عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 08-01-2008, 10:30 PM   #4
السيد عبد الرازق
عضو مميز
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2004
الإقامة: القاهرة -- مصر
المشاركات: 3,296
إفتراضي

[FRAME="13 70"]الشعر والإنترنت



المتنبي شاعر ملأ الدنيا وشغل الناس، عاش شاغلا ومات كذلك، ملأ دنياه ودنيا الآخرين شعرا، من أجل الشعرـ ولا شيء غير الشعرـ كان عيشه، وكذا كان موته. أليس موت الشاعر هو حياته.ما هي ملامح المتنبي هاته التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ؟ حين تشغلني فأنت إما تلهيني عن أعمال أخرى أكثر أهمية، أو تملأ نفسي وفراغاتها لذة ،متعة، دهشة شعرية متلائمة ملتهبة أو هادئة، تبعا لحالتي النفسية وأناي التي تتحكم فيها حتما أناك

المتنبي في الشعر العربي القديم منه والحديث كالإنترنت في التواصل العالمي، كلاهما ملأ الدنيا وشغل الناس . شعر المتنبي يتيح الرؤية للأعمى والسمع للأصم، قدرة على البوح عوض آخرين كثيرين، أنا لأنا الآخر .هذه المقارنة عديمة المعنى في الظاهر، لكنها تطرح السؤال العريض : من الذي يشغل الناس أكثر المتنبي أم الإنترنت ؟

يتيح الإنترنت القدرة على التواصل الداخلي والخارجي بشكل سريع، يتيح القدرة على التيه في أرض الله وسمائه، يتيح التحليق بالعين، بالذهن، بكل الحواس، وبالأعضاء الأخرى الأقرب والأكثر حساسية والتصاقا بظل الجسد . انتقال إلى عوالم المشاهدة والتلذذ والأحلام الملونة والعادية، تواصل تواصلي يصل الظاهر بالظاهر من أجل فك عزلة هاته الظواهر وربما تعقيدها أكثر فأكثر ، بأمل فك الالتباس، التباس الذات وظلها .

****

أنشأت شركة صخر للمعلومات موقعا عربيا للاتصال عبر الإنترنت يضم مواقع للبحث والاتصال الإلكتروني، ومواقع مكتبية ملونة منظمة سريعة التشغيل، يضم معلومات ويضم داخل كل هذا موقعا تظهر على شاشته اليسرى صورة رجل عربي أعرابي بعمامته ولحيته النصف مشذبة. بقليل من التأمل فقط تستطيع التعرف عليه إذا كنت من أهل الحرفة وأهل الاحتراق، أي الشعر. من يكون هذا الأعرابي غير المتنبي.

قصائد – بحث – قوافي –مطارحات .إغراء – شغل – ملأ . الانترنت ملأ الدنيا بمفهوم عولمي، وشغل الناس بنفس المفهوم حاليا. والمتنبي ملأ دنيا العرب وشغلهم قديما وحديثا بأشكال مختلفة، لنتأمل دلالة الشفرات في زمن لم يعد فيه للبراءة الساذجة موقعا.

****

في العدد الثالث من مجلة فصول المصرية الخاص بالرواية، الصادر في شتاء 1997 ورد ما يلي : " لقد ساد الشعر في عصر الفطرة والأساطير، وأما هذا العصر، عصر العلم والصناعة والحقائق، فيحتاج حتما لفن جديد، يوفق على قدر الطاقة بين شغف الإنسان الحديث بالحقائق وحنانه القديم إلى الخيال . وقد وجد العصر بغيته في القصة ، فإذا تأخر الشعر عنها في مجال الانتشار، فليس لأنه أرقى من حيث الزمن ، ولكن لأنه تنقصه بعض العناصر التي تجعله موائما للعصر ، فالقصة على هذا الرأي هي شعر الدنيا الحديثة " [1]

الكلام نشرته مجلة الرسالة القاهرية في الثالث من شتنبر ( أيلول ) سنة 1945 وهو لشاب آنذك يدعى نجيب محفوظ . نجيب محفوظ هو نفسه الذي سيشغل الدنيا كذلك ويملؤ الناس، كل الناس ،العرب والعجم ، وكل الأجناس، ترجم لكل اللغات منذ سنوات، هو أول نوبل عربية في التاريخ . سيظل هو شاعر الرواية العربية، ولكنه ليس كالإنترنت (العربي) أي كالمتنبي. هل نجازف ونرد على كاتب الأربعينات الواسع الانتشار قائلين : لازال الشعر متقدما لازال.

لا أتصور باحثا يعرف العربية يذهب إلى موقع سندباد، ويجد صورة هذا العربي ذي العمامة الدائرية وينسحب دون الضغط على الزر، والنقر على لحية هذا الأعرابي العربي. المتنبي يتجاوز زمانه . الشعر يتجاوز زمانه, الانترنت أحدث آلة تواصلية والمتنبي أيضا

****

يتحدث شاعر النقاد المغاربة عبد الفتاح كليطو في كتابه الرائع " لسان آدم " عن أشياء كثيرة، الرابط بينها جميعا هو حسب تعبيره : البحث في زمن الأوائل، فيطرح في فصل "العرب والكتاب " قضية كتاب العرب الأول أي الخالد ـ من الناحية الأدبية لا الدينية ـ فيتحدث عن المتنبي قائلا : " المتنبي ، إذن ؟ إنه الأعظم في رأي الجميع، قدماء ومحدثين . أبياته تحركها روح ملحمية بلغ من مهابتها وجاذبيتها أن لا عربي بإمكانه أن يقرأها أو يسمعها دون هزة …."[2] .إذا استثنينا حكم "الآخرين" المنتسبين للثقافة غير العربية ، جاز لنا أن نؤول تواجد ديوان المتنبي بكامله في موقعه على شبكة الإنترنت، بكونه تواجد قوي لحضور الشعر والشاعر في حياتنا وتواصلنا بقوة. هل نستطيع أن نطمئن الآن إلى أن للعرب عبر الإنترنت تواصل رمزي، يوحد البحث في وقت واحد بنسبة ما، بواسطة شاعر متنبي ومتنبىء هو المتنبي ؟. لم لم تحضر الرواية وحضر المتنبي؟ هل سندخله في الأوائل في زمن ما حين يأتي نقاد آخرون في الآتي يبحثون في أوائلنا …?.لا يهم الاستناد إلى تحليلات التحكم، وإرجاع الأسباب إلى أسبابها، والعولمة إلى أمريكيتها ، والتحكم في محركات الإنترنت إلى قوى مالية معينة تعيش في منطقة من العالم هي نفس المنطقة التي أنتجت المتنبي جغرافيا …ما يهم هو دلالة الأولية هنا، بغض النظر عن عنصر التحكم، بلغة أخرى، وعلى نفس اللسان: هل نستطيع القول أن المتنبي لازال يتربع المشهد الثفافي؟ هل يمكن الاطمئنان إلى موقع الشعر الآن مادام يحمل مواقعه الكثيرة على الإنترنت( موقع قاسم حداد مثلا ) نتحدث عن هذا بدلالة رمزية، ولا نقارن بين مواقع الفكر والسياسة والدين والتاريخ .

من داخل الشعري بالشعري وبتنبؤ الشاعر نقول: حضور الشعر، وشعر المتنبي الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، داخل الشبكة التواصلية ، بجهاز كومبيوتر يُشغّله فيشتغل به الآن، له أكثر من دلالة تدعو إلى دخول هذا العالم بتواصل بين الشعراء العرب الذين تزداد ظروف انفصالهم ولا تواصلهم أكثر فأكثر .







--------------------------------------------------------------------------------

[1] مجلة فصول المجلد السادس عشر العدد الثالث شتاء 1997 عدد خاص بخصوصية الرواية العربية ص : 5

[2] كليطو عبد الفتاح : " لسان آدم " ترجمة عبد الكبير الشرقاوي دار توبقال الطبعة الأولى 1995 ص : 74
[/FRAME]
السيد عبد الرازق غير متصل   الرد مع إقتباس