عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-01-2009, 03:43 AM   #3
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم


أخي العزيز السيد عبد الرازق :
لكونك متواضعًا لا تحب أن يرفعك أحد مكانًا فوق مكانك ولكوني ثقيلاً لا أحب إلا فرض رأيي كالذبابة التي ما تُهشّ إلا ويعود أزيزها ، فليس لك بحكم تواضعك إلا أن تقبل كل تقديري وشكري والذي من ضمن صوره قبول هذا العنوان
تنبيه اللبيب الحاذق إلى عبقريات رؤى السيد عبد الرازق



حقيقة يا أخي العزيز لقد لمست بهذا المقال وترًا من أوتار القلب الشاعري ، لا سيما وأننا في زمان تتضارب فيه الرؤى والأفكار الفنية والصراعات المحتدمة بين محوري الحداثة والأصالة بما يوحي أن
الأفكار ليست إلا النسخة غير المرئية من دموية الحروب .
أشكرك على هذا المقال لأنه يلبي بشكل كبير احتياجات المتخصصين بعض الشيء في التزود بالمعين الذي من خلاله يعبرون واحات عالم الأدب والإبداع . وشكر ثان لأن هذا المقال بلا مبالغة تطبيقي لدرجة كبيرة لاسيما لأدباء الخيمة الذين يقتربون بخطى ثابتة من الإبداع الاحترافي مثل الحنين وثائر الحيالي وeid-123 وغيرهم .
الذي أحب قوله هو أن اللهجة العامية في كل زمان ومكان تنبع من حاجات ومعاناة الطبقة الوسطى، ورديفتها في ذلك الطبقة الكادحة. من هنا نجد اللغة تتشكل في إطار تصوري للمعنى والجانب الحركي منه .
بمعنى أننا في اللهجة المصرية لما نقول مثلاً كلمة (اشتغالات) أو على سبيل السخرية (حبشتكنات) أو أية لفظ آخر مثل كلمة (مدبّ - مرزبّ) كل هذه الكلمات ارتبطت بتصور ما لشكل الفعل أو القائم به. ومن هنا فإنها تصنع الجانب الإدراكي المتناسق مع وظيفة هذا الفعل .
فالمواطن المصري يعرف دلالة كلمة اشتغالات ويتصورها في إطار القائم بها ، فيتصور شخصًا (ابن بلد) له ملامح معينة من حيث الوجه والثوب وطريقة الكلام (مندوب المبيعات مثلاً) .
هذا التصور يتيح للقارئ أن يستخدم لغة اختزالية -كما ذكر الكاتب- لا تكون متيسرة في المعاجم .
وهذا ربما يفسر لنا عبقرية الشعر والزجل المصريين في أنهما تجاوزا الحالة الشعورية للمتلقي عنها في الشعر الفصيح، ففؤاد حداد وبيرم التونسي وأحمد فؤاد نجم كانوا وغيرهم حركة مقابلة للمدارس الكلاسيكية في الشعر الفصيح وبظهور طليعة جديدة من الشعراء كنجيب سرور وأمل دنقل وصلاح عبد الصبور هذه الطليعة وليدة المعاناة تم التزاوج بين النسقين العامي والفصيح في لغة هي كالشطيرة الملفوفة لا يمكن فصل مكوناتها عن بعضها البعض.
هذا بعيدًا عن الشعر المضفّر والذي يتم فيه الانتقال المتعمد من الفصحى للعامية والعكس .
نعود لموضوعنا : يقول ابن جني رحمه الله أن الأفعال المصوغة من فعلل تفيد حالة الحركة والمبالغة الحركية ككلمة قلقل تمتم عسعس رقرق ....إلخ
وبالتالي يكون وجودها في نسق يتماشى مع الحالة الشعورية والتفعيلة والصورة الذهنية يكون تحقيقًا لهذا الجانب المهم . والتعقيب على هذا المقال يحتاج إلى ما لا يقل عن خمسة مقالات لا طاقة لي بها .
الحداثة الآن من مزاياها أنها أعطت مساحة من التسامح شرط ألا يصل إلى السفه ... هذا التسامح هو تسامح منضبط من خلاله يمكن إقحام كلمة عامية تتناسب موقفيًا مع القصيدة الفصحى أو العكس.
قال لي شاعر يدعى أيمن مسعود أحسبك تعرفه : إن نجيب سرور في كان يصف معاناة الفلاح المصري فقال في قصيدة فصحى ما مثاله: أنا ابن الطين والمسطبة .. رغم أنها كلمة عامية تمامًا إلا أنها أدت في التصور الذهني والتفاعل الشعوري ما لا تؤدي كلمات معجمية مجمعية(من مجمع اللغة).
وعلى صعيد التراكيب سترى إبداعًا لا تحده حدود عندما يقول صلاح جاهين في حب مصر :


قوله :
على اسم مصر
على اسم مصر التاريخ يقدر يقول ما شاء
أنا مصر عندي أحب وأجمل الأشياء
بحبها وهي مالكة الأرض شرق وغرب
وبحبها وهي مرمية جريحة حرب
بحبها بعنف وبرقة وعلى استحياء
واكرهها وألعن أبوها بعشق زي الداء

واسيبها واطفش في درب وتبقى هي ف درب
وتلتفت تلاقيني جنبها في الكرب
والنبض ينفض عروقي بألف نغمة وضرب
على اسم مصر
لاحظ عبقرية التشكيل ألعن أبوها -بحبها بعنف تعبيرات تفوق الفصحى.
المحبوبة قد تكون (بنت بلد) لما يقول لها حبيبها أو زوجبها يخرب عقلك يا بنت المجنونة
قد تكون أكثر فرحة بهذا التعبير مما لو قال :"أحبك يا نجمة في سما قلبي "
ولهذه العبقرية نجد شاعرًا عباسيًا يقول متغزلاً في محبوبته :

وتلحن أحياناً وخير الكلام ما كان لحنا
هذه العبارة أخطأ كل نحاة العصر بما فيهم الجاحظ والسيد الزبيدي في تفسيرها وذهبوا جميعًا إلى القول بالاشتراك اللفظي وغيره.. أما االدكتور إبراهيم أنيس -لأنه عاصر في بيئته - باطن هذا المعنى فقد أحسن التفسير لما قال : المحب يقول إن أي شيء محبوب من محبوبته حتى اللحن .
وكأنه يقول إنها كالطفلة تكون (طعمة) جميلة أكثر عندما تنطق الكلمات بشكل خاطئ. وتستطيع أن تستنتج من تفسير الدكتور إبراهيم أنيس معاني أكثر من ضمنها .. أنها مدللة ، لهذا لا يدقق في نطقها وتستطيع استنتاج حالة من المرح المسيطر عليها ولو تابعت التفكير لوجدت لهذا الشطر دلالات كثيرة على الحياة الاجتماعية في هذا العصر .
لذا أراني متفقًا مع صاحب المقالة هذه في أكثر ما قاله لا سيما هذا المقطع :الثاني :
الألفاظ العامية التي ليس لها أصول فصيحة – فيما أعلم - كالفعل ( يتشعبط ) في
قالوا: يتشعبط جبلا
من أجل مواجهة ،
دون ذخيرة ( ج 1 ص 46 )
.....
أذكر دالية تتشعبط من نبع
فوق سلاسل مريام ( ج 1 ص 125 )
...
سأتحول إلى دالية تتشعبط أسوار مريام ( ج 1 ص 273 )

وعلى الرغم من الغياب المعجمي للفعل ( تشعبط ) – فيما أعلم – فإن له حضورا مائزا في الوجدان الشعبي الفلسطيني ،و أزعم أن دلالته تختلف عن النظير الفصيح ( تسلق ) ، فالتسلق قد يقتضي وسيلة أو وساطة كالحبل أو السلم وغيرهما ، أما ( التشعبط ) فيكون بأطراف الجسد مباشرة ، إذ يحوي دلالة الالتصاق ، كما يحوي الفعل العامي شحنات وجدانية تجلت في دلالة السطور المختارة ؛ فقد وقع الفعل في سياق تسلق الجبال من أجل المقاومة ومواجهة الأعداء ، وفي هذا السياق تتجلى العلاقة الوجدانية بين الإنسان والوطن ، كما لا تخفى علاقة العشق بين الدالية وسلاسل أو أسوار مريام .
وتتناغم دلالة الفعل ( أتشعلق ) مع الدلالة الوجدانية للفعل ( أتشعبط )


ولك أن تعود إلى العقاد رحمه الله وسوف ترى أنه ذكر كلمة بهدلة في حديثه عن ذكرياته .
الكلمات عكنتة ، تهجيص -هجايص ، والتراكيب : أكسر وراه قلة كناية عن الشماتة ، لمونة في بلد قرفانة......إلخ
كلها تعبيرات تؤدي إلى سرعة التداعي ، لهذا تمكن بعبقرية الحداثيون شعراء الفصحى من تحييدها وتجنيدها إلى صفوفهم حتى تكاد ترى شعراء الفصحى والعامية في عناق والجمهور المصري لا يكاد يفضل أحدهم على الآخر وهذا ما فطن إليه الشعراء المذكورة أسماؤهم سلفًا (نجيب سرورو وشركاه).

أما الكلمات العامية ذات الأصل الفصيح فأتحدث عنها في مقال لاحق بعد إنهاء هذا المقال حتى لاتتضارب الرؤى .. أتركك مؤقتًا وعذرًا للإزعاج .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار





آخر تعديل بواسطة المشرقي الإسلامي ، 26-01-2009 الساعة 04:13 AM.
المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس