عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-01-2008, 10:27 PM   #2
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]الشـعر والعنـف



عنف المشهد الشعري هو جزء من عنف المشهد الثقافي العام، ولكن هل هو جزء من عنف الوضع العام المنخور حتى النخاع، بصراعات مبتذلة، لأسباب كثيرة أهمها : المصادرة الفكرية والخوف من الاختلاف…لا يتجلى للمتأمل للمشهد الشعري الحالي الفاصل بين عمق متاهة السؤال، وبين متاهة المتاهة، الخارجة بسبب المصادرة المقيمة في عمق الأحادية، ومنع بوح الآخر ….البوح الشعري متعدد قد يصدر عن واحد، لكن هذا الواحد يحمل تعدده في ذاته، أي يحمل اختلافه، لأن بداخله مساحات ضوئية لا حدود لها، ولا شطآن، والعزلة كآبة روحية يلتذ ممارسها بركوبه وهما استالينيا يعتقد أنه سيغير كل شيء، بيد أنه لن يغير شيئا على الإطلاق.

تقابلات يومية تتقدم المشهد الثقافي والشعري، سكاكينها حادة، حين تنزل على قلب الشاعر تدميه، فتنهمر دموعه وتتحول اللحظة إلى وليد جديد ، ويقع التأمل ، وتسيل الأقلام بين مؤيد ومعارض.ما الذي نود قوله ؟ لماذا بكى علي أحمد سعيد رغم أدونيسيته ؟..هل حقا يجوز نعت الشاعر مهما تكن فداحته بالفيروس؟ الشعر دواء فهل يجوز لنا تحويله إلى داء ببساطة ؟

هذا الجسد مريض، ولكنه يتحرك، ومن عنفه ستتكون الأحداث، وستلغى مقولة " لا شيء يحدث لا أحد يجئ "، وسيطل من النافدة كثيرون، وستُمتدح مقاهي متعددة، وسيتحول "سرير الغريبة " إلى سرير للألفة ..

في زمن قريب، امتداداته ضاربة في العمق، وصل العنف بين الشعراء حد التناحر، حد الاختلاف أو الائتلاف بين الصوفية والسريالية ، حد التناقض بين الحرف وتجلياته، الرمز واستعاراته بين صلب النصوص الأصلية بسريالية متحركة متقدمة في اشتغالها …يحضر العنف الشعري، فيتحول إلى عنف ثقافي مستمد من عنف مشهد عام سياسي في عمقه.

بين سيرة عبد القادر الجنابي وسيرة أدونيس عنف شعري ألقي بظلاله على المشهد كله، فشككت القيادات( الشعرية)، وتمت طباعة رسائل العنف الشعري التي تثبت عمق الحركية وتثبت للجسد حياته لا موته، الجسد المريض الذي يتحرك يدل على الحياة لا على الموت ،كما عبر عن ذلك محمد بنيس، ولكن ماذا بعد ؟ ما الذي أنتجه وضع كهذا ؟ ما الفصل بين الفراغ والخواء ؟ بين الاختلاء الناتج عن قناعة ووعي تامين، وبين تبعية لا تفرق بين الخواء والفراغ في عمق المشهد ؟ .

الإقصاء يولد العزلة، وقد يولد تكتلات للعزلة، أو قد يولد إقصاء الإقصاء ، والنفخ في الريادة بشكل مبالغ فيه يساهم إلى أبعد حد في هذه العزلة. دكتاتورية الشعراء جزء من ديكتاتورية المثقفين والسياسيين أيضا، منع يؤدي إلى الانزواء من ناحية وتشجيع مبالغ يؤدي إلى الخواء من ناحية أخرى.

إذا كان أدونيس يبتكر جنونا حين لا يأتيه الجنون جنونا يمتلك الشيء ونقيضه ( أدونيس زمن الشعر)، وإذا كان عبد القادر الجنابي يحلم لتتحول أناه إلى حلم هو مشاهد الليل كما رؤى اليقظة وتواصل الحالة الهاذية المجنونة (الجنابي في هواء اللغة الطلق)، فإن دلالة عنف المشهد الشعري بينهما يعود لسبب آخر قد يكون أي شيء إلا الشعر.

الشعر إنصات، والعنف يرفض الإنصات. والشعر بوح متمرد، والعنف رفض للبوح وللتمرد معا، لأنه ابن القمع أيا كان مصدره: ذاكرة، تاريخ، حداثته، فقد لا تختلف مخلفات سيببريا ستالين عن نكبات البرامكة والقرامطة إلا في الموقع، وستظل تحمل نفس الدلالة .

والشعر أنا آخر جمعي حين نضع له ( ال )يقع تعميمه على ذوات مختلفة عن واحدها، مدهشة بتفردها، ولكنها أولا وأخيرا جزء لا يتجزأ من هذه ال( ال).

المشرق والمغرب هل هو اختلاف بين شعر وشعر بشكل يؤدي أحدهما إلى إلغاء الآخر ؟ الإقصاء الممارس منذ سنوات طويلة للأدب المغربي والشعر خاصة هل يعود لأسباب الريادة والأبوة والجدودة التي يتمتع بها الشعراء هناك ،ولا يتمتعون بها هنا ؟ ما دور المنابر الثقافية في هذا التعتيم؟ أليس هذا منتهى العنف؟

بفضل بعض المنابر الواسعة الانتشار استطاع الشعر المغربي الآن أن يقف قليلا على قدميه (من ناحية الانتشار لا القيمة لنه يحمل قيمته من قوة شعرائه وتميزهم ) نذكر كمثال : مجلة نزوى، ومجلة كتابات معاصرة ، وجريدة القدس العربي.

هاجم حسن طلب - وهو شاعر - محمد بنيس - وهو شاعر- أيضا نتيجة التشكيك في شاعرية شاعر آخر هو أحمد عبد المعطي حجازي، سيكون للقضية ما قبلها وما بعدها …إنها عنف تجميعي يبتدىء من بكاء الشاعر أدونيس، إلى نفي الشاعر حجازي، إلى رد الشاعر عفيفي مطر …مشهد يحمل في طياته عنف ارتجاجه ،حالة متوترة بين الصحي والمرضي، بين مرحلة استجمام الشعر ومرحلة احتضاره.

قد يطول المشهد وقد يقصر، وقد تتكرر الحالات والأحداث، بنفس التفاصيل تقريبا مع تغيير الأشخاص والوضعيات .علامات تشير إلى وضع متأزم، ممتد، مختلط، مريض، ينعكس على الشعر والشعراء، على (الريادة) ودورها في الإقصاء . تصارع الكبار (تاريخا، وتجربة، وحتى شاعرية ) يؤدي إلى النفور، مما يؤدي إلى طرح عدة تساؤلات من بينها : ما تأثير تواجد الشاعر الفحل (لكبير) على شعراء آخرين أقل كبرا، ولكن أكثر احتراقا ؟ مادور الشاعر الريادي إن لم يكن البحث عن الشاعر الجديد واحتضانه لا إلغاؤه؟ ألا يساهم تمهيد الخواء لا الفراغ في إنتاج طوابير من الشعراء لا يعرفون حتى ما يكتبون فبالأحرى تفرغهم لاحتراقهم؟ ثم قبل هذا وارتباطا به بشكل من الأشكال ، أليس مظهر العنف هذا نتيجة لعنف آخر أعمق، لا علاقة له بالشعر، وإنما جذوره ذوات متربعة على كراسي سلطوية، تمارس الإقصاء لكل شيء، وخاصة إذا كان شعريا منفتحا، رافضا لكل أبوة وتسلط شعري. وقد يسعفنا الرجوع قليلا الرجوع إلى تاريخ الشعر العربي والعالمي لطلب النجدة التي لن تتحقق إلا من داخل الشعر وبالشعراء كل الشعراء .







[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس