عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 22-12-2009, 11:49 PM   #9
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

المجتمع المدني والضمير المتحرر

لقد كانت حركة الإصلاح الديني في ألمانيا تدور حول فكرة (مارتن لوثر) بأن هناك دوراً مركزياً للتجربة الباطنية للإنسان، التي تقلل تماما من قيمة الخدمات الظاهرية التي يؤديها رجال الدين. وكان لهذا الدفاع عن ميدان الحياة الشخصية الذي لا يمكن النفاذ إليه أثره العميق في مفاهيم المجتمع المدني الحديثة.

دخل مارتن لوثر في صراع مع الكنيسة من خلال طرحه لتساؤلات هامة فتحت الأبواب لجذب الأتباع مثل: (لماذا يناصر الله الباطل؟ [باعتبار سلوك الكنيسة في زمنه وحسب رأيه باطلاً] و (الله لا تسترضيه الأفعال الظاهرية). أدار مارتن لوثر ظهره لعالم مسيحي استند الى تراتبية وسلطة كنسيتين.

(1)

لا يمكن معالجة مفهوم النعمة الإلهية باعتبارها ثمرةً لصفقة تنال فيها الكائنات البشرية رضا الله بموجب أفعال ظاهرية. فلا البابوات ولا القرابين المقدسة ولا القوانين ولا القساوسة ضروريون لأجل الخلاص. فالتعبد، والطقوس، والشعائر الدالة على الخضوع الظاهر لم تكن بدائل مقبولة عن طهارة القلب والعقل.

يقول لوثر: إن الضمير هو مركز الإيمان، (( فلا البابا ولا الأسقف ولا أي كائن آخر له الحق في فرض أمر واجب على الإنسان المسيحي من دون رضاه)).

لم يتنكر مارتن لوثر للقول المسيحي القديم القائل بأن المرء يعيش حياته من أجل الآخرين، ولكنه اعتبر أن الأعمال التي لا تنبع من الإيمان بالله ونيل رضاه، لن تكون أعمال خير حتى وإن بدت كذلك، فالصالح بإيمانه يأتي بأعمالٍ صالحة والطالح يأتي بأعمالٍ طالحة. وهذا كله يعود لنقاء الضمير.

(2)

كان لوثر يأمل في أن تقوم الكنيسة بإصلاح نفسها، ولكنه اكتشف أنه لا يمكن أن تقبل الكنيسة بأدوار صغيرة، فلجأ حينها بالاستعانة بالسلطة الدنيوية لمعالجة وضع الكنيسة، لكنه أدرك فيما بعد أن مسائل الإيمان لا تقع ضمن مسئوليات الأمراء، وأن المجمع الكنسي هو فقط من يستطيع تناول المسائل اللاهوتية، فانحرف باتجاه أن مسئولية المجتمع المدني (المواطنين بهيئاتهم) هي من مسئولية الأمراء، وطالما أن هذا المجتمع يتعرض لحيف من الكنيسة، فعلى الأمراء التصدي للكنيسة من أجل إصلاحها.

سرعان ما جابه لوثر المواقف الثلاثة الجوهرية السائدة في زمنه وهي: أولوية السلطة الروحية على السلطة الدنيوية، والحق البابوي في تأويل الكتاب المقدس، والسيادة البابوية على المجمع الكنسي العام. فشرع في تهديم كل واحد من هذه الجدران الثلاثة على التعاقب.

(3)

رفض لوثر المزاعم القائلة بأولوية السلطة الروحية على السلطة الدنيوية، وعمل على إقامة أساس لاهوتي للفصل بين الكنيسة والدولة، وهذه الخطوة الأولى الحيوية نحو قيام نظرية حديثة عن المجتمع المدني. وأعلن أن للمسيحيين مهمات مختلفة في العالم ولكنهم جميعا أعضاء متساوون في الكنيسة وإن التقسيم الاجتماعي للعمل لا ينطوي على تراتبية متفاوتة في الشرف أو الخلاص.

إن جميع المسيحيين ـ القساوسة والحدادين والمزارعين والأساقفة والإسكافيين والأمراء سواء بسواء ـ مسؤولون الواحد عن الآخر وعن المجتمع ككل. إن تمايزات المجتمع المدني المميز لا تمس البتة في مساواة المؤمنين. وإن النظام الدنيوي ضروري للروحي.

كان لوثر بكلامه هذا، يبرر مسبقاً للأمراء بأن يتدخلوا في شؤون الكنيسة كون القساوسة رعايا مثلهم مثل بقية المواطنين.

وعند الجدار الثاني: أي تأويل الكتاب المقدس وحصره بالبابا، فقد قال أن مفاتيح الفهم قدمت لجميع المؤمنين فكل المؤمنين قساوسة وكلهم بابوات.

أما الجدار الثالث، وهو سيادة البابا على المجمع الكنسي العام، فقد استنبط لوثر منفذاً يسمح للمؤمنين بمحاكمة المجمع الكنسي إذا ما لعب به الشيطان، وهنا يكون للأمراء ـ كونهم من المؤمنين ـ الحق في محاكمة المجمع الكنسي وليس البابا وحده.

(4)

عندما أحرزت حركة لوثر زخما قويا، ذهب الى أبعد من ذلك، فطالب الأمراء بوقف (البهرجة) في طقوس الرهبان وملابسهم، ودعا الأمراء الى إجبار القساوسة على الزواج، وطالبهم برفع أيديهم عن تنظيم التجارة والصناعة، كان هذا في مسودة قدمها عام 1520.

إن فكرة المساواة والضمير، فتحت الأبواب أمام الفلاحين والأجراء ليقوموا بثورتهم عام 1524ـ 1525، فقاد لوثر (المستعين بالأمراء) الى الوقوف ضد تلك الثورات، مبررا أن تساوي الأرواح لا يعني تساوي الأجساد، ويخطب بالعبيد والفلاحين: ألم يكن للأنبياء عبيداً وخدماً؟

يجوز للعبد والمريض والسجين أن يكون مسيحيا ولكنه ليس حراً!

على المسيحيين أن يطيعوا السلطات الدنيوية لضمان الاستقرار ولأن السلطة تمنع تسلل اللاأخلاقيين وتمنع الشرور، اعبدوا الله بضمائركم وأطيعوا السلطات. هذا موقف لوثر.
__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس