عرض مشاركة مفردة
غير مقروءة 24-11-2012, 11:56 AM   #6
ابن حوران
العضو المميز لعام 2007
 
الصورة الرمزية لـ ابن حوران
 
تاريخ التّسجيل: Jan 2005
الإقامة: الاردن
المشاركات: 4,483
إفتراضي


إسلامٌ واحد.. وقراءات سياسية متعددة

عندما بعث الله عز وجل نبيه محمد صلوات الله عليه، في مكة وقلب الجزيرة العربية، لم يكن صعباً على أبناء تلك المنطقة أن يفهموا القرآن الكريم والاعتراف ببلاغته وقوة نصه، حتى من لدن المشركين أنفسهم. ولم يكن للمؤمنين الشباب حاجةٌ للتوسع والمجادلة حتى يُنَفّذوا تعليمات الرسول الكريم بما يأمرهم الله تعالى. فهذا النفر القليل المؤمن سرعان ما نشر الإسلام بالربوع العربية المجاورة، وأزاح غطرسة أكبر إمبراطوريات ذلك العهد بقليل من السنوات.

وبعد قرنٍ من الزمان انتقل المؤمنون من بيئة بدوية بسيطة الى مناطق أكثر تمدناً ورقياً، تعتني بالعمارة والفلسفة والطب والفلك والهندسة، وغيرها من العلوم الطبيعية والأدبية. كان لزاماً على القائمين على إدارة الدولة ألا يتماهوا مع تلك الظروف المستجدة فقط، بل ويتفوقوا على من أصبحوا من رعاياهم ومواطنيهم، فلم يشجعوا العلم والتجربة والبحث العقلي فقط، بل ابتكروا أفضل الطرق فكان الخلفاء العباسيون في صدر دولتهم، يقبلوا بدل المال كُتُبَاً قديمة كانت مرمية في سراديب قصور الروم، وكان ملوك الروم ينظرون لتلك الصفقة بالسخرية من خلفاء بني العباس.

وعندما تقدمت حركة الترجمة في كل المجالات، ظهرت نُخبٌ عربية وإسلامية، ترتفع هاماتها على غيرها من غير المسلمين، فازدهرت أعمال الوراقين والكتاب وانتشر مناخ استقطب فيه كل المبدعين من العالم ليجاوروا العواصم والحواضر العربية من قرطبة وأشبيلية غرباً مرورا بمدن المغرب ومصر والعراق وبلاد الشام ووصولاً الى سمرقند وخوارزم وغيرها.

هذا المناخ أوجد بعض القطيعة بين النُخب والوسط الديني (رجال الدين والفقه والمحدثين) وامتدت تلك القطيعة لتصل العامة، ففي حين يشتهر الفارابي وابن رشد وابن طفيل وغيرهم كفلاسفة في كل أنحاء العالم، كان هناك من ينظر لهم نظرة تحقير واستصغار وأحياناً تكفير..

الخلاف حول الدولة والحكم

لم يظهر الخلاف بقراءة موضوع الحكم والدولة، بين رجال الفقه وغيرهم من الناس، بل ظهر في بداياته بين الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً، حتى أولئك المبشرين بالجنة، وهي مسألة لا تستوجب التطير أو الأسف، بل هي مسألة حيوية ومهمة جداً للوصول الى منهج لتداول السلطة أو الحكم..

لكن المسلمون والعرب بالذات لم يقفوا عند نظامٍ ثابت يتفق عليه الجميع. فطريقة اختيار الخليفة الأول اختلفت عن الطريقة في اختيار الثاني والثالث والرابع، حتى أصبح الحكم ملكياً بعده في كل العهود والمناطق.

فالدولة، لغوياً من دال يدول وتداول أي تناقل، والأيام دول، وهكذا ودواليك. فهي عندنا لغويا غيرها في الحضارات الأخرى فهي (State) مأخوذه من الصخرة والجبل الثابتين . والدولة، جغرافياً عندنا أيضاً غير محددة فأحياناً يفتخر ابن تونس بشعراء مصر كأنهم أولاد عمه ويفتخر ابن الشام بشعراء الجاهلية في الجزيرة العربية على أنهم أجداده، ولا زالت مناهج التعليم تعلم التلاميذ تلك المعلومات. وبنفس الوقت فإن الأردن والكويت يطلقون على برلمانهم مجلس (الأمة) أي أمة؟ وبعدها يقولون الأردن أولاً والكويت ومصر أولاً؟ وفي العالم معروفة حدود الدولة في الصين مثلاً (داخل حدود سور الصين).

واسم الدولة عندنا يرتهن باسم عائلة، دولة الأمويين..دولة العباسيين.. الحفصيين .. الأغالبة .. العثمانيين، الخ

إن هذا الارتجاج بالفهم يولد مناخاً قابلاً لتوليد آراء تتطرف وتؤذي الإسلام والمسلمين معاً. فرفض الواقع المليء بالمفاسد وتحميل أنماطٍ فكرية له يقود الى مزيد من التشرذم والفرقة..

نقاط اختلاف في الرؤى السياسية عند الخطاب الإسلامي

عندما نقول الخطاب الإسلامي، فإننا بالتأكيد لا نعني القرآن الكريم ولا السنن النبوية الشريفة المحفوظة في الكتب ويؤمن بها كافة المسلمين، بل نعني المحاججة الإعلامية والفكرية التي تتدافع مع غيرها من التيارات الوطنية التي يعنيها الهم الوطني بكل تفاصيله...

وعلى أي حال ليس هناك خطاب إسلامي سياسي في العصر الحديث بقي على ما هو، شأنه شأن كل الخطابات السياسية فالحزب الشيوعي الصيني الآن ليس هو كما كان في عهد (ماو سي تونغ) والتيار الناصري الآن ليس هو كما كان في عهد عبد الناصر..


فالسلفيون الذين حاربوا الحزبية والتحزب هرعوا لتشكيل أحزاب، والأخوان المسلمون وهم في المعارضة غيرهم في الحكم، وهذا طبيعي ومن حقهم وحق غيرهم أن يتجمعوا وفق أشكال تنظيمية تتلاءم مع الواقع، ومن حقهم وحق غيرهم أن يعمقوا صلاتهم بالجماهير ليحافظوا على صعودهم، ومن حقهم أن يوظفوا كل عناصر السياسة المحلية والإقليمية والدولية ليرسخوا أقدامهم في طريقهم.. لكن ليس من حقهم أن يدعوا أنهم يملكون الحقيقة وحدهم..

لا تخلو النظريات والأدبيات السياسية التي ظهرت خلال قرن ونصف من التطرق الى موضوع الدين، وهي تتقارب في كثير من الأحيان وتتباعد قليلاً في أحيانٍ أُخرى، ولم تقتصر تلك الخطابات على مجموعة محددة، بل كتبها مفكرون من الأخوان المسلمين لهم قدرتهم وباعهم الطويل، وكتبها مفكرون من حزب التحرير لهم نظرتهم التي تُحترم وكتبها سلفيون لهم وجهات نظر تحمل في طياتها كثيراً من الأفكار التي تحمل وجاهتها. وكتبها أزهريون وسطيون تُحترم كتاباتهم، وكتبها مفكرون إسلاميون لا ينتمون الى أي مجموعة كالمفكر محمد عمارة و العالم مصطفى محمود ومحمد عابد الجابري وفهمي هويدي ومئات من المفكرين المحترمين

حتى أن الفكر القومي لم تخلو الكتابات فيه من التطرق الى الدين باهتمامٍ كبير، وأن مجموعة العلمانيين أو الملحدين في المناطق الإسلامية والعربية لم يقللوا من شأن العامل الديني وهم يعرفون جيداً مدى تغلغل هذا العامل في صفوف الجماهير التي يعملون في وسطها.

لقد التقت كل الفصائل الوطنية بمختلف مشاربها العقائدية على جملة أهدافٍ منها:
1ـ التحرر من سيطرة الأجنبي وتدخله في شؤون البلاد..
2ـ تحقيق العدالة والمساواة، وإشاعة روح المواطنة البعيدة عن الطائفية والعرقية والقبلية والجهوية..
3ـ تناقل السلطة ومواقع القيادة الإدارية والسياسية دون تقنين يحرم فئة أو فرد من أخذ فرصته..
4ـ محاربة الفساد واستيلاء مجموعات ضيقة على مقدرات المجتمع..
5ـ تفجير الطاقات الإبداعية لأبناء المجتمع والنهوض بالبلاد من حالة التخلف الى حالة ازدهار واللحاق بركب العالم المتقدم.. والتحرر من رهن الحالة الاقتصادية بالدوائر الإمبريالية..
6ـ رفع حالة الكرامة الوطنية التي تتأثر بما يجري في الشأن المحلي والقومي، فقضية فلسطين والقضايا التي تشابهها وتتولد تباعاً لم تعد شأناً يهم أهلها وحدهم بل يهم أبناء الأمة كلهم..

خلاصة

إن تلك الأهداف التي تلتقي عليها كل الفصائل الوطنية، وكل المواطنين، لا تتحقق بالورع والتدين وحده، بل بالعلم والمعرفة والقبول بوجود الآخر. فالدين والورع يهيئان للمجتمع مناخاً أخلاقياً ونزوعاً لقبول العدل و (القِسط) وهما شرطان أساسيان لتحقيق كل ما سبق..

المواطن الملتزم بصلاته وصيامه وخشيته من الله سواء كان مسلماً أو مسيحياً أو غير ذلك ينتظر من أصحاب الخطابات أن ينتقلوا من المناظرة الى وضع برامج تجمع حولها كل أصحاب الجهد النافع من كل الفصائل، حتى لا تذهب جهود تلك الفصائل في محاربة بعضها البعض وتبقى الأمة تراوح في مكانها..

__________________
ابن حوران
ابن حوران غير متصل   الرد مع إقتباس