عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 26-07-2009, 09:42 AM   #360
المشرقي الإسلامي
أحمد محمد راشد
 
الصورة الرمزية لـ المشرقي الإسلامي
 
تاريخ التّسجيل: Nov 2003
الإقامة: مصر
المشاركات: 3,832
إفتراضي

نحن أمام نص جميل يمتلك صاحبه القدرة على التصوير والتعمق في الصورة بمختلف أشكالها السينيمائي منها والتشكيلي ، والمتحرك منها والثابت
والمنطقي منها والسيريالي ...إلخ
قبل البدء في التعليق أو الإشارة إلى أن العمل الأدبي له الجوانب التصويرية والتي هي وسيلة لفهم الجوانب النفسية والجوانب الفكرية ، ومعنى أنها وسيلة أي أنها مجرد أداة وليست غاية في حد ذاتها تبرِز نظرة صاحبها إلى فكرة المجاز ، كما أنها ليست وسيلة (استعراض) الملكات الإبداعية في التفكير.
من هنا أقول أن كيرة هذه الصور جعلت العمل كالشاي زائد السكّر ، لا تستطيع إلا أن تتركه.
العمل امتاز بقدرات بديعة على الرسم للمواقف النفسية والإنسانية ، والتي من أبرزها هذه التعبيرات :

تتحول أسراب الساعات والأيام إلى سلالم تفضي إلى اللامكان..حيث الفراغ والغياب ,....والرياح الباردة


كان تشبيه الوقت وطوله كالسرب جيدًا في إبراز هذه التتابعية كما أنه كان من الممكن أن يجعل القارئ يتوقف ذهنه عند دلالة الأسراب هل هي أسراب معتدية أم هي مسالمة ، لكن هذا التفكير لم يأت بسبب سلالم تفضي إلى اللامكان حقيقة كان بين التبعيرين ترابط حركي أو وظفي فكلاهما يشترك في خاصية الانتقال إلى الأعلى والتحليق الحر . كانت كلمة (الفراغ والغياب) زائدة لأنها متضمنة في معنى اللامكان .وتأتي الرياح الباردة-ربما- لتجعل حالة "الشتاء النفسي" محورًا من محاور العمل يدور حولها اللفظ (الخريف والألم).
وتختلط نكهات الصباح الشاحب بسواد ليالي لاتمحى ...ولايعود للون السماء أي فرق فوق الرؤوس

الصباح الشاحب تعبير فيه تشبيه له بسمة من سمات الإنسان وهي الشحوب والنكهة سمة من سمات الطعام وهذا يعطي للصباح تعددًا وانفتاحًا في الدلالات وهذا أمر يحسب بطبيعة الحال للعمل ، لكن تتابع هذه الصور بهذه الكيفية يجعل الصورة النهائية أو المحصلة الأخيرة مشوشة في ذهن القارئ على الأقل تصويريًا.
والتعبير عن لون السماء أظنه جاء بشكل غير واضح ومبهم ، لعل سبب مجيئه على هذه الشاكلة هي الرغبة في البعد عن التعبيرات المباشرة على الرغم من الدور الذي تلعبه بعض التعبيرات المباشرة والعادية من خلال السياق في تقوية الصورة والدلالة النفسية .
فكلها سيان عندي
كان هذا التعبير له عنصر المفاجأة في أنه موّه على المتلقي وأعطاه الانطباع بأن الحديث عن واحدة من أشجان النفس والتي يتصالح فيها الفرد مع ذاته ويتوحد معها حتى يقصي الآخر تمامًا أو ضميرًا يفيد الآخر حتى يتحدث عن مأساته ، ولكن المعاناة فيها بوح للآخر من خلال الضمير (الكاف) بعد ثلاثة أسطر من خلال اللفظ :
غيابك ليكون محورًا ثانيًا في العمل لكن لندع الضمير الآن ونأتي على الصور من جديد :
وتنمو أشجار الحرمان بداخلي دون تشذيب , تقتات من غيابك ليشتد عوده
كانت تعبيرات كها متكاملة حققت ما يسمى بمراعاة النظير ، ووجود مفارقة معنوية أي حرمان مشذب في مقابلة حرمان عادي أعطى توظيفًا جديدًا لاستخدام هذه الألفاظ واتساع خصائصها النفسية ، وهكذا كان التكامل في المراعاة للنظير عنصرًا حاضرًا مساعدًا على اكتمال قوة العمل . وهنا كان لفظ (غايبك) مؤثرًا بشكل كبير في نجاح الفكرة لأن اقتران الضمير بالاسم يدل على حالة تشبه المعانقة والتي يصعب الفصل على صعيد الكلمة وعلى صعيد الحالة . وهذا الضمير دل على حالة التمازج بين الاثنين وجدانيًا .
ربّيتها براعما هشة
جميل في هذا التعبير الاعتماد على حالة الدلالة المفاجأة ، فهذا اللفظ إضافة غلى (دون تشذيب) دل على تجزء مراحل الحزن وهذا يعطي للعمل حساسية كبيرة . وهذا اللفظ دليل على معنى جميل وهو الشجن ذلك الحزن الهادئ الذي نتلذذ به قليلاً ثم ما يلبث أن يصير بركانًا .(براعم هشة) لأنها ممنوعةمن الصرف أي التنوين.

وتعهدتها بالدمع والسهر. الأن, صارت تخترقني بعنف و تنفذ عبري إلى الخارج ...كأبن عاق لايعبأ بأنين أمه

كان تعبير تعهدتها بالدمع والسهر زيادة ومباشرة في اللفظ واستدرارًا لمراعاة النظير وجعل الصور كلها على جمالها من الممكن أن تضيع في ضعف هذا المعنى والذي لم يكن له داع ، فليس جديدًا أن هذه الحالات كلها تستدعي دمعًا وحزنًا ، وطالما أشرت من قبل إلى أنها آذت فلماذا تأتي تخرتقني وتنفذ ....؟كانت تعبيرات زائدة ليس فيها إلا التداعي والتداعي يقصد به أن معنى يستدعي معنى آخر فتتراكم مجموعة من المشاعر الزائدة دون لزوم .
وتسيل أنهار الجراح بأوصالي ... وأوصال أشجاري ، تسقيها ولاتسقيني, تخمد عطشها وتلظّي نيران وجعي
نفس الأمر يتكرر بنفس الطريقة أيضًا واستخدام أكثر من تركيب للدلالة على لفظ واحد يعد أمرًا غير محمود مطلقًا في العمل الأدبي كأنه دليل على عدم القدرة على تحديد الهدف بالضبط .
تعبت من هذا الوجع الفصيح الذي يتكلمني بلغات كل من سكن الأطلس العجوز...منذ نشأته الغابرة
وجع فصيح كان تعبيرًا جيدًا عن شدة الآلام وتعذيبها للفرد ، كان استمداد الأسطورة له جانب تصويري تشكيلي يجعل الصورة أكثر عمقًا ومأساة وهنا تلعب على سحر الصورة أحيانًا وسحر المعنى أحيانًا وسحر الحالة أحيانًا أخرى .وهذا يدل على اكتمال الصورة في الذهن لكن طريقة نقلها تحتاج إلى دقة أكبر من مجرد السرد.

بنيته بطوب الصمت والكتمان ، حيث وسادة أزهرت لكرم أمطاري ..وجدار يتعرق من حمم أوجاعي

كلها تعبيرات لا يشعر القارئ معها إلا أنها جاءت للاستعراض فقط أو لسد خانة . كل تعبير وحده جيد وله دلالته غير أنها كلها في الإطار العام ليس هنالك ما يجمعها كما أنها بعد ذلك كله اعتمدت على تكرارات لنفس البنية ، فلو كانت هناك بنية مختلفة في التراكيب لكان من الممكن أن يتغير شكل العمل ، إلا أن انبهارك بالصور جاوز بها أفقها .

وقلم صار يتعثر سهادا وتخمة بعدها حرمته النوم.. واستعجلته إلى وجبات حروف تعتنق نفس الطعم...كلما ملأتني سادية كاتب من جديد
هنا أجدني أمام ما يماثل (لحظة التنوير ) في فن القصة .. المفاجأة الكامنة بعد كل هذه المسرودات أن المعاناة هي معاناة الكتابة نفسها وهي سبب كل الألم وهذه المحبوبة التي أشير إليها مرة واحدة فقط وربما تكون الفكرة وليست المحبوبة الحقيقية هي المحرك وراء كل هذه المعاناة كأن غيابها هو الذي سبب هذا الخريف المؤلم ، وهنا يأتي لتعبير سادية الكاتب دور كبير في التعبير عن الصراع النفسي الكامن داخلك في عملية الكتابة أو الإبداع والمراعاة للنظير كان فيها بعض الركاكة في التعبيرات مثل :
وقلم صار يتعثر سهادا وتخمة بعدها حرمته النوم
غير مفهوم القصد من ورائها بشكل كبير ،وكانت مراعاة النظير بها بعض التكلف على صعيد منطقية الصورة .

عمل جيد ومن طراز فريد وكان العنوان فاعلاً فيه ويتربط بأجزاء كبيرة من العمل .
عمل جيد وأرجو لك التوفيق ودمت مبدعًا .
__________________
هذا هو رأيي الشخصي المتواضع وسبحان من تفرد بالكمال

***
تهانينا للأحرار أحفاد المختار




المشرقي الإسلامي غير متصل   الرد مع إقتباس