عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 21-09-2010, 10:09 PM   #12
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي

ضوء على موضوع التضخم

لو سألتَ أحدهم، وقد اشترى سيارةً حديثة (موديل سنتها)، كم كيلومتراً تقطع في صفيحة البنزين الواحدة؟ [ الصفيحة هنا 20 لتراً]، وجاوب مثلاً: تقطع 250 كم بالصفيحة الواحدة. ولو عدت لسؤاله بعد 10 سنوات مثلاً، كم كيلومتراً تقطع سيارتك بالصفيحة الواحدة؟ وأجاب 190 كم. فالفارق بين سيرها في المرة الأولى والثانية يشبه موضوع التضخم لحد ما. أي أن كفاءة محركها للاستفادة من الوقود قد نقصت 60 كيلومتراً.

كذلك، فإن من كان ينظر الى حال المعلمين في الستينات من القرن الماضي، فإن رواتبهم كانت تكفيهم ويوفرون منها ويقومون بشراء بعض قطع الأراضي، ويبنون ويرسلون أولادهم لإكمال تعليمهم العالي، رغم قلة رواتبهم بالمقارنة مع رواتبهم الحالية. لكن قبل عشر سنوات، كنا نسمع بعض المعلمين، يشكون من أن رواتبهم لا تكفي لإتمام الشهر، في تغطية مصاريف الأسرة. واليوم منهم من يذكر أن راتبه لم يعد يكفيه إلا أسبوع أو اثنين...

في تعريفهم للتضخم المالي يتفق المختصون الاقتصاديون بأنه حين ترتفع أسعار السلع نتيجة لزيادة كمية النقود بالنسبة الى كمية السلع و الخدمات، تتدهور قيمة النقود ، يسمى ذلك تضخما ماليا ، فالتضخم يظهر إذن كلما زادت وسائلالشراء (القوة الشرائية) لدى الأفراد دون أن تزيد كمية السلع بالنسبة نفسها ، ويرجعالخبراء أسباب التضخم لنظريتين : الأولى : من الطلب الجاذبDemand Pull والثانية : من جانب النفقات الدافعة وتسمى Cost Pushوللتضخم المالي مساوئ كثيرة منها : إعادة الدخل بصورة غير عادلة ، وقد يدفع الى نقصان الإدخار وقد يجعل أسعار البضائعفي الدول التي تعاني من التضخم مرتفعة ، مقارنة بغيرها من الدول .*1

من أسباب التضخم

تظهر آثار التضخم في الدول النامية أكثر منها في الدول المتقدمة، وقد تظهر في الدول المتقدمة، ولكن بصورة نادرة ومتباعدة، نتيجة المراقبة المستمرة لحركة النقود ومعادلاتها بحركة الإنتاج والصادرات والواردات ونظم الرواتب وغيرها.

أما في الدول النامية أو الدول التي عانت أو ما زالت تعاني من أوضاع غير سوية في وضعها السياسي وعلاقاتها مع المجتمع الدولي فإن قوة النقد المحلي لا تستقر على حال، ففي تركيا مثلاً، في بداية التسعينات، كان من يحصل على قرض بالنقد المحلي (الليرة التركية) وبفائدة 700% يكون محظوظاً. وفي الكونغو أيام (موبوتو سيسي سيكو) كانت الأصفار تضاف للعملة بشكل أسبوعي، وكذلك كان الوضع بالبرازيل وغيرها من الدول في عقد الثمانينات وعقد التسعينات من القرن الماضي.

وقد تكون التطورات الاقتصادية والسياسية المحيطة بالبلد من أهم مسببات التضخم رغم احتراز واحتياط القيادة فيه. ففي العراق قبل 1/6/1972 كان صرف الدينار العراقي رسمياً (في مصارف الدولة، ولم يكن غيرها) يساوي ثلاثة دولارات. وبعد تأميم النفط في ذلك التاريخ، زادت ميزانية العراق من أقل من مليار دولار في عام 1972 الى حوالي 25 مليار في نهاية السبعينات، وذلك بسبب وضع الدولة يدها على واردات النفط وبفضل ارتفاع أسعاره، بعد حرب تشرين المجيدة. ثم بعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية تراجع صرف الدينار الى حوالي دولار واحد، ثم بعد سنين الحصار الطويلة التي نشأت بعد اجتياح القوات العراقية للكويت، أصبحت العملة العراقية عملة محلية وحدودية (أي يتعامل بها قليل من دول الجوار) وهذا ما جعل الدينار العراقي (المصوَّر) يتراجع الى ما يعادل 1500 دينار لكل دولار.
من نظريات تفسير التضخم

من أشهر النظريات التي تعني بتفسير التضخم هي نظرية الأمريكي (فيشر) حيث يعزو التضخم الى زيادة كمية النقود بالنسبة الى كمية السلع والخدمات، فمثلاً عند زيادة الأموال بيد شعب ما، فإن الطلب على العمالة يزيد وبالتالي فإن العمال سيطالبون بأجورٍ عالية وسيحصلون عليها (خدمات)، وعندما ينخفض طرح المواد الغذائية في سوقٍ مع زيادة القدرة الشرائية عند المستهلكين، فإن أسعار تلك المواد سترتفع وهكذا.

ولكن (جون مينارد كينز 1883ـ 1946) الاقتصادي الإنجليزي المعروف، والذي كان له دورٌ وآراء مهمة في الأزمة الاقتصادية العالمية في نهاية الثلث الأول من القرن الماضي، له وجهة نظر مختلفة فهو يُرجع أسباب التضخم الى توظيف كل عوامل الإنتاج، لأنه في كل محاولة لزيادة الاستثمار لا بد أن تحمل الأسعار على الارتفاع لأن ازدياد الطلب وتوظيف العمل الموجود يدفعان الى التنافس على العمال والى ارتفاع الأجور بغير زيادة في الإنتاج، وعندئذٍ تصل الجماعة الى حالة تضخم حقيقي. ويُشار الى هذا النوع على أنه تضخم بسبب (الطلب الجاذب Demand Pull).

فالتضخم الحقيقي عند (كينز) هو ذلك الذي يؤدي الى ارتفاع نفقات الإنتاج والأسعار دون أن تصحبه زيادة في حجم الإنتاج. أما التضخم الجزئي فهو الذي ترافق فيه زيادة كمية النقود زيادة في حجم الإنتاج في الوقت نفسه. وهذا التضخم ليس تضخماً بالمعنى الصحيح الدقيق، بل هو نوع من تشجيع الصناعة يقع غالباً في فترة الانتعاش. ومن الخطوات التي تتخذها الدول عادة لمكافحة التضخم:

1ـ زيادة الإنتاجية، إذ عندما يزداد الناتج لكل (رجل ـ ساعة Man – Hour)، تنقص نفقة الوحدة من العمل في عمليات الإنتاج ( ما لم تزد معدلات الأجور بنفس النسبة).

2ـ امتصاص القوة الشرائية، أي إبعاد المداخيل الزائدة عن أسواق الاستهلاك، وذلك بإجبار الأفراد على الادخار ومنعهم من إنفاق مدخراتهم، وذلك عن طريق فرض الضرائب وتوظيف المدخرات في سندات الدولة.

3ـ إتباع سياسات نقدية ومالية لتقييد الطلب الكلي.

4ـ زيادة البطالة وتسريح العمال، وبالتالي تخفيف الضغط التضخمي.

5ـ التدخل المباشر في الأسواق لتجميد الأسعار والأجور.

للتضخم المالي مساوئ كثيرة، أهمها إعادة توزيع الدخل بصورة غير عادلة، وقد يدفع الى نقصان الادخار، وقد يجعل أسعار البضائع في الدول التي تعاني من التضخم مرتفعة، مقارنة بغيرها من الدول.

في المرة القادمة سندرج الكيفية التي تصدر بها الدول المتقدمة التضخم للدول النامية..

يتبع




هوامش
*1ـ موسوعة السياسة/ د. عبد الوهاب الكيَّالي وآخرون/ المؤسسة العربية للدراسات والنشر/ بيروت: الطبعة الثالثة للمجلد الأول/ صفحة 762.


__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس