عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 23-01-2010, 07:20 PM   #10
ياسمين
مشرفة Non-Arabic Forum واستراحة الخيمة
 
الصورة الرمزية لـ ياسمين
 
تاريخ التّسجيل: Apr 2008
الإقامة: المغرب
المشاركات: 2,102
Lightbulb

يتكون النسق من التفاعل القائم بين الفاعلين، وإذا ما استقر

على إشباع حاجيات الطرفين فسيكون مدعاة لتكراره ورسوخه

وينتظر كل منهم استجابة معينة من بعضهم البعض، بحيث أن

استمراريته يولد معايير اجتماعية متفق عليها. وكمثال على ذلك

علاقة الإنسان بعمله، فما دام يذهب إلى العمل كل صباح سينتظر

من رب العمل أجرته في نهاية الشهر. وما دام كلا الطرفين

راضيين بذلك سيتكرر الذهاب كل يوم وستتكرر منحة الأجرة كل

شهر، وعلى غرار هاته العملية تتطور القواعد والسلوكيات التي

تحكم العلاقة بينهما كما أعراف العمل وقوانينه حتى تتبلور في

مؤسسات اجتماعية، تحكم كل منها معايير وقيم ثابتة.

وعلى هذا المنوال، تنغلق الأنساق التي تتشكل بهذه الطريقة

على نفسها بتمايزها عن محيطها، ومن المؤكد أنها تعرف شيئا

ما عنه، لكن فقط بلغتها الخاصة ومصطلحاتها. وهذا ما يجعلها

منفتحة، فهي تقوم ببناء قاموسها الخاص بالمحيط عن طريق

انتقاء المعطيات المفيدة لحساب إعادة إنتاجها.

وبعد هذا الرصد، يتعين فهم المجتمع المعاصر بحسب هابرماس

كتزاوج لصيغتين من الاندماج الاجتماعي: النسق من جهة

والعالم المعيشي من جهة أخرى.إذ قامت فكرة "العالم المعيشي"

كما حددتها الفلسفة الظاهراتية على مقارنة إدموند هيسرل

(Husserl) بين نوعين من الحقائق وبين نوعين من العوالم

[16]:

فهناك حقائق العالم المعيش وهناك أيضا حقائق العلوم

الموضوعية، فحقائق العالم المعيش حقائق تاريخية وذات علاقة

بتجارب وتراكم خبرات مقرونة بسياقات ثقافية معينة، أما

حقائق العلوم الموضوعية فهي كونية – غير ثقافية – ولا

تتعلق بمحيط ثقافي ما، بل أن مسلماتها قابلة للتطبيق في كل

مكان. بمعنى أن فكرة العالم المعيش تعني عالم الوجود مثلما

يحياه الإنسان يوميا في محيط اجتماعي مقرون بسياق اقتصادي

وثقافي، فهو عالم التجربة الآنية كما يعيشه الإنسان وهو عالم

يتعلق بالإنسان وبيئته الثقافية والجمعية.

ويلاحظ هيسرل في كتابه "أزمة الثقافة الأوروبية

والفينومينولوجيا المتعالية": إن من بين الأشياء الخاصة بالعالم

المعيشي، نجد أيضا المخلوقات البشرية بكل أفعالها الإنسانية

واهتماماتها وأعمالها وآلامها، منخرطة في حياة مشتركة من

خلال علاقات اجتماعية معينة، ومن خلال معرفة ذواتها بأن

تكون كما هي"[17]. إنه عالم سطحي خال من الرؤية النظرية،

أما بالنسبة لهابرماس، فالفرق بين النسق والتفاعل ليس

تحليليا فقط، ومن ناحية ابستمولوجية يمكن فهم أي فعل

اجتماعي من زاويتين: تشير أولاها إلى الفعل كتفاعل أو كعنصر

من نسق ما، فالتفاعل يتم من وجهة نظر المتفاعلين إذا ما

أثبتت أقوالهم صلاحية يكمن ورائها حدسهم المعياري، أما

الثانية تشير إلى وجهة نظر ـ رؤية خارجية ـ الملاحظ المختص

الذي يضع الفعل في دائرة الأفعال الاجتماعية ككل، ويرصد

الأسباب أو النتائج التي قد تغيب عن الفاعلين أنفسهم.

ويقدم هابرماس رؤية لفهم العالم المعاصر من خلال التعريف

الجديد الذي يراه منشطرا إلى عالمين: الأول يخص العالم

المعيش الذي تقوم بنياته على اللغة والتواصل والثاني يخص

عالم الأنساق الذي يخضع بالأساس للعقلنة الحسابية التي

تتميز بالوظيفية والأداتية والفعالية.

وهذه الفجوة تقسمه إلى شطرين: عالم الأنساق والعالم

المعيشي. فاللغة تلعب دور التواصل في العالم المعيشي،والنسق

مجال العقلنة الحسابية والأداتية المحيطة به. فاللغة كالأرض

تشخيص لمأوى الوجود وعلى الرغم من أنها كانت دائما وسيطا

رمزيا(Medium)[18] بامتياز، لا يمكنها التنسيق بين جميع

الأفعال الإنسانية. لذلك حلت محلها الأنساق في العديد من

مناحي الحياة.

وإذا كان التاريخ المعاصر يشهد إعادة انتشار اللغة كتواصل

بوصفها خزانة البشرية التي لا تنضب، يمكن القول أن هذه

العقلانية الثقافية تعتمد وسيطا ضعيفا. فالفعل التواصلي الذي

يقوم اليوم مقام الأدوار التي قامت بها التقاليد البارحة، غير

مؤهل بما فيه الكفاية للقيام بالتنسيق بين جل الأفعال في الواقع

المادي للمجتمع. لذلك تلجأ المجتمعات إلى وسائط النقود

والسلطة التي تمكن الاقتصاد والدولة ـ كأنساق اجتماعية ـ أن

تحقق استقلاليتها عن العالم المعيش. وما يعرف اليوم عن هذه

الأنساق أنها ذو نزعة توسعية ومهيمنة ترغب في احتلال كل

جوانب العالم المعيش والسيطرة عليه، مما يسبب أضرارا

نفسية واجتماعية لا يستهان بها ويطرح على المستوى

السياسي أزمة الشرعية.
__________________



" كان بودي أن آتيكم ,, ولكن شوارعكم حمراء ,,

وأنا لا أملك إلا ثوبي الأبيض ",,

* * *

دعــهــم يتــقــاولــون

فـلــن يـخــرج الـبحــر

عــن صمته!!!

ياسمين غير متصل   الرد مع إقتباس