب ـ تصلب حماس في المفاوضات الفلسطينية ـ الفلسطينية، وعدم تجاوبها مع الرؤية المصرية للملف الفلسطيني.
ج ـ منح تركيا دوراً إقليمياً هاماً، على حساب الدور العربي، وشعور مصر خصوصاً، بضعف الدور المتبقي لها.
3. تحصين الساحة المصرية أمنياً، بعد صدمة الاجهزة الأمنية المصرية بوقائع عمليات نقل السلاح، وتخزينه في الأراضي المصرية، وانتزاع تعهد رسمي من جانب حزب الله، بتحييد الأراضي والمياه المصرية عن هذه الحركة.
4. إعادة الاعتبار امام «حزب الله»، وتوجيه ضربة معنوية له، رداً على ما اصاب النظام المصري من تداعيات جراء مواقف السيد نصر الله، وانتقاده الحاد للدور المصري اثناء حرب غزة.
وقد تكون الاحتمالات الاربعة جميعها محل الاستهداف المصري، غير ان الاحتمال الأخطر، هو ان تكون هذه الحملة، والصمت الرسمي العربي اللافت حيالها، بمثابة تمهيد أمني ـ عسكري ـ شعبي، لعمل عدواني اسرائيلي على «حزب الله»، او على ايران، تماماً كما حصل في مصر نفسها، حين انعقد على أرضها مؤتمر شرم الشيخ لمواجهة الإرهاب، الذي كان تمهيداً لحرب عناقيد الغضب ضد لبنان عام 96، وللحملة التي استهدفت حركة حماس قبل حرب غزة.
خامساً: في النتائج والآثار الأولية
مما لا شك فيه ان تداعيات القضية ونتائجها لم تظهر بعد. غير ان مجرد تفجيرها، حقق نتائج اولية، هي:
انفجار مشكلة غير متوقعة بين حزب الله والنظام المصري، في توقيت غير ملائم للحزب.
خروج مصر العلني، من حيث النتائج، ولو بصورة غير متعمدة، من دائرة الحكم او الوسيط، الى دائرة التموضع الى جانب الطرف الاسرائيلي.
تكريس مفهوم قضائي وأمني جديد في الوسط العربي الرسمي، يعتبر التحرك اللوجستي لدعم المقاومة بمثابة انتهاك للقانون.
بروز حزب الله كأم راعية لحركات المقاومة، تقدم الدعم العسكري المباشر، والرد على المتسائلين بتهكم حول دوره في دعم الفلسطينيين، اثناء مواجهتهم الصعبة في حرب غزة.
ظهور «حزب الله» كلاعب إقليمي قوي، في مواجهة اكبر الدول العربية، وأكثرها نفوذاً في الظروف الراهنة، وبإمكانات اقليمية هامة.
لا بد وأن تظهر الصورة النهائية قريباً ولعل الحريصين ينجحون بالمعالجة الهادئة والموضوعية.
([) كاتب من لبنان

البدوي الشارد غير متصل   الرد مع إقتباس